رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ونس الدكة

وأنت تعد فطورك، فكر بغيرك.. (لا تنسَ قوت الحمام) وأنت تخوض حروبك، فكر بغيرك.. (لا تنسَ من يطلبون السلام) وأنت تسدد فاتورة الماء، فكر بغيرك.. (من يرضعون الغمام) وأنت تعود إلى البيت، بيتك، فكر بغيرك.. (لا تنسَ شعب الخيام) وأنت تنام وتحصى الكواكب، فكر بغيرك.. (ثمة من لم يجد حيزاً للمنام) وأنت تحرر نفسك بالاستعارات، فكر بغيرك.. (من فقدوا حقهم فى الكلام) وأنت تفكر بالآخرين البعيدين، فكر بنفسك.. (قل: ليتنى شمعة فى الظلام).

أشكرك وأعتذر أيها الشاعر العظيم الراحل محمود درويش عن كلماتك السابقة، أشكرك طوال الوقت على ستر نواقصنا وضعفنا المفضوح، أشكرك أنك تطالبنا فقط وسط رائحة الدم الزكية التى تفوح وسط الحوارى والبيوت الفلسطينية بأن نفكر فقط، وأن تكون أقصى إنجازاتنا أن ننام على أريكتنا الوثيرة نفكر فى مشاهدة التلفاز لنعرف آخر من استشهد وفقد الروح والبيت والوطن، بينما بيوتنا موصدة علينا وداخلها الدفء والطعام.

أما الاعتذار فلك يا شاعرنا الراحل الكبير محمود درويش ولكل فلسطينى، فأنا أقصى ما أملكه هو هذه الصفحة السيارة التى ستتحول لوثيقة باهتة اللون بعد يوم من نشرها، أعتذر أننى لا أستطيع سوى أن أحتفى بجائزة المبدع الفلسطينى الكبير غسان كنفانى وأن أقدم ولو دعوة متواضعة للحديث عن فلسطين كلما سنح ضعفى أن أحكى وأكتب.

لذلك اخترت من بين عشرات الأبحاث والدراسات التى كتبت عن الرواية الفلسطينية، التى أصحابها ينتمون لكل الأقطار العربية دراسة هامة كتبها الباحث الفلسطينى الدكتور رياض كامل المقيم مع عائلته فى مدينة الناصرة الفلسطينية حتى الآن. وهو كاتب وناقد أكاديمى فلسطينى له العديد من الأعمال النقدية والدراسات الأدبية والفكرية فى مجال القصة والرواية والمسرح والشعر. حاصل على شهادة الدكتوراه حول أدب الروائى السورى حنا مينة من جامعة بار إيلان ويعمل محاضراً فى الكلية الأكاديمية– أورنيم، وهو عضو اتحاد الكتاب الفلسطينيين فى فلسطين المحتلة عام 1948 وأيضاً عضو فى لجنة تحكيم جائزة محمود درويش.

فى البداية يرى الدكتور رياض كامل أن المصادر كلها تكاد تجمع على أن الرواية العربية الفلسطينية بلغت مرحلة النضوج على يد جبرا إبراهيم جبرا (1920-1994)، إميل حبيبى (1921-1996) وغسان كنفانى (1936-1972).

حيث يكتشف الدكتور رياض كامل ان هؤلاء الثلاثة، يجمع بينهم ارتباط عضوى، نظرا لما لهم، معا، من دور مهم فى دعم وتدعيم أسس الرواية العربية الفلسطينية.

يقول الدكتور رياض كامل أن كلاً منهم قدم، من موقعه الأيديولوجى والجغرافى، رؤيا خاصة ساهمت فى ترسيخ وتأصيل هوية الفلسطينى الذى عاش تجربة خاصة به، هى تجربة التهجير والتشتت، والحرمان من الطفولة ومن البيت، ومن حق العودة وإعادة بناء العائلة على المستوى الخاص والعام.

موضحاً ان هؤلاء الثلاثة حظوا باهتمام النقاد والدارسين فى الشرق والغرب، وترجمت أعمالهم إلى عدة لغات.

مضيفاً أن كتابات هؤلاء الأدباء الثلاثة هى فى معظمها محصلة «الصدمة» التى تستحق دراسة أكبر وأوفى من المختصين فى مجال علم النفس وعلم الاجتماع. كان جبرا وحبيبى شابين صغيرين حين وقعت النكبة، وكان غسان حينها طفلاً، ولما بعثت الآمال من جديد كانت النكسة الصدمة الثانية، فكان من الطبيعى أن تنال هاتان الصدمتان حيزا واسعا من إنتاجهم.

يقول الدكتور رياض كامل ان هزيمة 1967 كانت منبها إلى خلل شامل فى منظومة وبناء العالم العربى عامة، وقد ظهرت إثر ذلك مجموعة من الكتابات الروائية العربية التى تبين الإحباط العربى وخيبة أمل العرب وفقدانهم الثقة بهذه الأنظمة، لكن صدمة الهزيمة كانت بالنسبة للفلسطينيين محفزاً كى يعيدوا النظر فيما كان من قبل، وشهدت فترة ما بعد النكسة هبة جماهيرية فلسطينية تؤكد أهمية دور الفلسطينى فى حمل دور الريادة، كما تجلت فى أعمال هؤلاء الثلاثة وفى أعمال أدبية فلسطينية كثيرة.

يجد الدكتور رياض كامل أن هناك أفكاراً متشابهة فيما بين هؤلاء الثلاثة، وأخرى مغايرة وذلك وفق الجغرافيا والأيديولوجيا التى تبناها كل منهم. يشترك الثلاثة فى التفكير بمستقبل أفضل وأكثر أمناً وأماناً كى لا تتكرر النكبة والنكسة. يرى غسان أن ذلك لن يتحقق إلا من خلال مقاتل مؤمن بحقه بالعودة، ويرى جبرا أن ذلك يحتاج إلى إيمان فلسطينى داخلى بحق العودة، ويبحث حبيبى عن هوية فقدت فيراها فى عودة الوعى.

مسترسلاً بقوله: انطلق الثلاثة فى كتاباتهم من خلال أيديولوجيا ترى أن الصراع ليس بين شعبين، إنما هو خلاف عقائدى بين فكرين متناحرين، فبنى كل منهم مشروعه على أساس نشر الوعى من ناحية ومصارعة الآخر من ناحية ثانية، وذلك يتطلب التوجه نحو ثلاث جهات على الأقل: الداخل الفلسطينى، والعربى عامة، والرأى العام العالمى، فكانت الترجمة التى قام بها جبرا مشروعاً تثقيفياً مهماً موجهاً للعربى حيثما تواجد، وكانت كتابات كنفانى وحبيبى ومقالاتهما السياسية موجهة إلى كل الجهات، وكانت الأعمال الأدبية على اختلافها كتابات مؤدلجة لتجنيد الداخل والخارج وشحن الإرادة العربية وإعادة الثقة بالذات فى ظل هزيمتين كبيرتين: النكبة والنكسة.

أخيراً يصل الدكتور كامل رياض إلى أن الثلاثة نجح كل من موقعه، ومن خلال تجربته، فى ترك بصمة هامة فى مسيرة الرواية العربية الفلسطينية، وكانت بعض أعمالهم بوصلة يحاول الكثير من الأدباء الاهتداء بها والاستفادة منها، بل نجحوا جميعاً فى رفع مكانة الرواية الفلسطينية لتصبح منافساً حقيقياً لأهم الأعمال الروائية العربية.