رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

فى اعتقادى أن قيام شخصية مثل أنتونى بلينكن بمهام وزارة الخارجية الأمريكية فى هذه الفترة الحرجة من تاريخ الشرق الأوسط ربما يشفى غليل الكثيرين فى محاولة فهم أبعاد التطابق فى المواقف بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

صحيح أنه ربما كان الراحل كيسنجر والذى تولى المنصب ذاته خلال فترة غير قصيرة مثال آخر ولكنه أقل فجاجة. والميزة -إذا كان فيما نشير اليه ميزة- أن بلينكن ذاته لم ينكر تأثير يهوديته تلك على رؤيته لقضايا المنطقة، ولذلك فقد راح فى اول زيارة له بعد طوفان الأقصى يعلن بملء فيه أنه جاء إلى المنطقة بصفته يهوديا أكثر منه مسئولا أمريكيا.

لم يكتف الرجل بهذا التصريح، الذى يدينه أكثر مما يبرئ ساحته، وإنما كان حريصا على وضعه موضع التطبيق فى كل همسة، وكل لمسة ليد زعيم عربى أو غير عربى.. الرجل يشعر بالولاء لانتمائه الدينى ويرى أن هذا الولاء يجب ان ينعكس على مواقفه السياسية.

لو كنت من الإسرائيليين لاستدعيت بلينكن بمزاجه أو غصبا عنه لتولى رئاسة الوزارة فى الدولة العبرية بدلا من ذلك الاحمق نتانياهو باعتبار أن بلينكن مخلص أكثر ليهوديته ويسعى لتحقيق أهداف أكثر حيوية. فى مساعيه تلك يحاول بلينكن بقفاز ناعم من حرير أن يمسك برأس حركة حماس ويخنقها، بدلا من ضجيج السلاح الذى قد يكون ضرره أكثر من نفعه.

عندما تتابع تصريحاته قد يخيل إليك انه يرى بعين واحدة -على غرار موشيه ديان- وإن كان بشكل معنوى. يهودية الرجل لا تجعله يرى سوى تلك المواقف التى تصب فى مصلحة إسرائيل، اما الفلسطينيون فإنهم على ما يبدو ليسوا سوى هواء، فراغ، لا شىء. ولذلك لا تستغرب عندما تجده يصف عرض تل أبيب بالهدنة مع حماس باعتباره حسب رؤيته عرضا سخيا يجب على حماس قبوله، بشكل سيستدعى إلى ذهنك على الفور ذلك المثل القائل: وهل الحدأة ترمى كتاكيت!؟ فى حين أن الهدف الوحيد لذلك العرض من قبل إسرائيل وبلينكن ذاته هو تسلم الأسرى لدى حماس ثم الانقضاض عليها بعد ذلك كما تنقض الفريسة على ضحيتها!

من فرط حالة التوحد لديه مع مصالح بلاده -أسف الدولة التى ينتمى إلى دينها- لم يجد ما يشين فى أن يدين طلبة الجامعات الأمريكية فى احتجاجاتهم على عمليات الإبادة التى ترتكبها اسرائيل ضد الفلسطينيين العزل فى غزة والتى أدت إلى استشهاد 34 ألف فلسطينى، فيما راح يعرب عن دهشته من صمتهم على قتل حماس 1300 اسرائيلى فى 7 اكتوبر الماضي! إنها الإنسانية فى أكثر تجلياتها قبحا!!

ولأنه يرى الأمور من «عل» على غير ساسة إسرائيل الذين لا يرون سوى ما تحت أقدامهم، فإن بلينكن يركز على الحصول على الجائزة الكبرى وهى التطبيع مع السعودية. تخيل.. الدنيا مقلوبة فى غزة حيث تحول القطاع إلى مقبرة جماعية بشكل ربما لم يحدث فى تاريخ الإنسانية، وكل ما يريده بلينكن ويركز عليه فى جولاته التى قد يبدو لك انها لوقف الحرب على غزة، هو بدء التطبيع السعودى مع تل أبيب. ليس ذلك فقط بل جر قادة المنطقة إلى ما يشبه التحالف لمواجهة الخطر الإيرانى رغم ان طهران قد لا تكون فى منظور العرب كذلك! فى حين أن الأمر ليس سوى هدف إسرائيلى وبالتبعية أمريكى بحث.

ورغم كل شىء فإن بلينكن بممارساته تلك يمثل نموذجا يجب الاحتذاء به على المستوى العربى فى الإخلاص لعروبتنا.. وقتها اعتقد أننا سنقترب اكثر من تحقيق أهدافنا.

[email protected]