رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تحصد أرباحًا طائلة من المواد المسرطنة

«مافيا الأسمدة».. تهدد صحة المواطنين

مزارعون في الأرض
مزارعون في الأرض

«من يزرع العلقم لن يحصد العِنب».. هذا أقل ما يُقال حينما تكون المحاصيل الزراعية تحت طائلة المتاجرين بصحة المواطنين، ممن ارتكبوا بحقّها من إفراط في استخدام مبيدات ومخصبات زراعية مغشوشة كست الأسواق، ومظاهر فساد شتّى ارتجّت لها الأرض.


«الحقل الأخضر مولد وصاحبه غايب».. أسمدة محظورة تتللقّفها الأرض، وتُجار سموم، وجُناة جنوا خيرها، لا يلقون بالًا ولا يكترثون بشيء سوى الربح السريع والإنتاج المُضاعف، غاضّين الطرف عن أوبئة لا تزول نالت من المُعافى والسقيم.


ثمار ذبُلت نضارتها، وسوق سوداء أنيابُها لا ترحم، وأمراض بالجُملة.. وهذا لسان حال الزراعة في مصر، لافتة الـ«لا وعي» تدق ناقوس الخطر، وغياب الإرشاد أطلق العنان لـ"مافيا الأسمدة" وانتشار أسواق مُحمّلة بكثير من الخضروات والفاكهة التالفة، والتي تُشكل خطرًا على صحة الإنسان وإصابته بأمراض خطيرة تطال عواقبها مجتمع بأكمله.


لقد غصّ سوق المبيدات والأسمدة بكثير من المركبات المغشوشة والتركيبات العجيبة بل والمحتوية على مواد مسرطنة ومحرمة دوليًا، فضلًا عن الأسعار المبالغ في قيمتها والاستهتار بالتركيزات الموصي بها، والالتزام بفترة ما قبل الحصاد بعد رش المبيدات الحشرية والفطرية، وهناك أشخاص المبدأ لديهم هو الربح فقط بغض النظر عن استخدام أي مواد فلا وازع ديني ولا أخلاقي ولا رقابة حقيقية.

هذا الملف يرصد واقع الزراعة «عمود التنمية» في مصر، ويزيح الستار عن مخالفات بالجُملة وأسمدة غزت الأسواق وأفسدت المزروعات، خاصة بعد أن كشفت الإحصاءات أن العالم يستهلك حوالى 5٫5 مليون طن مبيدات سنويًا بما قيمته 61 مليار دولار.

مبيدات محظورة دوليًا.. والرقابة غائبة

تعد الأسمدة والمبيدات من أهم المواد التي يعتمد عليها المزارعون لزيادة إنتاجية أراضيهم، ولذلك فهم يحرصون على شرائها سواء من الجمعيات الزراعية أو حتى من السوق السوداء بعيدًا عن الرقابة، ولكن استخدام هذه الأسمدة والمبيدات غالبًا ما يتم بشكل خاطئ خاصة في الأراضي الصحراوية، مما يؤدي إلى إصابة المواطنين بالأمراض المختلفة والإضرار بالأرض الزراعية والبيئة بشكل عام.

 مزارعون: قوت يومنا فيه سُم قاتل

هذا ما أكده المزارعون والخبراء على السواء، حيث أكد «إيهاب. م»، 41 عامًا، أنه كان يستخدم الكيماويات في المزرعة الصحراوية التي عمل بها، قائلًا: «الفلاح منا يُجاهد ليل نهار للحصول على قوت يومه، فكيف الحال إذا كان هذا القوت فيه سُم قاتل!».

وأضاف أن صاحب المزرعة كان يُصدر تعليماته برش المحصول بالمبيدات السامة، لتنضج الثمار ويحصدها في اليوم التالي، ليبيعها في الأسواق ويحصد المكاسب، فمثلًا «الخيار» كان يُرش بالمبيد في الصباح وينضج في اليوم التالي، في حين أنه يحتاج في الطبيعي ما لا يقل عن 14 يومًا لكي يُؤكل منه، وتعتبر تلك المدة هي أقل فترة حصاد.

وقال: «في إحدى المرات أُصبت بالتسمم أثناء استخدام تلك المبيدات الضارة في الزراعة، وظهرت عليّ أعراض مثل تلعثم في الكلام وإسهال وغثيان وتقيؤ وتعرق، ورعشة بالعضلات، وتم إنقاذي بـ«سلفات أتروبين»، ومن وقتها تركت العمل في المزرعة، بعد أن قررت أن أفلت بنفسى وعمري من الموت المحقق بأراضيها».

في السياق ذاته، قال «سامي. ش»: «أجبرتني الظروف على العمل في الجبل وأنا على مشارف الستّين، وهناك تأكدت أن الفلاح هو الحلقة الأضعف في دائرة فساد المزروعات، وسط مافيا الأسمدة وأباطرة المبيدات، عملت باليومية في مزرعة استنزفت صحتي ولم أهنأ فيها يومًا براحة البال، فمالكها لا يعنيه شيء سوى مضاعفة الإنتاج وتحقيق آلاف الجنيهات على حساب صحة المزارعين والمستهلكين».

وأضاف: مرّت الأيام وأنا أتحمل فوق طاقتي رغم كبر سنّي ووهن جسدي، حتى جاء اليوم الفصل حين بدت عليّ علامات التسمم، شعرت بتهيج في عيني وتشوش الرؤية، وحساسية شديدة في الصدر، وأعراض أخرى ما زِلت - حتى اللحظة - أعاني من تبعاتها نتيجة الاستخدام المباشر للمبيدات السامة أثناء رش المحاصيل الزراعية.

وقال «سعيد. ا»، فلاح، إنه يزرع أرضًا يأكل منها هو وأسرته، ويمتنع فيها عن رش بعض الخضراوات والفاكهة بالمبيدات الضارة، حتى لا يكونوا عُرضة للإصابة بالأمراض، قائلًا: أتمنى أن تكون هناك رقابة على المزارع الصحراوية، وتحليل الخضراوات والفاكهة الواردة منها، فطبيعة عملي كمُزارع تجعلني على دراية بما يحدث داخلها، ولكن المستهلك يُغريه فقط حجم الثمرة الكبيرة ولونها الزاهي غير مكترثٍ بما وراءها، ولكن خلف الكواليس الكثير يستحق أن يعرفه الجميع.

من ناحية أخرى أجمع الخبراء على خطورة استخدام هذه المبيدات والمواد الضارة، حيث أكد المهندس الزراعي حمادة محمود عبدالعاطي أن الفلاح يستخدم الأسمدة التي توفرها وزارة الزراعة عن طريق الجمعيات الزراعية المنتشرة في القرى مثل اليوريا والنترات، واستخدامه لها يتم تحت إشراف الجمعية مما لا يسبب أي ضرر، ويخشى الفلاح استخدام ما يضر أرضه ومحاصيله، حفاظًا على سلامة أسرته، موضحًا أن المشكلة الأساسية تكمن في الزراعة الصحراوية التي لا تخضع لأي رقابة، فكل مالك يطلق العنان لنفسه، ويستخدم الأسمدة بالطريقة التي تعود عليه بالربح السريع، ولمكافحة «النيماتودا» في الأراضي الصحراوية هناك من يستخدم مواد محرمة دوليًا مثل «بروميد الميثايل»، والتي تسبب سرطانات على المدى البعيد تجلبها عصابات التهريب من الخارج، لأنه غير مصرح بدخولها البلاد بالطرق الشرعية.

المهندس الزراعي حمادة محمود عبدالعاطي

وأشار إلى أن هناك بعض المبيدات المحرم استخدامها ومنها مادة الجومايت والأنتيمايت التي تُسبب فشلاً كلوياً على المدى البعيد، ولكن هناك بعض المزارعين لا يهمهم سوى المكسب والربح السريع، لذلك يستخدمون هذه المواد المحرمة بغض النظر عن تأثيرها الضار على المواطنين.

وعلق على تسمية البعض لـ«هرمون الطماطم»، قائلًا إنها هرمونات طبيعية موجودة في الثمرة نفسها، ولكنها تختلف من ثمرة لأخرى من حيث التركيز أو كبر الحجم، وبدلًا من أن ينتظر المزارع حتى تحصل الطماطم على لونها الطبيعي خلال أسبوع أو عشرة أيام من نضجها، يقوم بإضافة هرمونات لتلوينها سريعًا ليحصل على نتيجة سريعة، ويُعجّل من نُضج الثمرة وقطفها في اليوم التالي، ولهذه الطريقة أضرار كبيرة على صحة الإنسان على المدى البعيد، فرغم أن تأثيرها ليس وقتيًا إلا أنه خطير جدًا.

 أحمد حسن توفيق خبير زراعات الصوب

وأشار المهندس الزراعي أحمد حسن توفيق، خبير زراعات الصوب، إلى أن الزراعة علم، وهذا جانب يغفله كثير من العاملين بهذا المجال، فالمستثمر والفلاح الذي لا يعي الأمور يضر نفسه وغيره.

وقال خبير الصوب الزراعية إن سبب وجود ظواهر مثل تعفن الثمار وقلة جودتها مع مظهر شبه جيد هو إغفال مبدأ التغذية العلاجية للمحاصيل والمنتجات الزراعية.

وأرجع سبب فساد بعض الخضراوات إلى استخدام سماد البودريت، وهو من أخطر الأسمدة، حيث يُصنع من مخلفات الصرف الآدمية وما تحتويه من العناصر الثقيلة والضارة بصحة الإنسان، ويستخدمه كثير من المزارعين كخدمة عضوية، فهو بمثابة كارثة تضر التربة، وتهدد صحة الإنسان والحيوان، وقد توصلت الأبحاث التي أُجريت عليه إلى أنه يُسبب أمراضًا خطيرة للإنسان، مثل الفشل الكلوي والالتهاب الكبدي الوبائي والسرطان، وكذلك أيضًا الأسمدة المغشوشة والمحتوية على عناصر ضارة بالتربة الزراعية والنبات مثل الكلور والصوديوم والأسمدة التي يتم خلطها بملح الطعام.

وأكد توفيق أن دور الإرشاد غائب تمامًا عن ساحة الزراعة في مصر، واستخدام المبيدات وطرق تداولها تعد كارثة بمعنى الكلمة، ولو أرادت الدولة مكافحة الأوبئة والأمراض المستعصية المتفشية فعليها أن تبدأ من محلات وأماكن بيع الأسمدة والمبيدات ومزارع الفلاحين ومصانع المواد الغذائية، وليس من الصيدليات ولا المستشفيات، فالوقاية خير من العلاج.

وشدد على أنه لا بد من اتباع إجراءات في السوق المحلية شبيهة بتلك المرتبطة بالمنتجات الزراعية المعدة للتصدير، مثل تحليل نسب متبقيات المبيدات، وفترة التحريم بين رش الآفات وجمع المحاصيل، ولا بد من وجود منظومة متكاملة تشرف على المنظومة الزراعية برمتها من توفير الشتلات والتقاوي والبذور والأسمدة والمبيدات ذات الكفاءة العالية، وتوفير منظومة عادلة للعاملين في الزراعة ووضع آليات سوق قائمة على التنافس للوصول لأفضل جودة وسعر للمستهلك وأفضل عائد مُجدٍ للمستثمر والفلاح في ظل ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج.

وأشار خبير زراعات الصوب إلى دور المستهلك، مؤكدًا أنه يجب عليه مراعاة التخزين الجيد للمنتجات الزراعية؛ لأن كثيرًا منها تفقد جودتها وتتلف بسبب سوء التهوية وعدم الدراية بالتخزين الجيد في أماكن ذات تهوية ورطوبة جيدة كالبصل والطماطم وكذلك الخضراوات الأخرى التي تُحفظ بالتبريد في الثلاجات.

وحذر الخبير الزراعي من نقص الخبرة بأمراض المحصول المستهدف وكيفية الوقاية قبل الإصابة والتنبؤ بالأمراض، وعدم الدراية بالتغذية السليمة للنبات واحتياجات كل محصول للعناصر والأسمدة المختلفة.

وأكد أنه يجب توفير الخامات والأصول الثابتة بأسعار تنافسية معقولة وبدون احتكار والمساعدة في تخفيف العبء على المزارعين والمستثمرين، بجانب توفير الخبرات الفنية سواء من القطاع الحكومي أو القطاع الخاص؛ لدعم المبتدئين في هذا المجال وتنظيم سوق التصدير، وتوفير وسيلة إعلامية لإطلاع المزارعين على أسعار المنتجات المصدرة كي لا يقعوا تحت طائلة فساد بعض المصدرين واستغلالهم، إضافة إلى خلق بيئة عمل تراعي مصالح العاملين وأصحاب المشاريع؛ لأنها منظومة واحدة يكمل بعضها البعض.

الخضراوات والفاكهة.. مستنقع للأمراض الفتاكة

تعانى الزراعة في مصر من سوء استخدام الأسمدة الزراعية، فرغم أن هذه الأسمدة ضرورية لزيادة إنتاجية المحاصيل إلا أن فوضى الاستخدام أضرت بالأراضي الزراعية وبالبيئة المصرية وبالصادرات الزراعية التي كانت أمل مصر في تحقيق توازن الميزان التجاري.

 المهندس هشام الكحال استشاري زراعة الفراولة والخُضر

وكشف المهندس هشام السيد الكحال، استشاري زراعة الفراولة والخُضر، أن هناك بعض الظواهر التي طرأت على المحاصيل الزراعية بعد الحصاد في الآونة الأخيرة، خاصة محاصيل الخضر الدرنية مثل البطاطس والبصل والثوم، وهى أن المظهر الخارجي للثمار جيد، أما من الداخل فنجد الدرنة تالفة بها عفن وغير صالحة للاستهلاك، وتلك الحالات لها أسباب؛ مثل الإسراف في التسميد الأزوتي، والذي يجعل الثمار ذات أنسجة طرية معرضة للإصابة بالأمراض الفطرية، كما أن هناك وقتًا معينًا يحتاج فيه النبات إلى التسميد بعناصر معينة مثل البوتاسيوم والفسفور والكالسيوم، وفى حال عدم التزام المزارع بالتسميد في هذا الوقت تتلف الدرنات.

وأضاف استشاري زراعة الفراولة والخُضر، أن هناك بعض المعاملات الكيماوية الخاصة بالاستخدام الأمثل للمبيدات للوقاية، لكن للأسف المزارع العادي يعتمد على نظرية «عند ظهور المرض أبدأ بالمكافحة»، وبالطبع تعد تلك النظرية خاطئة تمامًا؛ وذلك لعدم درايته بنظام المكافحة المتكاملة، وهو ما يعكس قصور دور الإرشاد الزراعي، كما أنه توجد أمراض فطرية وحشرية تُصيب المحاصيل قبل وبعد الحصاد، وهناك طرق مكافحة وبرامج ستعود بالربح على المُزارع في حال التزامه بها.

وعن دور وزارة الزراعة أشار «الكحال» إلى أنه من المفترض أن تقوم الوزارة بعمل ندوات زراعية قبل موعد زراعة كل محصول من خلال الجمعيات الزراعية، علاوةً على عمل حقول إرشادية تابعة لكل جمعية؛ ليتعرف المزارع على طرق ونظم الزراعة الحديثة، فعلى سبيل المثال نجحنا في محصول الفراولة نجاحًا منقطع النظير في تعريف المزارعين بأحدث الأساليب العلمية في زراعة الفراولة فوصلنا بالمحصول لأعلى تكنولوجيا من حيث المشاتل والإنتاج، وأصبحت مصر الأولى عالميًا في تصدير الفراولة لكل دول العالم.

الخبير الزراعي نهاد محمد أديب

والتقط أطراف الحديث الخبير الزراعي نهاد محمد أديب، مشيرًا إلى أن تلف الخضراوات والفاكهة من الداخل يرجع إلى عدة أسباب؛ منها زيادة الهرمون الخاص بالنبات سواء كان بالري أو الرش، فمن الممكن أن تكون النبتة مصابة بفطريات قبل أو بعد زراعتها، وكذلك زيادة أو نقص الري، فلا بد من تعويد النبتة على وقت وكمية معينة من الماء، على سبيل المثال مرة أو مرتين فقط بالأسبوع بالصيف ومرة كل أسبوع بالشتاء، وكذلك أيضًا العوامل المناخية قد تكون سببًا في التلف نتيجة الحر أو البرد الشديد، بالإضافة إلى كثرة السماد والمواد الكيماوية والمبيدات الحشرية المستخدمة لرش النبات، لذلك لا بد من استخدام كمية مناسبة عند التسميد أو الرش، موضحًا أن هذه الظاهرة طبيعية تصيب المزروعات وهي ليست خطيرة ولكن يجب علاجها، ويُنصح بالرجوع إلى خبير لتحديد كمية المبيدات والأسمدة التي يتم تسميد الأرض بها والتي تناسب كل محصول.

ونصح «أديب» بضرورة متابعة وإعطاء دورات ومحاضرات مجانيّة للمزارعين والعمال، مؤكدًا أن الفلاح بعيد كل البُعد عن الأساليب الحديثة والمتطورة في الزراعة وطرق تحسين جودة المحاصيل؛ لأن تكنولوجيا الزراعة صعبة على بعض العمال غير المثقفين، فالشخص منهم يكون حافظًا لما يفعله دون فهم، ولكن الزراعة بحر كبير يجب معرفته جيدًا قبل الغوص فيه، ولا يمكن غض الطرف عن طرق تحسين جودة المحاصيل، والتي تتمثل في المعرفة التامة بالزراعة، وأن يكون العمال مؤهلين ومختصين، وتوفر المعدات والأدوات الزراعية، وتأسيس وتنظيف وتعقيم مكان زراعة الشتلة مثل البيوت المحمية، وأيضًا جودة الشتلة ومصدرها، فلا بد من أن تكون سليمة صحيًا.

نقيب الفلاحين: الفلاح ضحية.. وغياب الإرشاد الزراعي كارثة

من ناحية أخرى، تدهور الإرشاد الزراعي بصورة مؤسفة بعد أن كان يؤدي دورًا جوهريًا في العقود الماضية، وأصبح الفلاح هو مرشد نفسه، مما أدى إلى انخفاض إنتاجية المحاصيل أو تلفها بسبب سوء التخزين.

حسين عبدالرحيم أبوصدام نقيب الفلاحين

ويقول حسين عبدالرحيم أبوصدام، نقيب الفلاحين، إن فساد الخضراوات أو الفاكهة من الداخل غالبًا ما يكون نتيجة سوء التخزين؛ لأنها محاصيل سريعة التلف، ولكل فاكهة نمط تخزين معين مثل التبريد والتجميد، أو التخزين تحت أشعة الشمس، والتجفيف، كما أنها يمكن أن تفسد نتيجة معاملة زراعية معينة؛ سواء كان الإفراط في الري أو في التسميد أو رش مبيدات غير مطابقه للمواصفات.

وحول التكنولوجيا الزراعية، أوضح نقيب الفلاحين أنها تحتاج إلى مبالغ طائلة، ودعم مادي من الدولة، أو إمداد بالآلات؛ وذلك نظرا لارتفاع أسعارها، معربًا عن أمله في أن تنتشر التكنولوجيا في مصر، بداية من المراحل الأولى للزراعة وحتى الحصاد.

وأكد «أبوصدام» أن الفلاح المصري ضحية للظروف الاقتصادية، لأن هناك إمكانات كبيرة جدًا في هذا المجال، لكنه لا يستطيع الحصول عليها بنفسه خاصة التكنولوجيا الحديثة، لذلك لا بد من إرسال الفلاحين في بعثات للخارج، وأن يكون هناك إرشاد زراعي حقيقي على الأرض، وأن تتوافر آلات زراعية حديثة ومتطورة بالتقسيط، بالإضافة إلى عمل دورات لتدريبهم على استخدامها، مطالبًا بتغيير المناهج الزراعية، لكي يُصبح خرّيجو كليات الزراعة والحاصلون على دبلوم زراعي مُلمِّين بالواقع الموجود فعليًا.

أساتذة طب: المخاطر الصحية فادحة

ينتاب الكثيرين الخوف من «الموت البطيء» نتيجة أغذية فاسدة أو مياه ملوثة، أو بكتيريا تغزو الجِبَن والألبان، إلا أن آخر فصول هذا المسلسل هو إدخال المبيدات الزراعية المسرطنة إلى مصر بطرق غير شرعية.

د. محمود محمد عمرو مؤسس ومستشار المركز القومي للسموم

في هذا السياق، قال الدكتور محمود محمد عمرو، مؤسس ومستشار المركز القومي للسموم وأستاذ الطب المهني والبيئي والأمراض الصدرية بقصر العيني، إن المبيدات سلاح ذو حدين: ينتج عنه تعرض الإنسان لمخاطر صحية جسيمة نتيجة الاستعمال العشوائي لها، ومن ثم فإن الجهل بأساليب الاستخدام الأمثل لها وطرق الوقاية من أضرارها ليس مضرًا بالمزارع وحده، بل بعامة الناس.

وأكد مؤسس المركز القومي للسموم على مقولة «إن الوقاية خيرٌ من العلاج»، مشيرًا إلى أنه لا بد للمزارع من توخي الحذر أثناء التعامل مع المبيدات، فعليه التعقيم باستخدام المطهرات، قائلًا: «المزارع أو العامل بمصنع للمبيدات يصطحب آثارها معه إلى بيته، وبالتالي تكون أسرته عُرضة للأذى حال عدم غسل الملابس جيدًا»، مشددًا على ضرورة أن تخضع المبيدات لرقابة كاملة من أجهزة الدولة.

وتطرق أستاذ الطب المهني والبيئي إلى التأثيرات الصحية للمبيدات السامة، مؤكدًا أنها تضر الكبد حيث تحد من وظائفه، وتعسّر من عملية الهضم، كما أنها تضر بالكُلى والجهاز التنفسي، مسببة أزمات ربوية متكررة والتهابات شُعبية، نتيجة التعرض المباشر لها.

وأضاف أنه تم منع بعض المبيدات المسرطنة في كل دول العالم عدا الهند والصين، وبالتالي يتم تهريبها إلى دول الشرق الأوسط وإفريقيا، مثل (المخدرات والدولار).

واختتم حديثه قائلًا: في الثمانينات والتسعينات تم منع 120 مبيدًا من دخول مصر؛ لأنه ثبت وجود بعض التأثيرات المسرطنة بها، والآن عمليات التهريب تسمح بدخول العديد منها، لذلك أطالب بتحليل الفاكهة والخضراوات في السوق المحلية أيضًا، أسوة بما يحدث مع الصادرات، التي تخضع للجنة المبيدات للتأكد من خلوها تمامًا من المبيدات بناء على تحليل المعمل المركزي للمبيدات التابع لوزارة الزراعة.

د. أمل السفطي أستاذ الطب المهني والبيئي بكلية طب قصر العيني

وأشارت الدكتورة أمل السفطي، أستاذ الطب المهني والبيئي بكلية طب قصر العيني ورئيس قسم الطب المهني والبيئي ومدير مركز السموم سابقًا، إلى وجود أسمدة تحتوى على النيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم، وهى المواد التي يحتاجها النبات للنمو الصحي. وهناك أيضًا أسمدة عضوية مثل المجمعة من بقايا الأطعمة أو سماد الحيوانات. مطالبة بضرورة الاستخدام المتوازن للأسمدة، وتحديد احتياجات النباتات بشكل دقيق واستخدامها بشكل متوازن لتجنب تلوث البيئة.

وأضافت أن المبيدات تلعب دورًا حيويًا في الحفاظ على المحاصيل من التلف الناجم عن الآفات والأمراض، ويؤدي استخدام كميات كبيرة منها إلى تلوث التربة والمياه الجوفية، كما يؤدي إلى حدوث مقاومة لدى الآفات ويجعلها أكثر صعوبة في المكافحة، مشيرة إلى أن هناك قائمة كبيرة من المبيدات المسرطنة، والتي تزيد من احتمالات إصابة الإنسان بالسرطان عند التعرض لها بشكل مستمر، مثل الكلور العضوي، الكريوزوت، والسلفولات، في حين أن البعض الآخر (ولا سيما الكلور العضوي DDT والكلوردان والليندين) هي محفزات للأورام.

وأضاف أن العديد من المنظمات العالمية صنفت مركبات الزرنيخ والمبيدات الحشرية المستخدمة مهنياً على أنها مواد مسرطنة، بالإضافة إلى مبيدات الفسفور العضوية مثل المالاثيون والباراثيون المستعملة كمبيدات حشرية، والهرمونات التي تتحكم في نمو النباتات ومن أشهرها تلك المستخدمة مع محصول الطماطم، والمبيدات العضوية المحتوية على الكلور مثل الديلدرين واللألدرين والبيفينيلات، وهي مادة مضادة للصدأ وتم تصنيعها كمبيد ووجدت آثارها بالتربة والمياه.

ومن منطلق الاهتمام بصحة المواطن المصري والثروة الزراعية، أكدت أستاذ الطب المهني والبيئي أنه يجب التشديد على اختيار أنواع المبيدات المستخدمة، حيث واجهت مصر أزمات متعددة على مدار السنوات الماضية من رفض المحاصيل مثل البطاطس لاحتوائها على نسب من بودرة DDT المسماة أيضًا بـ«أكسيد الموت» المستخدمة لحفظ البطاطس، وهذا لما تسببه من أضرار مثل الإجهاض والعيوب الخلقية واختلال الجهاز المناعي، وإصابة الغدد الصماء ومختلف أنواع السرطانات، كما تم رفض محاصيل من الفواكه مثل الفراولة والموز لوجود نسبة من غاز البرومو ميثيل الذي يتم رشه على المحاصيل.

وأوضحت أن الدراسات الوبائية - على الرغم من تناقضها في بعض الأحيان - ربطت بين مبيدات الأعشاب التي تحتوى على حمض الفينوكسي مع ساركوما الأنسجة الرخوة (STS) وسرطان الغدد الليمفاوية الخبيثة. حيث ترتبط المبيدات الحشرية الكلورية العضوية بـSTS، وسرطان الغدد الليمفاوية اللاهودجكين (NHL)، وسرطان الدم، وسرطانات الرئة والثدي.

وأكدت أنه يجب وضع التشريعات والتوجيهات البيئية للحماية من الممارسات غير المسئولة في استيراد واستخدام المبيدات المسرطنة بالبلاد، وكذلك الاهتمام بتبني ممارسات زراعية مستدامة، حيث إن تقنيات الزراعة البيولوجية يمكن أن تساهم في الحد من الاستخدام الكثيف للمبيدات وبالتالي تقليل التعرض المحتمل للمواد المسرطنة.

أطباء: الأسمدة المغشوشة.. الطريق السريع للموت 
 

من جانبه كشف الدكتور محمد إكرام، استشاري الكبد والجهاز الهضمي والمناظير، تأثير استخدام الأسمدة غير المطابقة للمواصفات والكيماويات المغشوشة والمبيدات المنتهية الصلاحية، مؤكدًا أنها تسبب حدوث تليف بالكبد، والذي يؤدى بدوره إلى فشل كبدي تام أو الإصابة بسرطان الكبد، ويجب على المستهلك أن يتعامل بحذر مع الخضراوات قبل أكلها، فلا بد من غسلها بمياه وخل ثم شطفها لمدة 10 دقائق.

د. إيهاب صالح إخصائي الباطنة العامة والكبد والجهاز الهضمي

وقال الدكتور إيهاب صالح، إخصائي الباطنة العامة والكبد والجهاز الهضمي، إن تلك المبيدات والمواد الكيميائية يمتصها الجسم عن طريق الكبد، فيعمل على تكسيرها فتتفاعل بدورها مع النسيج الخلوي للكبد وتحدث الإصابة بمرض الكبد الدهني «Fatty liver disease» بصورة كبيرة، وقد تسبب الإصابة بتليف الكبد، والأورام الكبدية المنتشرة في مناطق عديدة بمصر.

ونصح إخصائي الباطنة العامة والكبد والجهاز الهضمي بضرورة إجراء الفحص والكشف الدوري والمتابعة المستمرة، للوقاية من المبيدات المسرطنة.

خبير قانوني: الجريمة بلا عقاب

عصام الدين أبوالعلا المحامي بالنقض

رغم أن المُشرِّع المصري فرض عقوبات صارمة على كل ما يعرض حياة الإنسان للخطر، إلا أنه لم يتطرق لاستخدام المبيدات والأسمدة الضارة التي تتسبب في إصابة الملايين كل عام بأخطر الأمراض الفتاكة، وتودي بحياتهم، لذلك طالب المتخصصون بضرورة تعديل التشريع المصري حتى لا تظل جريمة استخدام الأسمدة والمبيدات الضارة بلا عقاب.

في هذا السياق، أشار عصام الدين أبوالعلا المحامي بالنقض، إلى أن المشرع المصري لم يفرض عقوبات محددة على جريمة استخدام أسمدة غير مطابقة للمواصفات في أعمال الزراعة، وما قد يسبب استعمالها من أضرار كبيرة على المواطنين قد تصل للإصابة بأمراض خطيرة تصل إلى الوفاة.

وقال: نظرًا لأنه لا توجد قوانين خاصة تعاقب على مثل هذه الأفعال فإن الأمر يعود إلى القواعد العامة المنصوص عليها في قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية وبعض القوانين الخاصة؛ مثل تشريعات الغش التجاري، فسواء ترتب على استعمال أسمدة غير مطابقة للمواصفات ضرر بالغير أم لم يترتب عليه أضرار، فإن الجريمة تكون قد اكتملت أركانها.

وأوضح أن العقوبة تخضع للسلطة التقديرية، ففي حالة ثبوت أن الأسمدة والعلاجات والمبيدات غير صالحة كان القانون الواجب تطبيقه هو قانون الغش والتدليس رقم 48 لسنة 1941 والمعدل بالقانون رقم 281 لسنة 1994.

وأضاف أن القانون يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرين ألف جنيه أو ما يعادل قيمة السلعة موضوع الجريمة أيهما أكبر أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من خدع أو شرع في أن يخدع المتعاقد معه بأية طريقة من الطرق في أحد الأمور الآتية: «ذاتية البضاعة إذا كان ما سلم منها غير ما تم التعاقد عليه»، «حقيقة البضاعة أو طبيعتها أو صفاتها الجوهرية أو ما تحتوي من عناصر نافعة، وبوجه عام العناصر الداخلة في تركيبها»، «نوع البضاعة أو منشؤها أو أصلها أو مصدرها في الأحوال التي يعتبر فيها - بموجب الاتفاق أو العرف - النوع أو المنشأ أو الأصل أو المصدر المسند غشًا إلى البضاعة سببًا أساسيًا في التعاقد»، «عدد البضاعة أو مقدارها أو مقاسها أو كيلها أو وزنها أو طاقتها أو غيارها».

وقال المحامي بالنقض إن العقوبة تكون الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز ثلاثين ألف جنيه أو ما يعادل قيمة السلعة موضوع الجريمة أيهما أكبر أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا ارتكبت الجريمة المشار إليها في الفقرة السابقة أو شرع في ارتكابها باستعمال موازين أو مقاييس أو مكاييل أو دمغات أو آلات فحص أخرى مزيفة أو مختلفة أو باستعمال طرق أو وسائل أو مستندات من شأنها جعل عملية وزن البضاعة أو قياسها أو كيلها أو فحصها غير صحيحة.

ويرى المستشار القانوني أنه يجب على المشرع أن يتدخل بوضع تشريعات تحمل عقوبات رادعة على المتاجرين بصحة المواطنين؛ لأنه من غير المقبول أن يرتكب مزارع أو مورد أسمدة جريمة الغش التي قد يترتب عليها أمراض خطيرة، بل قد يترتب عليها وفاة البعض، ولا يُعاقب، ومن المعلوم أنه إذا ترتب على استعمال الأسمدة الضارة وفاة فإن الركن المادي والركن المعنوي لجريمة القتل يكون قد توافرا في حق من اقترف الجريمة، ومن ثم فلا يجب أن يكتفي المشرع بعقوبات قانون الغش والتدليس، بل يجب أن يكون هناك قانون أكثر ردعا نظرًا لخطورة الجريمة.

وأشار إلى حق المتضرر دائمًا في التعويض طبقًا لنص المادة ١٦٣ من القانون المدني، والتي جاء مفادها أن كل خطأ سبب ضررًا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض.