رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

قبل طرح السؤال المُختار لعنوان المقال، يتبادر للذهن سؤال أسبق هو: هل يجب أن نهتم بروسيا وما يحدث منها وفيها؟ والإجابة لا تزيد على كلمة واحدة هى: قطعاً، فما نعانيه فى مصر، وربما فى مختلف أنحاء العالم يعود بالأساس لما يحدث هناك فى الكرملين، وما يدور فى أذهان قادته، وما يُترجم عملياً إلى حرب ضارية تسببت فى موجات تضخم كبرى.

لذا، فإن كتاباً مُلهماً، وعلمياً صدر قبل أيام عن دار الشروق، للأكاديمى النابه عاطف معتمد بعنوان: «روسيا وأوكرانيا: حرب عالمية غير معلنة» يمثل إطلالة عظيمة على الحرب الدائرة ومسئوليات القوى الكبرى، ومآلات ذلك الصراع وآثاره علينا.

والكتاب مُهم لأحباء المعسكر الشرقى تاريخياً وأيدولوجياً وعاطفياً، كما أنه مهم لأنصار المعسكر الغربى وأعداء موسكو التقليديين من المثقفين والمفكرين المهتمين بالسياسة. وهو كذلك مهم لمَن يقفون متفرجين، بين بين، مؤمنين بأن مصالحهم تتقاطع يوماً مع موسكو، ويوما آخر مع خصومها مثلى تماماً.

ومؤلف الكتاب هو أستاذ جغرافيا متميز يُذكرنا بزمن الأكاديميين العلماء الذى توارى خلال السنوات الأخيرة، وهو من البارعين فى الكتابات الجيوبولوتيكية، لكنه أيضاً خبير متخصص فى الشأن الروسى إذ حصل على الدكتوراه من جامعة سان بطرسبرج 2001، كما عمل مستشاراً ثقافياً للسفارة المصرية فى موسكو خلال الفترة من 2014 إلى 2016، ورغم ذلك، فإن قراءته للشأن الروسى غير منحازة وإنما أقرب للموضوعية.

وأول ملامح فهم الصراع هو التعرف على أصل الروس، فهم قبائل نشأت بين قارتى آسيا وأوروبا، وكُتب عليها القتال من اليوم الأول فى ظل نموها بين قوى عسكرية كبيرة مثل قبائل اليهود فى آسيا، ودولة بيزنطة، والإمبراطورية الإسلامية، وقبائل التتر، فحاربت لألف عام لتحقق انتصارات وأمجاداً عُظمى تصبغ الشخصية الروسية ببطولات أسطورية، اتسعت مع الإمبراطورية القيصرية، ثُم أصبحت قطباً منافساً فى قيادة العالم زمن الاتحاد السوفيتى.

ورغم انهيار الاتحاد السوفيتى بعد أكثر من سبعة عقود من قيامه، فإن المجد السالف مرتبط بالشخصية الروسية، ومحل استدعاء سياسى مُتكرر، وهو ما حدث مع فلاديمير بوتين، رئيس المخابرات الذى اختاره يلتسين لرئاسة الوزراء، فكشف عن مشروع حقيقى لبعث النهضة مرة أخرى. وللحقيقة، فإن الرجل حقق خلال فترتى حكمه الأوليين نمواً اقتصادياً مبهراً وصل إلى 6.5 فى المائة سنوياً، بعد أن كانت روسيا على وشك الافلاس، ما مكنه من تجديد الأمل فى بعث الامبراطورية العظمى.

وما يطرحه عاطف معتمد يؤكد أن ثمة صراعاً فكرياً دائماً بين بوتين والعالم الغربى، فهو مثلاً يرفض طرح الديمقراطية بالمفهوم الغربى باعتبارها نهاية التاريخ، ويرى أنها لا تصلح فى كثير من المجتمعات، بل إنه يسخر من اتفاقاته مع بعض القادة الأوروبيين على أمور حساسة، ثم يُفاجأ بتغير الرئيس وقدوم شخص آخر مُنتخب بعد أربع سنوات ليبدأ معه الإقناع والاتفاق من جديد. وهو نفسه لا يرى مانعاً من بقاء الحاكم فى الحكم ما دام صالحاً، ومن أجل ذلك فقد تحايل على الدستور الروسى سنة 2008 بعد انتهاء فترتى رئاسته باختيار صديقه ميدفيدف للرئاسة وتعيينه هو رئيساً للوزراء حتى 2012، ثُم عودته للرئاسة بعد تعديل فترتها من أربع إلى ست سنوات. ولما كانت الفترتان ستنتهيان فى 2024 فقد قام بعد الحرب مع أوكرانيا بتعديل الدستور مرة أخرى لتصفير فترات الرئاسة ليبدأ الحساب من جديد باقياً حتى 2036.

وفى رأى بوتين، فإن العولمة التى يروج لها الغرب ما هى إلا استعمار جديد يقوم على الاحتكار المالى والتكنولوجيا، ومحو كل الاختلاف فى الاقتصاد والسياسة وانتزاع كل ميزة يتميز بها كل إقليم لصالح الغرب.

وهذا الخلاف الفكرى يُعزز من هوة الصراع بين روسيا والغرب، لكنه ليس سبباً وحيداً، وإنما علينا فهم الصراع أيضاً فى إطار أشمل يقوم على تأثير روسيا فى خريطة الطاقة، خاصة أنها المنتج الأول للنفط، وأنها المتحكم الأكبر فى خطوط الغاز بأوروبا.

ولا شك أن ذلك كله جعل العالم الغربى، وتحديداً الولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية فى صراع مكتوم مع القطب الروسى، وفى تربص دائم، وسعى لاحتوائه والسيطرة عليه، وهو أحد مسببات الحرب. وللحديث بقية.

والله أعلم.

[email protected]