رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

في الذكرى ال 72 لمعركة الشرطة..

قراءة تاريخية لمعركة الشرطة ضد الإحتلال الانجليزي بالإسماعيلية

تحتفل مصر اليوم بالذكرى الثانية والسبعين على معركة الشرطة بالإسماعيلية، والتي وقعت أحداثها في 25 يناير 1952، أسفرت فيها عن سقوط 56 شهيد من قوات الشرطة المصرية بعد مواجهة عنيفة مع قوات الاحتلال الإنجليزي في معركة غير متكافئة بين أسلحة الشرطة المتواضعة وقوات الجيش البريطاني القوى العظمى في العالم حينذاك أمام قسم شرطة البساتين والكائن مكانه حالياً مديرية أمن الإسماعيلية.

وكان لهذا الحدث أثر في اعتبار هذا اليوم عيداً للشرطة المصرية منذ ذلك الوقت، واتخذت محافظة الإسماعيلية التي وقعت على أرضها المعركة نفس هذا اليوم عيدا قوميا لها لسنوات عديدة  إلى أن  اتخذت مؤخرا من يوم 16 أكتوبر 1951 عيدا  لها باعتباره بداية الكفاح المسلح ضد الإنجليز في منطقة القناة، بتأييد من حكومة الوفد حينذاك برئاسة مصطفى باشا النحاس، والتي سمحت للفدائيين بحمل السلاح لمقاومة المحتل.

كانت بداية الصراع الذي حدث بمنطقة قناة السويس عقب إعلان رئيس الوزراء لحكومة الوفد مصطفى باشا النحاس في 8 اكتوبر 1951 الغاء معاهدة 1936 بمقولته الشهيرة "من اجل مصر وقعت المعاهدة ومن أجل مصر الغيت المعاهدة" فلا تزال هذه المقولة عالقة في اذهان الكثيرين من ابناء الشعب المصري وشعب منطقة القناة بصفة خاصة.

فقد كان قرار النحاس باشا بالغاء معاهدة 1936 بمثابة الشرارة التي اشعلت روح المقاومة الوطنية بين اهالي اقليم القناة والتي كان المحتل البريطاني لازال متواجدا فيها.

كان خطاب النحاس باشا ملهبا للمشاعر وعلى الفور استجاب كل من يعمل لدى المؤسسات والمعسكرات الانجليزية لنداء الحكومة الوفدية، وترك نحو 60 ألف من العمال المصريين العمل في المعسكرات الانجيليزية ورفض سائقي وعمال القطارات نقل الجنود البريطانيين من ميناء بورسعيد إلى الإسماعيلية، حيث مقر القيادة العامة للقوات الانجليزية بالشرق الاوسط، مما اضطرهم لنقل الضباط والجنود وعائلاتهم إلى معسكرات الإسماعيلية وفايد في لوريات الجيش البريطاني.، فضلا عن امتناع التجار والمتعهدون لتوريد مواد التموين إلى الجيش الإنجليزي.

 كان الإنجليز يتمركزوا في منطقة القناة بعد تزايد أعمال المقاومة ضدهم في القاهرة ومنطقة الدلتا، ورغبتهم في فرض هيمنتهم على قناة السويس حيث دعمت بريطانيا قواتها في إقليم القناة بنحو 120 ألف جندي لتكون المنطقة قاعدة لها بمنطقة الشرق الأوسط.

حاولت بريطانيا تدعيم مكانتها في المنطقة لتنفيذ خطتها في فصل المنطقة عن باقي ارجاء مصر.ربطت القوات اهالي المنطقة بعلاقات اقتصادية ظنا منها إن ذلك سيكون رابطا قويا يصعب معه أي تصعيد للمقاومة فمادامت هناك مصالح مشتركة سيكون الجميع حريص على الطرف الاخر.فتم تشغيل اهالي المنطقة في خدمات معاونة بالمعسكرات الانجليزية بمرتبات مغرية وعقد الجيش مع عشرات التجار والموردين صفقات تجارية وعلاقات عمل، ولزيادة اطمئنانها كانت القوات تنظم بين فترة واخرى استعراضات عسكرية بالدبابات والاسلحة والافراد في شوارع المدن لارهاب كل من تساومه نفسه للانضمام في مقاومتهم، وعقب اعلان النحاس باشا  بالغاء المعاهدة واستجابة العمال لطلبه ووقف التجار تعاملاتهم مع الانجليز واصدرت الحكومة قرارا بتعيين كافة العمال الذين تركوا العمل بمعسكرات الانجليز  ويصل عددهم لنحو 60 ألف عامل في المصالح والمؤسسات الحكومية كنوع من التعويض لهم عن عملهم بالمعسكرات الإنجليزية وتشجيعهم على موقفهم الشجاع والمساند للحكومة وللارادة الوطنية.

واثناء ذلك بدأ العمال في دخول معسكرات الانجليز والحصول على السلاح وجمع الذخيرة واخفائها في المقابر تحسباً لاستخدامها في المقاومة.

في 16 اكتوبر أي بعد نحو 8 أيام من إعلان الغاء المعاهدة نظم عمال مصنع الكوكاكولا بالإسماعيلية مسيرة حاشدة بتاييد قرار الوفد بالغاء المعاهدة. 

وانضم إلى المسيرة طلبة مدرسة الإسماعيلية الثانوية بنين وعشرات من المواطنين واتجهوا إلى منطقة السكة الحديد حيث مبنى النافي وهو مقر التموينات للجيش الإنجليزي بمنطقة الشرق الأوسط .وحدث اشتباك بين القوات الانجليزية والمتظاهرين الذين كان يساندهم الشرطة المصرية واطلق الانجليز النار على المتظاهرين بعد الهجوم على مقر النافي حيث سقط  6 مواطنين وجرح 82 عامل وطالب.

كان حرق مبنى النافي بداية الصراع المعلن بين الانجليز من جهة والشرطة والمقاومة من جهة أخرى حيث وجه القائد البريطاني "ارسكين" انذار لوكيل الحكمدارية بالإسماعيلية بتهديد قوات الشرطة بضرورة السيطرة على غضب الشعب والا ستتدخل.ومنذ ذلك الوقت واندلعت الاشتباكات بين الشرطة والمقاومة من جهة والقوات الانجليزية من جهة أخرى واثناء ذلك كانت وزارة الداخلية برئاسة فؤاد باشا سراج الدين تدعم المقاومة بالاسلحة والمعدات.

واعطى وزير الداخلية قرارا بالسماح للاحزاب بتجهيز مجموعات فدائية وتقديمها لوزارة الداخلية لاعدادها وتدريبها في تجمع موحد وتزويدهم بالسلاح في مجموعات منظمة للانضمام للفدائيين بمنطقة القناة.

وفي هذه الاوقات طلب قائد الانجليز من فؤاد باشا سراج الدين تدعيم قوات الأمن بالإسماعيلية للمحافظة على الهدوء، وهنا وجد الباشا ضالته المنشودة وعلى الفور ارسل بقوة مكونة من 700 رجل بوليس من بلوكات النظام لدعم الجهاز الأمني بالإسماعيلية.

ودعما للمقاومة بمنطقة القناة اصدر النحاس باشا قرارا وزاريا بتعديل قانون حمل السلاح، وبذلك اصبح حمل السلاح حقا مشروعاً لكل المصريين وأسفرت احدى العمليات الفدائية عن قتل ميجور اسكتلندي

وفي يوم 17 نوفمبر 1951 حيث انتشرت الدوريات حول مبنى المحافظة الواقع بشارع محمد علي وحاصرت المبنى كما حاصرت دوريات أخرى ثكنات بلوكات النظام وهاجموا جنود الشرطة المصريين بوابل من نيران الرشاشات.واسفرت الاحداث التي استمرت لساعات لاصابة جنديين

وفي صباح اليوم التالي حاصرت دورية مقر المستوصف الطبي والذي كان سكن لنحو 1000 جندي من بلوكات النظام.ويواصل سمع الجنود المصريين طلقات الرصاص على زملائهم المحاصرين بالمحافظة حيث كانت المسافة قريبة بين الموقعين مما استثارهم واطلقوا الرصاص من بنادقهم الصغيرة على القوات المحاصرة في الخارج، وفي لحظات امتلئت الشوارع المحيطة بالمستوصف والشوارع المؤدية لها بنحو 30دبابةو 5000 جندي انجليزي ليقاتلوا ألف شرطي باسلحة متواضعةواشتدت المعركة بين الطرفين فازداد عدد القتلى واستدعت القوات الطائرات التي حلقت فوق المكان والقت بقنابل دخانية من كل الاتجاهات  .وكانت خطة من القوات الانجليزية ليتمكنوا من حجب الرؤية عن جنود الشرطة ويقوموا  بالصعود لأسطح العمارات المجاورة المحيطة بالمستوصف ويتمكنوا من مهاجمة المستوصف.

ومع ارتفاع المقاومة ورفض الاستسلام من جنود الشرطة تحركت 4 دبابات مزودة بمدافع واخترقت مبنى المستوصف لينهار المستوصف بكل من فيه..واستمرت المعركة لأكثر من 4 ساعات وأسفرت المجزرة عن استشهاد 12 من الفدائيين الذين شاركوا في الحدث وتم إصابة 26 من رجال الشرطة والفدائيين وقتل نحو 5 ضباط  و30 جندي انجليزي وجرح 50 اخريين

ومنع الإنجليز  سيارات الاسعاف بنقل المصابين إلى المستشفى العام، حيث احتلوا مبنى جمعية الاسعاف الملاصق للمستوصف ورفضوا خروج السيارات لنقل الجرحى والشهداء إلى المستشفى.

 ومنذ ذلك الوقت ادركت القيادة الانجليزية خطر تواجدها بالمنطقة وادركت قوة المقاومة التي تدعمها قوات الشرطة فقامت بترحيل افراد اسرهم إلى خارج البلاد تحسبا لوقوع اية احداث في المرحلة المقبلة حيث تم ترحيل نحو 1600 اسرة.

وتوالت احداث المقاومة ضد الانجليز حتى يوم 17 ديسمبر 1951 عندما هاجمت مصفحة بريطانية مقر المحافظة بدون انذار واطلقت نيران المدافع والرشاشات على المبنى فتهدم جزء من سور المبنى ورد الجنود المصريين باطلاق النار عليهم وأسفرت الاشتباكات لاستشهاد 2 من الجنود المصريين وقتل 4 من الإنجليز.

وتكررت اعتداءات الإنجليز ضد البوليس المصري حيث احتل الإنجليز مدينة التل الكبير وقاموا بأسر 30 جندي وضابط من الشرطة المصرية، مما زاد رجال البوليس بسالة وتمسكا وتلاحمت قوات البوليس مع جماهير الشعب وتوحدت مجموعات قتالية بين الشرطة والفدائيين.

في ليلة 25 يناير 1952 وجه القائد الانجليزي اكسهام إنذار لقوات الشرطة المصرية بالابتعاد عن المنطقة فورا نظرا لما يقومون به من اعمال ضد الانجليز مما يعد خروجا عن القانون، الا إن الضابط المصري شريف العبد رفض التهديد، مما اصر معه "اكسهام" بتوجيه تعليماته باحكام الحصار على مبنى شرطة البستان والقائم وقتها بشارع محمد علي وذلك في الفجر وحشد نحو 40 دبابة 30 منهم بالحديقة المواجهة للمبنى وخمس دبابات بالجانب الايسر للمبنى وخمس اخريين بالجانب الايمن للمبنى ليتمكنوا من فرض الحصار، وتم حظر التجوال بالمنطقة باعطاء تعليمات مباشرة بقتل كل من يقترب للمنطقة تجنبا لمد المساعدة من الشعب والفدائيين.وفي السادسة صبحا بدات اولى قذائف الدبابات تتجه نحو المبنى وقامت المدافع البريطانية بقذف المبنى ورد قوات الشرطة عليها بوابل من الرصاص واستمر القتال لمدة 10 دقائق وعاودت القوات البريطانية طلب الاستسلام واعطتهم مهلة 15 دقيقة للخروج إلى حديقة المبنى رافعين ايديهم وبدون اسلحة

وعلى حسب رواية احد الضباط إن الضابط شريف العبد تلقى اتصالا هاتفيا من فؤاد باشا سراج الدين وزير الداخلية للاستفسار عن الوضع وبيان مدى قدرتهم على المقاومة فاخبره الضابط إن الجميع مستعد للقتال ويرفض الاستسلام فشجعه الوزير على اصراره رغم إن المعركة غير متكافئة بين اسلحة الشرطة المتواضعة وقوات الجيش البريطاني القوى العظمى في العالم حينذاك...لكن الروح الوطنية والكبرياء الذى سرى في نفوس هؤلاء جعل من الصعب هينا.وبدأت المعركة الحقيقة مع قوات الشرطة حيث قصف الانجليز ثكناتهم وقاوم رجال الشرطة باستماته ادهشت الانجليز وقتل من صفوف الجيش الانجليزي 12 جندي .وبعد ساعة من الاقتتال نفذت الذخيرة وحاول الانجليز اقتحام الثكنات مستغلين الفجوات التي احدثتها مدافع الدبابات في حوائط الثكنات واسوارها وكانت المحصلة استشهاد 56 جندي وجرح 80 اخريين

وما كان لقوات البوليس بعد إن قاتلت ببسالة إن تخرج منتصرة، ولعل شهادة اكسهام قائد قوات الجيش الانجليزي لضابط الاتصال شريف العبد بقوة وبسالة قوات البوليس المصري رغم ضعف تسليحها وانتهت المعركة بالخزي والعار للانجليز وتم ترحيل  قوات بلوك النظام من الإسماعيلية.