رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

السلام فى عيد الميلاد

بوابة الوفد الإلكترونية

تحتفل كنيستنا فى هذه الليلة المقدسة، بعيد ميلاد السيد المسيح له المجد.

لذلك أهنئكم تهنئة قلبية، بهذه المناسبة المباركة. وكذلك أهنئكم تهنئة خاصة أيضاً، لجميع المصريين، ولفخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى، لفوزه فى انتخابات الرئاسة المصرية لعام 2024م، التى كان لها الأثر البالغ، من الفرح والارتياح، فى نفوس المصريين، ونتمنى لسيادته موفور الصحة، والتوفيق فى مهمته الكبيرة، فى ظل وجود التحديات الداخلية، والإقليمية، والدولية.

طالباً من الله، أن يعم السلام والإخاء والتقدم، لبلدنا العزيز مصر، ولمنطقة الشرق الأوسط، وخاصة فى فلسطين والسودان وليبيا، والعالم أجمع.

وأود أن أتكلم معكم، فى هذه المناسبة السعيدة، عن : السلام.

لأن عبارة السلام، جاءت مرتين فى هذه المناسبة، وفى مقدمة ذلك، جاءت على لسان إشعياء النبى، فى نبوءاته عن ميلاد المسيح: (لأنه يولد لنا ولد، ونعطى ابناً، وتكون الرياسة على كتفه، ويدعى اسمه عجيباً مشيراً، إلهاً قديراً، أباً أبدياً، رئيس السلام) (إش 9 : 6).

وتحققت هذه النبوءة، بميلاد المسيح، لذلك ظهر الملائكة مسبحين الله قائلين: (المجد لله فى الأعالى، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة)، (لو 2: 14). 

ويمكننا بعد ذلك، أن نتكلم فى هذا الموضوع، من خلال أربعة جوانب، وهم كالآتى:

أولاً - السلام وصية إلهية.

ثانياً - السلام حياة وسلوك، لا مجرد كلام أو شعارات.

ثالثاً - كيفية الحصول على السلام؟!

رابعاً - ثمار السلام.

ولنعط بعد ذلك، فكرة سريعة مبسطة، عن كل جانب على حدة.

أولاً - السلام وصية إلهية:

أوصانا بها الله تبارك اسمه، فى أكثر من موضع، لذلك نجده يقول لنا: (سالموا بعضكم بعضاً) 

(مر 9 : 50)، (1 تس 5 : 13).

وفى موضع آخر، قال على لسان معلمنا بولس الرسول: (اتبعوا السلام مع الجميع، والقداسة التى بدونها، لن يرى أحد الرب) (عب 12 : 14).

ولكن أحياناً يتعذر على الإنسان، أن يعيش فى سلام مع جميع الناس، ومن هنا جاء قول الكتاب : (إن كان ممكناً، فحسب طاقتكم، سالموا جميع الناس) (رو 12 : 18).

فالسلام إذاً وصية إلهية، ينبغى أن نعمل بها فى حياتنا.

ثانياً – من جانب آخر، السلام حياة وسلوك، لا مجرد كلام أو شعارات:

كثيرون من الناس يتكلمون عن السلام، ويظنون أنه مجرد كلام أو شعارات. ويرددونه على ألسنتهم، وهم بعيدون عنه كل البعد، ولأجل هذا قال المرتل للرب: (لا تجذبنى مع الأشرار، ومع فعلة الإثم، المخاطبين أصحابهم بالسلام، والشر فى قلوبهم) (مز 28 : 3).

مثال لذلك يهوذا الإسخريوطى، الذى باع سيده السيد المسيح، بثلاثين من الفضة: (وأعطاهم علامة قائلاً : الذى أقبله هو هو، أمسكوه. فتقدم إلى يسوع وقال: السلام لك يا سيد وقبله) (مت 26 : 48، 49)، (مر 14: 44، 45)، (لو 22: 47).

فعاتبه السيد المسيح قائلاً: (أبقبلة تسلم ابن الإنسان) (لو 22 : 48). ثم قبض الجند عليه، بعد ذلك. وأيضاً الجنود الذين قبضوا على السيد المسيح: (كانوا يجثون قدامه، ويستهزئون به قائلين: السلام يا ملك اليهود) (مت 27 : 29)، (مر 15 : 18)، (يو 19 : 3).

ولكن الله فى الحقيقة، يريد منا أن نحيا السلام، ونسلك فيه، ونسعى لتحقيقه. لأن الدين، ليس مجرد فرائض يؤديها الإنسان، دون أن يحياها، ولكن الدين فى مفهومه الصحيح وجوهره، هو حياة يحياها الإنسان، كما قال الرب : (الكلام الذى أكلمكم به، هو روح وحياة) (يو 6 : 63).

ثالثاً - وبكون السلام حياة وسلوك، فإذا كيف نحصل عليه؟!

فى الحقيقة يا إخوتى، يمكننا أن نحصل على السلام، بطرق متعددة، ومن بينها: 

1- عن طريق التوبة، والإقرار بالخطأ.

معروف عن التوبة، إنها الأساس أو الأم الولادة، لبقية الفضائل، كما أن الخطيئة هى الأساس، أو الأم الولادة، لكل الرذائل.

فإذا توفرت التوبة للإنسان، توفر السلام معها. لأنه بالتوبة يصطلح الإنسان مع الله، ومع نفسه، ومع الآخرين أيضاً. ولأجل هذا، قال الرسول بولس : (إذ نسعى كسفراء... تصالحوا مع الله) (2 كو 5 : 20).

وإن لم تتوفر التوبة، لا يتوفر السلام، لأنه بالخطيئة، يدخل الإنسان فى عداء مع الله، ومع نفسه، ومع الآخرين أيضاً. ولذلك قال إشعياء النبى : (لا سلام قال الرب للأشرار) (أش 48 : 22)، (إش 57 : 21).

2 - وأيضاً يمكننا أن نحصل على السلام، عن طريق معرفة الله.

إذا عرفنا الله، يمكننا أن نحصل على السلام. ولا أقصد هنا المعرفة الفكرية فقط، وإنما المعرفة المعاشة الاختبارية، كما قال يوحنا الرسول : (الذى سمعناه، الذى رأيناه بعيوننا، الذى شاهدناه، ولمسته أيدينا، من جهة كلمة الحياة) (1 يو 1:1).

وأيضاً بطرس الرسول، قال عن المعرفة الاختبارية مع الله : (لم نتبع خرافات مصنعة. إذ عرفناكم، بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه، بل قد كنا معاينين عظمته) (2 بط 1 : 16). ومن هذه المعرفة الاختبارية، تكون لنا شركة معه، ونكون أيضاً من تبعيته وخاصته، وبالتالى نكون قد تتلمذنا على يديه، وكشف لنا البعض من صفاته الجميلة، والتى عن طريقها، نتعلم الكثير والكثير فى حياتنا، وفى مقدمتها السلام.

لأن الله دعى بإله السلام، فى أكثر من موضع فى الكتاب المقدس.

3 - ويترتب أيضاً من معرفتنا بالله، حفظ وصاياه، التى هى خير مساعد، على وجود السلام.

الله تبارك اسمه، وقت أن سلم موسى النبى وصاياه، كانت تنقسم إلى قسمين، وهما:

القسم الأول، خاص بالله والإنسان، أما عن القسم الثانى، فهو خاص بالإنسان وأخيه الإنسان.

والذى يحفظ هذه الوصايا، يعيش فى سلام، مع الله، ومع نفسه، ومع الآخرين أيضاً، ولذا قال الرب : (ليتك أصغيت لوصاياى، فكان كنهر سلامك، وبرك كلجج البحر) (إش 48 : 18).

ومرة ثانية قال : (يا ابنى لا تنسى شريعتى، بل ليحفظ قلبك وصاياى. فإنها تزيدك طول أيام، وسنى حياة وسلام) (أم 3 : 1، 2).

أما عن الذى يتعدى وصاياه، فيكون قد تعدى على الله. وعلى نفسه، وعلى الآخرين أيضاً، ويحيا فى خوف ورعب، نتيجة لكسره الوصايا، والتى يترتب عليها العقوبات، من الله للإنسان.

فإذا حفظ الوصايا، خير مساعد على وجود السلام، أما عن كسرها، فهى أسرع طريقة لوجود الشر، وتعدد الخطيئة والمشكلات بين الناس.

4- ومن الطرق المهمة، والجوهرية فى الحصول للسلام، حياة الإيمان والاتكال على الله.

إذا تحلى الإنسان بالإيمان داخله، يعيش فى سلام، وهو فى أصعب الأوقات.

ويرى بعين الإيمان : (غير المستطاع عند الناس، مستطاع عند الله) (لو 18 : 25).

وإن لكل مشكلة ولكل ضيقة، طرق كثيرة، ووقت أيضاً فى علاجها أمام الله، كما يذكر الكتاب : (لكل شىء زمان، ولكل أمر تحت السموات وقت) (جا 3 : 1)، (جا 8 : 6).

ومع ذلك، توفر الإيمان داخل الإنسان، يجعله يلقى كل مشكلاته، وهمومه ومتاعبه على الله، ويتكل عليه فى حلولها.

ولكن ضعف، أو فقدان الإيمان بقوة الله، وبمواعيده الصادقة عند بعض الناس، يحول حياتهم إلى جحيم، وخوف واضطراب، وقلق ويأس... إلخ. وكل هذه الأمور، لها تأثيرها، على سلام الإنسان.

5 - وفى سياق الحديث، عن الطرق التى تقود الإنسان إلى السلام، نقول أيضاً، أنه يحتاج التوعية الدينية.

لا أحد يستطيع، أن يثتسنى دور التوعية الدينية، فى إيجاد السلام، للفرد وللمجتمع أيضاً، لأنه فى التوعية الدينية للناس، يجب أن يعرفوا ما هو الصحيح، وما هو الخطأ؟!

وأيضاً يجب أن يعرفوا، أن التدين هو حياة وسلوك. لا مجرد فرائض أو ممارسات خارجية، لا مساس لها بداخلهم، أو بدفة حياتهم، وعلاقتهم مع الآخرين.

6 - ومن متطلبات السلام، الرجاء وعدم اليأس.

بلا شك السلام بين الناس، له فوائد كثيرة، فى شتى نواحى حياتهم.

ولأجل هذه الفوائد، يقف الشيطان بالمرصاد، ومعه أعوانه الناس الأشرار، لأجل عرقلة السلام، الذى يعود بالفائدة والخير على الجميع، بما فيهم الناس، الذين يعرقلون مسيرته.

فضعوا إذا فى أذهانكم، قاعدة وجود المقاومين والعقبات، أمام كل عمل خير، سواء كان سلام أو غيره، وبهذه القاعدة تستريحون، ويكون داخلكم رجاء وعدم يأس.

7 - وإلى جوار ذلك، السلام يلزمه، الثبات والصمود فى الميدان.

البعض من الناس، يظنون أن الله أوجد الإنسان، لكى يحيا حياة الرفاهية والراحة، دون أية صعاب. ولكن فى الحقيقة هذا التفكير خاطئ، لأن الواقع يقول غير هذا كليةً!!

فلكل إنسان، له مميزاته وعيوبه ومشكلاته، وهكذا لكل أسرة، ولكل مجتمع، ولكل مكان وزمان أيضاً.

فحتماً إذا يا إخوتى، أن تأتى عليكم مشكلات وصعاب، فى حياتكم، فلا تهربوا من الميدان، بل اثبتوا واصمدوا، وفكروا فى حلول واقعية، لأجل السلام.

لأن الثبات والصمود فى الميدان، لا مفر منهما لأجل السلام، وهكذا أيضاً علاج المشكلات، له دور أساسى فى وجود السلام.

8 - ولا أنسى أن أشير، إلى الأسس التى يستلزمها السلام، عامل الوحدة لا الانقسام.

لا يوجد شىء فى الحياة، أخطر على السلام من الانقسام، وعلى سبيل المثال:

الإنسان يتكون من جسد وروح، وحتماً أن يكون بينهما صراع، لأن كل واحد، يميل إلى طبيعته التى أُخذ منها، والقوى هو الذى يغلب. وهذا الصراع، ينتج عنه انقسام داخلى للإنسان، وفقدان لسلامه، إما إذا سمت الروح، وغلبت على الجسد وميوله، تجعل الجسد، أداة طيعة فى يدها.

وهكذا بالنسبة للأسرة والمجتمع، إذا انقسم كل منهما على نفسه، يُهدم ويضيع، ويكون فى زمان كان، والرب يصدق على هذا : (كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب، وكل مدينة أو بيت منقسم على ذاته، لا يثبت) (مت 12 : 25).

وهناك أسر ومجتمعات كثيرة، تفككت وضاعت من وراء الانقسام. ولذلك الوحدة هى العلاج الوحيد، لبقاء كل إنسان، وكل أسرة، وكل مجتمع، مع وجود السلام أيضاً.

9 - وغير ذلك، من العوامل المهمة فى إيجاد السلام، عامل القيادة فى شتى المجالات.

كل إنسان فى موضع قيادى، له تأثيره الإيجابى والسلبى، فى إيجاد السلام بين الناس.

وكلما كان القائد، فى مركز قيادى كبير، كلما كان تأثيره الإيجابى، أو السلبى أكبر.

ومن هنا يجب، أن تكون هناك حكمة، فى اختيار القادة أياً كان نوعهم.

10 - ومع كل هذا، استخدام الأسلوب المناسب، فى الوقت المناسب، له أهمية كبيرة،

ولا غنى عنه فى إيجاد السلام.

ورأينا هذا الأسلوب، فى خدمة السيد المسيح له المجد، وخدمة الآباء الرسل أيضاً.

ولذلك ينصحنا الرسول بولس، بهذا الموضوع فى قوله : (صرت للكل كل شئ، لأخلص على كل حال قوماً) (1 كو 9 : 22).

فى الحقيقة لا تصلح وتيرة واحدة، أو أسلوب واحد فى الحياة، لأن الأوقات متغايرة، والأشخاص أيضاً مختلفون. وإلى جوار ذلك، المشكلات والأخطاء متعددة، ومتزايدة يوماً فيوماً... إلخ.

ومن وراء كل هذا، يجب أن نستخدم الأسلوب المناسب، لبقاء الإنسانية، ووجود السلام بين الجميع.

11- وينبغى أن نعلم، الاهتمام بالروحيات والسمائيات، خير مساعدة على ولادة السلام.

وجودنا فى الأرض يا إخوتى، ما هو إلا فترة مؤقتة، وسوف تنتهى بعد حين، أن أردنا أو لم نرد.

والهدف منها، إعداد أنفسنا، للآخرة الصالحة، والأبدية السعيدة.

فلماذا نتنازع، على الأمور الأرضية المؤقتة الفانية، والتى سوف نتركها، بمفارقتنا للأرض؟ 

فإذاً ينبغى أن نهتم بروحياتنا، لكى تشبع نفوسنا بالله، ونسمو فوق الأمور الأرضية. ولا يكون لدينا وقت للتفكير فيها، بل وأزيد من ذلك، تكون فى نظرنا بمثابة أمور فانية، ولا تؤثر على سلامنا.

12 - وأخيراً أقول لكم، إذا توفرت الحكمة مع الوقت والمتابعة، يتوفر السلام أيضاً.

وتأكيد على هذا، قال الرسول بولس: (فلنعكف إذا على ما هو للسلام، وما هو للبنيان، بعضنا لبعض) (رو 14 : 19).

رابعاً - ثمار السلام :

السلام له ثمار كثيرة فى حياتنا، وحياة الآخرين. ولكن لضيق الوقت، لا أستطيع أن أتكلم عنها بالتفصيل، إنما اذكرها كرؤس نقاط، مع نصوصها الكتابية، للرجوع إليها أن أردتم، ومن بينها :

1 - إزالة الخوف، والاضطراب والرهبة (مت 28 : 9). 

2 - وأيضاً من ثمار السلام، الفرح والبركة، والنجاة والراحة (رو 14 : 17).

3 - وإلى جوار ذلك، السلام من ثماره، البنيان والتقدم، ومخافة الرب، مع التعزية والنمو الروحى (أع 9 : 31).

4 - ومن ثمار السلام أيضاً، الأمان مع حفظ الوحدانية، بين الناس (إر 33 : 5 – 7). 

5 - كما أنه علامة للطمأنينة، وعدم الغدر (1 أى 12 : 18).

6 - وبالإضافة إلى كل هذا، ثمار السلام الإنسان، خير شاهد على وجود الله معه، وبنوته له 

 (مت 5 : 9).

7 - وفى سياق الحديث، عن ثمار السلام، نقول عنه : أنه خير دليل على ثمار البر، مع ثمار الروح القدس، داخل الإنسان (يع 3 : 18).

8 - ونفهم أيضاً من ثمار السلام، أنه ثمرة من ثمار حفظ الوصايا الإلهية، والفضائل الروحية، بين الناس الصالحين (أم 3 : 1، 2).

9 - وأخيراً السلام، يساعدنا على معاينة الرب، وميراث الحياة الأبدية الصالحة (عب 12 : 14).

راجياً لكم، ولجميع الناس، ولكل العالم، من إله السلام، سلاماً يفوق كل عقل.

وكل عام وأنتم بخير.. له المجد الدائم.

 

بنعمة الله

الأنبا أغاثون

أسقف مغاغة والعدوة

ورئيس رابطة خريجى الكلية الإكليريكية