رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فنانون فلسطينيون قاوموا بالفن وعرفوا العالم بقضيتهم

بوابة الوفد الإلكترونية

غسان مطر شاهد على إجبار عرفات رفض مبادرة السلام

«سيلفى زين» فيلم يعبر عن الغضب الشعبى عقب إعلان ترامب القدس عاصمة إسرائيل

بالصمت والسخرية.. المخرج الفلسطينى إيليا سليمان يقاوم بدون سلاح

«إن شئت كما فى السماء».. العالم كله محتل وليست فلسطين وحدها

 

 

تعتبر القضية الفلسطينية من أبرز القضايا التى حظيت بمساندة الفنانين منذ عشرات السنين، ولم تفارق اهتمام صنّاع السينما وفنانيها، فعبرت عنها أجيال على مدار عقود بأعمال مختلفة، جسدها فنانون كبار كانت مواقفهم مع القضية مشرفة وتستحق الذكر والتقدير، حيث تنوعت أساليب الدعم للقضية بين زيارات ورصد جرائم الحرب وبين أغان لكبار المطربين والمطربات العرب على مدى العقود الماضية، خصها الشعراء والملحنون بأجمل أعمالهم.

حمل العديد من الفنانين الفلسطينيين القضية الفلسطينية على عاتقهم، وحاولوا التعبير عن معاناتهم الشخصية بالحلم الجماعى لاستعادة الوطن، فمنهم من تناول القضية فى أعماله الفنية وقام بتسليط الدورعلى المعاناة التى يعيشها الشعب الفلسطينى، بينما كان للبعض الآخر دور بارز ومهم فى القضية من خلال علاقتهم الجيدة بالحكومة.

لم يقتصر تناول القضية الفلسطينية على الأربعينيات والخمسينيات، بل امتد لأواخر التسعينيات والعقد الأول من الألفية الجديدة، ومع استمرار الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة وحرب الإبادة الجماعية التى شنها الكيان الصهيونى منذ السابع من أكتوبر الماضى، وسقوط العشرات من الشهداء والجرحى يوميًا نرصد أبرز فنانى الزمن الجميل الذين تناولوا القضية فى أعمالهم الفنية ومواقفهم الداعمة للقضية الفلسطينية منذ عقود مضت.

 

غسان مطر: عبر عن وطنيته بسيناريو فيلم «كلنا فدائية»

يعتبر الفنان الفلسطينى الراحل غسان مطر من أكثر الفنانين الذين كان لهم دور بارز فى مناصرة القضية سواء بأعماله الفنية أو بمواقفه الشخصية إبان حرب أكتوبر، ويعد من الفنانين الذين تمكنوا من الجمع بين الفن والسياسة فى آن واحد، فبجانب نجاحه فى عالم السينما فى السبعينيات والثمانينيات، كان له دوره كمواطن فلسطينى بالأساس، حيث أرسله الرئيس الراحل محمد أنور السادات فى نوفمبر 1977 فى مهمة سرية لمقابلة الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات، لمعرفة رأيه فى زيارة السادات للقدس وللأسف أضاع عرفات فرصة العمر بسبب رفض أعضاء المنظمة لمبادرة السلام رغم موافقة عرفات شخصيًا على المبادرة لكنه رضخ لرأى المنظمة.

اسمه الحقيقى عرفات داود حسن المطرى، ولد فى 8 ديسمبر عام 1938 بمدينة يافا فى فلسطين، عاش طفولة صعبة، حيث هاجر مع أسرته إلى مخيم البداوى الواقع فى شمال لبنان، وذلك بعد نكبة 1948 عمل فى العديد من الأعمال الفنية فى مصر ولبنان، حيث كانت أولى أعماله الفنية «الخليفة العادل عمر ابن الخطاب» ليكون ذلك بمثابة بوابة لدخوله عالم الفن.

اشترك بعد ذلك فى أعمال تعبر عن الكفاح الفلسطينى، حيث كان أول فيلم فلسطينى له «كلنا فدانية» عام 1969 والذى عكف على كتابته وكان أول تجربة كتابة سيناريو له، ثم عقبه فيلم «الفلسطينى الثائر» 1969.

غلب على معظم أعماله بعد ذلك طابع الشر والتى كانت الأبرز فى مسيرته، حيث تميز بتلك الأدوار خاصة فى السينما المصرية، بالإضافة لنظارته الشمسية التى يرتديها، ونبرة صوت مميزة، ولعل أشهر أدواره فى الشر كان فيلم «الأبطال» مع وحش الشاشة فريد شوقي.

قبل دخوله الفن كان يعمل مناضلاً بإحدى حركات المقاومة الفلسطينية، وقام بتنفيذ العديد من العمليات السرية ضد الاحتلال الإسرائيلى، وكان حلمه أن يكون ضابطاً فى جيش التحرير الفلسطينى، الذى تشكل فى بغداد عام 1958، غير أن اتهامه بأنه «محرض سياسي» حالت دون وصوله إلى حلمه، فالتحق بـ«راديو الثورة» كمذيعًا وذلك بسبب صوته القوى المميز.

عمل كمقدم برامج فى الإذاعة اللبنانية، وكان أبرزها ما تعلق بفلسطين، «كل مواطن غفير، وركن فلسطين»، ومن ثم انتقل للعمل فى التلفزيون اللبنانى، وفى تصريحات له أكد أنه أجبرعلى الاستقالة بسبب رفضه قطع البث عن حفلة كان يقدمها العندليب عبدالحليم حافظ، كما عمل بعد ذلك فى مجال الصحافة كمحرر ومدقق فى جريدة «النهار» البيروتية، وهناك تأثر بالكاتب والصحفى والناشر غسان توينى واستعار منه اسم غسان.

فى منتصف الثمنينيات، وأثناء استعداد الفنان الراحل لأداء دوره فى مسلسل محمد رسول الله، وأثناء حلاقة ذقنه استعداداً لتصوير مشاهده، علم بنبأ استشهاد عائلته بأكملها على يد قوات الجيش الصهيونى أثناء حرب المخيمات، وذلك عبر إذاعة مونت كارلو، حيث قُتلت زوجته وابنه وأمه انتقامًا منه كمناضل فلسطينى، وكان للقدر كلمته فى مقتل نجله جيفارا، الذى كان يتلقى دراسته بفرنسا فى هذا التوقيت ثم غادر باريس، وذهب لقدره ليزور أمه وشقيقته ليلقى حتفه مع باقى عائلته.

وفى أحد الأيام ومع اشتعال القضية الفلسطينية وتزايد اعتداءات جيش الاحتلال الإسرائيلى على قطاع غزة أصدر الفنان غسان مطر عدة تصريحات خاصة أنها كانت تخص كل من الرئيس الراحل أنور السادات والزعيم الراحل ياسرعرفات، حيث قال فى أحد اللقاءات التليفزيونية الخاصة به مع الإعلامية منى سلمان، إنه عام 1978، كان هناك اجتماع فى «المينا هاوس» بين مصر وإسرائيل وفلسطين وكنت سهران مع اللواء على ذكى زوج الفنانة شريفة فاضل حينها، ووجدت اللواء كامل داود ومعه سعيد كمال، وطلب منى أن أحمل رسالة إلى الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات وهي» أن أبلغه عن لقاء سيتم فى المينا هاوس بين مناحم بيجن ومصر والرئيس عرفات، وعليه أن يكون موجودًا بوفد من أجل الاتفاقيات.

وأضاف:» ركبت على طائرة TWAالتى تعمل من أجل شحن البضائع متجهًا إلى بيروت وقابلت مسئول الأمن «على سلامة أبوحسن»، ووصلت لأبو عمار لأبلغه الرسالة فظل يتحرك مفكرًا فى المكان ثم صلى أبوعمار استخارة وطلب دعوة كل التنظيمات إلى اجتماع الساعة العاشرة»، مشيرًا إلى أنه طلب منى الحضور، فى تمام الحادية عشرة ونصف ثم ذهبت إلى رؤية عائلتى وكان يصاحبنى رجال آمن لأننى كنت مطلوب القبض عليّ».

واستكمل: «عندما قابلته فى الوقت المحدد قال لى أن أبلغ الإخوة فى مصر أنه فى تمام الساعة الرابعة سوف نبلغهم الرد والجواب»، وسافرت بعدها إلى القاهرة، وكان الأمن المصرى فى انتظار ردى، فأبلغتهم أن الجانب الفلسطينى رفض الحضور، وذلك بسبب ضغط الدول العربية عليه، برفض اتفاقيات السادات.

وأكد الفنان غسان مطر أن الرئيس الراحل ياسر عرفات ندم بعد ذلك على عدم قبول اتفاقية كامب ديفيد الذى طلب منه السادات الحضور والتوقيع عليها وإملاء شروطه بها، حيث كانت تلك الاتفاقية ستساعد فى عودة الأراضى الفلسطينية.

عاش غسان مطر حياة قاسية بعد فقده أسرته، وزادت قسوتها بعد أن أصيب بمرض السرطان وظل يصارع المرض حتى توفى فى 27 فبراير عام 2015، عن عمر يناهز 77 عاماً، بعدما قدم أكثر من 60 فيلمًا سينمائيًا ونحو 40 مسلسلًا تلفزيونيًا و6 أعمال إذاعية و6 مسرحيات، مسيرة نضالية وشخصية شق وحفر فيها مسيرته فى الصخر لتثبيت قيمته كفنان ومناضل.

 

الفنان الفلسطينى حسام أبوعيشة: «الفسيفساء» فيلم بروح الإرث الفلسطينى

ولد الفنان أبوعيشة فى القدس عام 1952، ثم انتقل إلى لبنان، حيث درس إدارة الأعمال فى بيروت، ثم عاد مرة أخرى إلى فلسطين بعد الإنتهاء من دراسته، وانضم للمسرح الوطنى الفلسطينى عام 1976، وكان واحدًا من مؤسسى «المسرح الشعبي» و«مسرح السنابل» فى القدس.

قضى أبو عيشة، 3 سنوات فى سجون الاحتلال الإسرائيلية أنجز خلالها ثلاثة أعمال مسرحية» الأول من أيار، وسبارتاكوس، وعائد إلى حيفا»، وانتخب فى 1991 رئيسًا لنقابة الفنانين الفلسطينيين لمدة 3 سنوات، كما عمل محررًا للصفحة الفنية فى مجلة «العودة» المقدسية.

شارك فى العديد من الأفلام والمسلسلات التليفزيونية والإذاعية، وحمل القضية الفلسطينية على عاتقه، فقام بالتجول فى شوارع فلسطين، مقدمًا عروضًا حية بكل حى ومدينة، وثق خلالها مشاهد مهمة فى بلده قبل قصفها من قبل الاحتلال الإسرائيلى، حيث كان شاهدًا على كثير من الأحداث.

أكد أبوعيشة، أن كل العروض المسرحية الحية التى كان يقدمها فى الشارع توقفت نهائيًا خلال الفترة الحالية، بعد الحرب الإسرائيلية التى شنتها قوات الاحتلال على الكثير من المناطق والمدن فى فلسطين وتحديدًا فى قطاع غزة، الذى يعانى من شلل تام، حيث توقفت كل الأنشطة تمامًا وسط حالة من الترقب من تصاعد أحداث العنف.

وتابع أبو عيشة، أنه قدم العديد من العروض المناهضة للاحتلال الإسرائيلى، والتى وثقت جزءًا مهما من تاريخ فلسطين، كان آخرها عرض «الفسيفساء» مسترجعًا الكثير من التفاصيل والحكايات التى يرويها من خلال عروضه والتى تمثل إرثًا يعود لعقود ماضية.

لم يكن الحصار والقصف الإسرائيلى وحده مانعًا «أبو عيشة» من تقديم عروضه التى لاقت نجاحًا وتفاعلاً كبيرًا من قبل الجمهور، ولكن خضوعه أيضاً لعملية جراحية كانت سببًا فى توقف تلك العروض، حيث قال: «ما زلت حاليًا فى مرحلة الاستشفاء بعد إجراء عملية جراحية صعبة».

لم تمنعه الظروف الصحية التى يمر بها، من متابعته القضية الفلسطينية، معترضًا على ما تقوم به إسرائيل من عمليات تهجير قسرى لسكان قطاع غزة قائلًا: «أهل غزة لن يغادروا أرضهم ومتمسكون بحقهم، كما أن 75% من سكان القطاع لاجئون من مناطق أخرى قامت إسرائيل بتهجيرهم من مناطقهم، مثل «أسدود وعسقلان وبئر السبع»، كما أن إسرائيل تستهدف كل قطاع غزة الذى يعيش فيه 2 مليون و250 ألف نسمة.

ووصف أبو عيشة، ما تقوم به إسرائيل من عمليات استهداف لسكان قطاع غزة بـ«الهمجية والفاشية» طالبًا بإنهاء هذه المأساة الإنسانية، قائلًا: «الحل يتمثل فى وقف هذه الهمجية والفاشية الصهيونية والأمريكية والغربية على القضية الفلسطينية».

 

المخرجة أميرة دياب: «سيلفى زين» مغامرة فى غزة

الغضب الذى أحدثه اعتراف الرئيس الأميركى دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل فجّر طاقات إبداعية لدى السينمائيين الفلسطينيين الذين عبروا عن وجهة نظرهم على الشاشة، ومن بينهم المخرجة أميرة دياب صاحبة الفيلم القصير «سيلفى زين»، الذى يعتبر أول عمل لها، وتبلغ مدته 11 دقيقة.

وتدور أحداث الفيلم حول مغامرة فتاة تدعى «زين» من مدينة بيت لحم بالضفة الغربية، التى انطلقت إلى المسجد الأقصى فور سماعها تصريحات الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب بأن القدس عاصمة إسرائيل، وذلك فى رحلة غير محسوبة العواقب.

تصطدم زين بداية بالجدار العازل الذى لا تستطيع تجاوزه، فتلجأ بعد ذلك لخداع أسرة من المستوطنين اليهود، وتستقل سيارة كبيرة حتى تتسلل إلى البلدة القديمة فى القدس، حيث تراوغ الشرطة وتنجح فى الوصول لأحد أبواب المسجد الأقصى الذى تتوق للصلاة فيه.

وروت مخرجة الفيلم التى كانت تعمل بالقطاع المصرفى والاستثمار المالى، عن الصعوبات الكثيرة التى واجهتها فى تنفيذ فيلمها الأول، حيث قالت إن «القدس مدينة يصعب جدًا التصوير فيها، خاصة فى الأماكن المقدسة، فهناك جهات إسلامية ومسيحية ويهودية يتعين استصدار تصاريح منها للدخول والتصوير، ورغم حصولنا عليها كان الأمر على الأرض شاقًا»، بالإضافة إلى أن طاقم التصوير كان صغيرًا جدًا، يتكون من ثمانية أشخاص فقط، مضيفة «استخدمنا كاميرا صغيرة لكن الشرطة الإسرائيلية طاردتنا بالمسجد الأقصى الذى له أكثر من باب، واضطررنا فى النهاية لتهريب الممثلة من باب والمصور من باب والكاميرا من باب آخر».

وأكدت دياب، «تصرف زين نابع من إحساسها الشخصى، لم تنتظر تحرك أحد، أو تستمع إلى خطب ونصائح، كانت تشعر بأنها حتى إذا لم يكن بمقدورها تحرير المسجد الأقصى فعلى الأقل ستشعر بالراحة والتحرر إذا وصلت هناك».

وقد لقى الفيلم استحسانًا من الجمهور والنقاد على حد سواء خلال عرضه العالمى الأول بمهرجان الجونة السينمائى فى مصر، حيث كان ينافس ضمن مسابقة الأفلام القصيرة بالمهرجان آنذاك.

 

المخرج الفلسطينى إيليا سليمان

اتخذ المخرج الفلسطينى إيليا سليمان من لغة الصمت والكوميديا السوداء جسرا يعبر من خلاله إلى قضيته، قاصدًا بذلك وعى المتلقى وعقله ووجدانه، فتعتبر الصورة هى أصل الفكرة، والمشاهد الصامتة هى نواة السينما الناطقة اليوم، فاستطاع سليمان أن يعيدها إلى سيرتها الأولى، وذلك من خلال عمله «إن شئت كما فى السماء»، حيث تمكن سليمان من إعادة سرد حكايته عن وطنه فلسطين فى مهرجان أجيال السينمائى بالدوحة، ومن خلال هذا العمل الصامت والساخر يسرد سيرة معاناة شخصية استبدت بها أسئلة الوطن والهوية والانتماء، حيث أراد أن يعيد إلى الأذهان فن الكوميديا الصامتة الذى أصبح عملة نادرة فى سينما اليوم، لعلها تجد أجوبة لما يبحث عنه، وتنصفه مما تعرض له فى كل أرض يرى فيها بداية لحياة جديدة.

جسد سليمان روح فلسطين من خلال عمله السريالى الكوميدى، وتخطى به حدود موطنه، قاصدا باريس ونيويورك، مصطحبًا معه حس الملاحظة الثاقبة إلى حدود العالم الأوسع، الذى لا يقل توترًا وغرابة وذعرًا، محاولًا سرد مأساة الشعب الفلسطينى التى لا يراها فى فقده أرضه فقط، بل أيضاً فى هويته التى توزعت فى أصقاع الأرض، فالمخرج الذى ترك مسقط رأسه فى الناصرة فى الثمانينيات، اعتمد خطًا دراميًا يسرد قصته نحو أولى محطات هروبه إلى باريس ثم نيويورك، فهو يدرك جيدًا أن السينما لغة يفهمها الغرب بقوة، وفى هذا الفيلم يبحر سليمان فى كم هائل من المعانى الإنسانية المشتركة، مستحدثًا فضاء شاعريًا بينه وبين هذا الجمهور، وقد وظف جميع مكونات السخرية والكوميديا السوداء بذكاء، وجعلها حزام أمان يعبر به إلى الضفة الأخرى بانسيابية ملفتة ودون تكلف، فهو يرى أن الفكاهة يمكنها أن تخلق مساحة بيننا وبين كل من يقمع، كما أن المقاومة من خلال الصورة والسينما يمكن توظيفها كسلاح فى معركة الحرية.

استطاع سليمان من خلال قوالب كوميدية ساخرة، أن يجسد شخصية تتنازعها ذاتية الانتماء إلى بلده فلسطين ودهشة المكان، وذلك فى مسيرة نحو الوطن الذى تخيله برومانسية، فلم يتوقع أن يصطدم بواقع رافض يرى فيه نفسه غريبا، وفى كل خطوة يخطوها بحثًا عن الأمان يذكرنا بأصل المعاناة، ساردًا قصة هزلية وملحمة كوميدية تغوص فى مفاهيم الهوية والوطنية، وفى كل مشهد يطرح سؤالًا جوهريًا عن المكان الذى يمكننا حقًا أن نسميه وطنًا.

اختيار المخرج الفلسطينى العودة إلى السينما الصامتة لم يكن عبثيًا، فقد تمثل أسلوبًا أشبه ما يكون بأسلوب الممثل والمخرج الأمريكى باستر كيتون، فى محاولة لتنبيه العالم إلى قضية شعب محتل، اختار المشاهد الصامتة ربما لأنه فقد الثقة فى أى حوار، وإن لم يقل هذا صراحة، فإنه فى هذا الفيلم نراه قد وقف على حافة الأشياء، وصف المعاناة بصدق ولم يفتعل، واجه الهشاشة والعزلة بصرف النظر عن الأماكن التى مر منها.

بلغ سليمان من خلال عمله ذروة فن التكثيف، ليذكرالعالم بقدرته النادرة على اختزال معانى كثيرة فقط بتعابير الوجه وإيماءات ساخرة، وفى كل مدينة جديدة يحل بها، يجد نفسه يحدق بدهشة وفضول تجاه حياة الناس فيها، وفى كل مرة يأبى الوطن إلا أن يتصدر ذكرياته، يذكره بمراحل حياته بداية من شقاوة الطفولة، وقد صوّر كل هذا فى سرد بصرى أمتع به المتلقى وجعله يشعر بأنه فى جميع تلك الأماكن، وما تعكسه من حمولات وثقافات.

المخرج الفلسطينى -وهو الشخصية الوحيدة فى هذا الفيلم- وحده من يقرأ نظرات الناس ومواقفهم بلقطات ذاتية، فعيناه فى الفيلم هما عينا المشاهد، نراه يتتبع الواقع بسخرية عبثية وتهكم، حيث تتبع تفاهة القوى وقلة حيلة الضعيف لا تحتاج إلى الكلمات، وذلك فى تقطيع بصرى يجسد الواقع الذى لا يملك المخرج إلا أن يسخر منه.

ظلت لغة الجسد والنظرات المتهكمة أحياناً هى صلة الوصل بين الأزمنة والأمكنة، وفيها ظل يراقب ولا يعلن عن مواقفه، وطيلة مسيرته بحثًا عن وطن بديل ينتهى سليمان إلى حقيقة أن طموحه يتخطى الواقع، فلا وطن إلا ذاك الذى يسكن جوانبنا، وإن حيل بيننا وبينه.

فيلم «إن شئت كما فى السماء» حظى بتنويه خاص من لجنة التحكيم وجائزة الاتحاد الدولى للنقاد خلال فعاليات مهرجان كان السينمائى فى مايو الماضى، وسيمثل فلسطين فى سباق الأوسكار لأفضل فيلم دولى لعام 2020، كما أدرج كأول فيلم طويل يعرض فى افتتاح مهرجان أجيال السينمائي.