رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

تشارك الزعيمان سعد زغلول ومصطفى النحاس، فى المواقف السياسية المهمة، وفى المناصب ذاتها خلفاً لبعضهما، وفى النفى أيضاً، وكانت النهاية كذلك واحدة، إذ فارقا الحياة فى نفس التاريخ 23 أغسطس، لكن فى عامين مختلفين، تشابهت جنازتا الزعيمين من حيث الحشود الشعبية، وحرقة البكاء عليهما، حيث خرج فى جنازتيهما جميع أطياف الشعب المصرى، فى أول مرة 23 أغسطس 1927، لتوديع زعيم الأمة سعد زغلول، وفى نفس اليوم عام 1965 لتوديع النحاس باشا.

وقد اجتمعت لسعد من مزاياه الشخصية صفة الزعامة الواجبة على المصريين، فهو الفلاح الذى استطاع أن يجمع حوله السواد الأعظم من أبناء الفلاحين، وهو قوام الأمة المصرية، واستطاع أن يقود النهضة الأولى التى اشترك فيها الرجال والنساء، وشملت الأمة كلها، لأنها شملت البيت كله. كما استطاع أن يمحو الفوارق الدينية والعصبية والمذهبية فى الحركة الوطنية، واستطاع أن يقود الشبان المتحمسين كما يقود الشيوخ المحنكين، أو استطاع أن يجمع الجيلين فى ثورة واحدة.

كان الزعيم سعد زغلول ساحراً للفلاح وابن البلد، سمعه فلاح فى قنا، فى الاحتفال بعيد النيروز فبكى، ثم أفاق لنفسه وهو شيخ لم يتعود أن يبكى إلا لحادث يصيبه فى آله أو ماله، فأخذ يسأل من حوله: ما بالى أبكى؟!.. أمات أبي؟ أماتت أمي؟ أغرقت مراكبي؟ أأجدب زرعى؟!.. وما لهذا الرجل يبكينى؟!.. أساحر هو؟!.. أفاتن هو؟!.. والله لا أدرى، ولكن الفلاح الحائر فى بكائه قد بين وأوجز البيان أن سلطان «سعد» على النفوس المصرية حادث كحوادث القدر، أو هو من قبيل تلك العوامل التى ظن الفلاح أنها هى وحدها خليقة لأن تسيل الدموع من عينيه.

هذه الزعامة هى التى التقى حولها المصريون فعلموا أنهم أمة، وعلموا أنهم مسلمون ومسيحيون ولكنهم أمة، وأنهم حضريون وريفيون ولكنهم أمة، فانبعثت للأمة حياة ماثلة إلى جانب حياة كل فرد وكل طبقة كل طائفة وكل جنس وكل دين. وسرى قبس من روح الوحدة المصرية إلى كل أمة فى الشرق تعلم أن شأنها فى طلب الحرية كشأن المصريين، وأن حاجتها إلى الوحدة الوطنية كحاجة المصريين، فظهر الوفاق بين الطوائف فى بلدان، لم تعرف قط وفاقاً ولا رغبة فى وفاق، وأصبح سعد زغلول علماً للنهضة الشرقية بأسرها، لا للنهضة المصرية وحدها، ورمزاً لدعوة الوحدة فى كل بلد ممزق بين العصبيات الداخلية والمطامع الأجنبية.

قال المهاتما غاندى فى مؤتمر هندى عقد فى لندن، عن الزعيم سعد زغلول: «إننى تتبعت سيرة هذا الرجل القدير من سنة 1919، ولا يزال له فى نفسى أثر عظيم، وأنا أعده قدوة وأراه بمثابة أستاذ». وقال غاندى: «إنه اقتدى بسعد فى إعداد طبقة من العاملين فى القضية الهندية، فلا تعتقل طبقة منهم إلا لحق بها خلفاؤها على الأثر، وعن سعد أخذت توحيد العنصرين، ولكنى لم أنجح بعد كما نجح فيه.. إن سعداً ليس للمصريين فقط ولكنه لنا أجمعين».

من تاريخ سعد والنحاس، نتعلم أن الأمة هى مصدر السلطات، وأنها أعلى من السلطة، ومن يملك الحق أعلى كثيراً ممن يملك القوة.. ونتعلم أيضاً الالتزام بسيادة القانون والدفاع عن الدستور مهما كلفهم ذلك من تضحيات، والانحياز للشعب حتى لو كان ثمن ذلك تهديداً مباشرًا لحياتهما. كذلك من الدروس المهمة التى تركها الزعيمان خلفهما، أنه لا يمكن أن تخضع للإرهاب أو التدخل الأجنبى، وأن «سعد» وقف موقفاً واضحاً ضد التدخل فى أعمال وزارته، عندما جرى قتل السير لى ستاك، وأبى أن يخضع للقرار البريطانى. نفس الموقف فإن النحاس باشا ألغى معاهدة 1936 معلناً الكفاح المسلح على الإنجليز فى القناة، وكلاهما سعد والنحاس رفض تسييس الدين، بمعنى استخدامه فى تحقيق أغراض ومصالح شخصية، وهو ما تجلى فى رفض سعد زغلول تنصيب الملك فؤاد «خليفة للمسلمين»، ورفض النحاس باشا تنصيب فاروق فى احتفال دينى، ومواجهته لحسن البنا عندما رفع شعاراته الدينية فى عالم السياسة.

لقد شاءت إرادة الله أن يتوفى زعيما الوفد سعد زغلول ومصطفى النحاس، فى شهر واحد، ويوم واحد 23 أغسطس، وأن يتوفى الزعيم الثالث فؤاد باشا سراج الدين فى نفس الشهر، ولكن قبلهما بأيام، 9 أغسطس عام 2000، بعد أن أسسوا قواعد الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وقادوا حركة الكفاح ضد المحتل البريطانى، ولا ننسى حركة الكفاح المسلح سنة 1951 التى قادها الوفد بقيادة فؤاد باشا سراج الدين، عندما كان يشغل منصب وزير الداخلية ضد الاحتلال البريطانى فى معركة الإسماعيلية التى تم تحويلها إلى عيد للشرطة يوم 25 يناير من كل عام.

إحياء ذكرى زعماء الوفد واجب وطنى على كل مؤسسات الدولة لأنهم من المؤسسين لتاريخ مصر الحديث والتاريخ العربى بشكل عام، وهم من الشخصيات التاريخية التى أسهمت فى بناء نهضة مصر الحديثة ودافعت عن الوطن ضد المحتل الغاشم، وستظل أسماؤهم محفورة فى تاريخ مصر لما بذلوه من وطنية فى ظل تحديات كثيرة.