رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقي

محظوظ من يتناول وجبة طعام فاسدة! أجل محظوظ؛ لأن بعض أجزاء جسده ستؤلمه سريعًا، فيهرع إلى المستشفى، وتتم معالجته من ذاك الطعام الفاسد الذى دخل جوفه، وبعد يوم أو اثنين أو حتى أسبوع سيسترد صحته وعافيته، ويعاود حياته بفرح وهمة ونشاط.

أما سيئ الحظ، فهو ذلك الإنسان الذى يطالع كتابة فاسدة تخرب العقل أو يقرأ مقالًا رديئًا يدمر الوجدان، وهو لا يعى أن ما يقرأه من كلام فاسد سيهدم بنيانه الذهنى، ويعيد تشكيله وفق رؤى أخرى تعطل حريته الفكرية وانطلاقه نحو فهم الحياة بشكل أفضل.

حسنًا... وما هى مواصفات الكتابة الفاسدة، أو الآراء المدمرة التى تصيب العقل بالعطب؟ وفى الوقت نفسه يصعب معها علاج هذا العقل المعطوب، فصاحبه يظن نفسه أمسك بالحقيقة المطلقة، بل يدافع عنها ويفرضها بالتكفير أو القتل إذا لزم الأمر.

إليك أبرز مواصفات الكتابة الفاسدة، وباختصار شديد:

إن الكتابة الفاسدة هى التى تخاصم العقل، وما وصل إليه ذلك العقل من علم حديث يتطور بسرعة مذهلة فى العقود الأخيرة، هذا العلم الذى يسر لنا سبل الحياة، وجعلها أكثر متعة وراحة. العلم الذى اخترع الطباعة والتخدير والقطار والطائرة والراديو والتليفزيون والغسالة والثلاجة والصحف والموبايل والإنترنت وغيرها كثير جدًا. هذا العلم الذى توصل إلى وضع قوانين عصرية تنظم العلاقلات بين الناس بعضها بعضًا، حتى لا يجور قوى على ضعيف، أو يستأسد غنى على فقير. هذا العلم الذى فتح الآفاق أمام العقل ليغامر ويبحث ويكتشف الفضاء وما يحتشد به من مجرات وكواكب ونجوم.

الكتابة الفاسدة أيضًا هى التى تروج للخرافات والخزعبلات وتضعها فى خانة التقديس. الكتابة الفاسدة هى التى تقدّس أفكارًا وآراء بائسة لأناس عاشوا قبل قرون بعيدة، وتمنحهم صكوك المعصومين من الخطأ. الكتابة الفاسدة هى التى تحرم المرء من تذوق الكلام الحلو واللغة المشرقة. الكتابة الفاسدة هى التى تحتفى بالروايات البائسة واللغة الركيكة والصياغات المبتذلة.

بهذا المعنى نستطيع أن نصنف الكثير من الكتابات المنشورة هنا وهناك بأنها تندرج ضمن الكتابة الفاسدة، فما أكثر ما نشر من مقالات وآراء وبوستات تحتفل بأنصاف الموهوبين، وتمجّد أرباع المبدعين!

أذكر أن لويس عوض كتب مرة بانزعاج: (إن كُتّاب الدرجة الثالثة لهم نقاد الدرجة الثالثة)، وكان الحق معه، فقد انتشر فى وادينا خلال السنوات الأخيرة الكثير من كُتّاب الدرجة الثالثة، وقد ساعدت وسائل التواصل الاجتماعى على شيوع كتاباتهم الفاسدة ورواجها بصورة مخيفة جعلتنا نطالع المديح والتقريظ والثناء ينهال على أشعار وروايات ومقالات وبوستات مهلهلة مضطربة الصياغة، محرومة من الفكرة اللامعة واللغة العذبة.

على أية حال... مرت مصر طوال تاريخها الحديث على الأقل بمثل هذا، عندما تصدر المشهد الثقافى والفنى والإبداعى أناس محدودو الكفاءات، فصالوا وجالوا واقتنصوا شهرة لا يستحقونها، لكن المجد حرمهم من نعمته، فنسيهم الناس.

حقا... ما أتعس الكتابة الفاسدة، وما أجمل ما يثرى العقل ويسعد الوجدان.