عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

زيادة الصادرات.. خطر على السوق المحلية

اﻻﻛﺘﻔﺎء اﻟﻤﺤﻠﻰ أوﻻ

ترشيد تصدير البصل
ترشيد تصدير البصل

تمر مصر بأزمة اقتصادية صعبة بشكل عام، ونقص فى العملة الصعبة بشكل خاص، وهو ما انعكس على ارتفاع أسعار السلع بشكل كبير خلال الفترة الماضية. 

وبسبب حاجة الدولة إلى النقد الأجنبى لسد العجز وتسديد التزاماتها الخارجية من أقساط القروض وفوائدها وتوفير الموارد اللازمة لتمويل الواردات، تسعى الحكومة إلى زيادة مواردها الدولارية بمختلف الطرق سواء عن طريق السياحة أو التصدير أو الاستثمار الأجنبى. 

وقد ركزت الحكومة خلال الفترة الماضية على تصدير الحاصلات الزراعية التى تتميز بها مصر، وبالفعل وصلت الصادرات الزراعية لأرقام قياسية خلال الأعوام القليلة الماضية، آخرها عام 2022 والتى سجلت لأول مرة فى تاريخها ما يقرب من 6.5 مليون طن بنحو 3.3 مليار دولار، فضلًا عن التركيز على تصدير الغاز الطبيعى استغلالًا لارتفاع أسعاره بسبب الحرب الروسية الأوكرانية التى أدت إلى زيادة أسعار الطاقة، وبلغت صادرات مصر منه العام الماضى نحو 8.4 مليار دولار. 

إلا أن التركيز على التصدير أدى إلى نقص المعروض من بعض السلع فى السوق المحلى، وانعكس ذلك على أسعار هذه السلع، التى ارتفعت بشكل جنونى خاصة الخضراوات والفاكهة والغاز وفواتير الكهرباء وانقطاعها المستمر، لتصبح الدولة أمام معادلة صعبة، هل تستمر فى التركيز على التصدير لحل مشكلة نقص العملة الصعبة، أم تسد احتياجات السوق المحلى أولا وتحمى المواطن من الارتفاعات الجنونية فى الأسعار. 

فى هذا الملف نرصد أبرز السلع التى ارتفعت أسعارها بسبب تصديرها للخارج، ووضع حلول لهذه المشكلة بما يحقق مصلحة جميع الأطراف سواء الحكومة أو المستهلك أو المنتج. 

ترشيد تصدير البصل.. يؤدى إلى خفض أسعاره

 

يعتبر البصل من المحاصيل الأساسية فى كل بيت مصرى، وأى تقلبات فى أسعاره تؤثر بشكل مباشر على الأسر ويشعر بها المواطن سريعًا، خاصة إذا كانت هذه التقلبات غير معتادة وفاقت الحدود. 

وخلال الفترة الماضية، شهدت أسعار البصل ارتفاعات قياسية، وصلت إلى تخطى سعر الكيلو 20 جنيهًا، بعدما كان لا يتجاوز 4 أو 5 جنيهات فى المعتاد، ما أدى إلى شكوى الكثير من المواطنين من هذا الارتفاع غير المنطقى فى أسعاره، وبدأ البعض يتساءل عن الأسباب الحقيقية وراء هذا الأمر، وهل التصدير المتزايد والمستمر للمحصول هو السبب أم لا. 

وبلغت صادرات البصل فى 2022 نحو 578 ألف طن، واحتلت المرتبة الثالثة بعد الموالح والبطاطس خلال الفترة من يناير وحتى أول يونيو من العام الجارى، حيث تم تصدير 281 ألفًا و729 طن بصل من إجمالى الصادرات الزراعية المصرية التى بلغت نحو 4 ملايين و118 ألفًا و871 طنًا. 

ويزرع محصول البصل فى عروتين، الأولى فى شهرى أغسطس وسبتمبر بمحافظات الصعيد، والثانية فى شهرى أكتوبر ونوفمبر بمحافظات الوجه البحرى، ويجنى المحصول فى شهور أبريل ومايو ويونيو من كل عام.

ووفقًا لبيانات منظمة الأغذية والزراعة «الفاو»، تنتج مصر نحو 3.5 مليون طن بصل سنويًا على مساحة تصل إلى 250 ألف فدان، وتأتى فى المرتبة الرابعة عالميًا بعد الهند والصين والولايات المتحدة من حيث الإنتاج، كما يعتبر السوق الخليجية والأوروبية أهم الأسواق التى يصلها البصل المصرى. 

وتعد مصر من أفضل 10 دول على مستوى العالم فى جملة الإنتاج والتصدير فى محصول البصل، ويرجع ذلك إلى صفات الجودة والقدرة التخزينية وتحمل التداول والشحن، وذلك نتيجة استنباط قسم بحوث البصل بمعهد بحوث المحاصيل الحقلية لـ4 أصناف تصلح للاستهلاك الطازج والتصدير والتجفيف وتلبى رغبات السوق المحلى والأسواق الخارجية والاحتياجات التصنيعية، وجار استنباط 3 أصناف جديدة لأغراض التجفيف، تعطى قيمة مضافة وتستهلك عمالة وتضمن التصدير طوال السنة. 

إلا أن محصول هذا العام شهد انخفاضًا كبيرًا فى الإنتاج نتيجة عزوف الفلاحين عن زراعة البصل، بعد تراجع أسعاره خلال العامين الماضيين وتكبدهم خسائر كبيرة، ما أدى إلى انخفاض الإنتاج وارتفاع الأسعار هذا العام، وفقًا لنقابة الفلاحين. 

عزالدين جودة رئيس لجنة البصل 

وقال عزالدين جودة رئيس لجنة البصل فى المجلس التصديرى للحاصلات الزراعية، إن ارتفاع أسعار البصل هذا العام يرجع إلى عدة أسباب وليس التصدير فقط. 

وأضاف أن هناك عجزًا فى محصول البصل هذا العام يصل إلى 50%، كما أن التصدير لم يزد عن الأعوام الماضية، ولكن العجز الشديد فى المحصول هو السبب فى ارتفاع الأسعار، ورغم ذلك ليس هناك ما يمنع من وقف التصدير خلال الشهور الثلاثة أو الأربعة القادمة حتى موعد المحصول الجديد فى شهر ديسمبر المقبل حماية للمواطنين من ارتفاع الأسعار. 

وأوضح رئيس لجنة البصل فى المجلس التصديرى للحاصلات الزراعية، أن وقف التصدير لمدة 3 أو 4 أشهر ليس له أضرار، لكنه فى نفس الوقت لن يحل مشكلة ارتفاع الأسعار بالشكل الذى يتوقعه البعض، لأن المشكلة الأكبر هى نقص المحصول، فالفلاحون أحجموا عن زراعة البصل هذا العام بسبب انخفاض سعر المحصول لعامين متتالين وتكبدهم خسائر كبيرة، فضلًا عن ضعف إنتاجية الفدان نفسه بسبب الظروف المناخية وأسباب أخرى، ولذلك منع التصدير ليس الحل الوحيد للأزمة. 

وأشار «جودة»، إلى أنه لا توجد إحصائية دقيقة عن إنتاج البصل فى مصر، ولكننا ننتج من 2 إلى 3 ملايين طن فى المتوسط سنويًا، نقوم بتصدير 400 ألف طن منها، وفى بعض السنوات وصلت الكمية إلى 700 ألف طن، وما حدث هذا العام هو انخفاض الإنتاج بنسبة اقتربت من 50% بسبب الإحجام عن الزراعة وضعف إنتاجية الفدان. 

وأضاف: «العام القادم سوف يُقبل الفلاحون على زراعة البصل بسبب ارتفاع سعره هذا العام وزيادة الطلب عليه سواء محليًا أو فى التصدير، وهذا سيشجع الفلاحون على زراعته بشكل أكبر، ولذلك فإن مشكلة ارتفاع أسعار البصل سوف تستمر حتى موعد جنى محصول «البصل المقور» فى ديسمبر المقبل، ووقتها سوف يعود الهدوء تدريجيًا إلى السوق». 

الدكتور إيهاب رمزى

من جانبه تقدم النائب الدكتور إيهاب رمزى، عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب، بسؤال برلمانى إلى السيد القصير وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، عن الأسباب الحقيقية وراء ارتفاع محصول البصل، الذى يعد واحدًا من أهم المحاصيل الغذائية التى تدخل فى مختلف الأكلات المصرية، ويتم تخزينه عددًا من الشهور بجانب تصديره بكميات كبيرة لأكثر من دولة.

وقال «رمزى» فى سؤاله، إنه يجب على الحكومة سرعة التحرك لمواجهة الارتفاعات الجنونية فى أسعار البصل هذا العام إذ تخطى سعر الكيلو 25 جنيهًا على مستوى الجمهورية، مطالبًا بكشف حقيقة التصريحات الصادرة من مسئولى شعبة الخضراوات والفاكهة باتحاد الغرف التجارية والتى أكدوا فيها أن أسباب ارتفاع أسعار البصل الجنونية هذا العام يرجع إلى تدنى مساحات الزراعة نتيجة انخفاض أسعاره فى الأعوام السابقة وعزوف الفلاحين عن زراعته.

كما طالب الحكومة بضرورة الإسراع فى وضع خريطة زراعية واضحة المعالم من ناحية الإنتاج والاستهلاك لمختلف المحاصيل الزراعية لتحقيق التوازن داخل السوق المصرية، داعيًا إلى ضرورة الوقف الفورى لتصدير البصل لفترة مؤقتة لضبط حركة الأسعار بالأسواق، وبعد عودة المواسم واستقراره يتم تصديره مجددًا، والاتجاه فى الوقت الحالى إلى زيادة المعروض من المحصول.

وطالب النائب الحكومة بالاستمرار فى تفعيل دور الجهات الرقابية لمراقبة الأسعار فى ظل الممارسات الاحتكارية، مع استمرار المبادرات وإقامة المزيد من المعارض السلعية التابعة للدولة لخفض أسعار السلع، قائلًا: «يجب أن تتنبأ الحكومة بمثل هذه المشكلات لتتخذ الإجراءات المناسبة لحلها قبل وقوعها».

العوائد الدولارية للغاز.. سبب انقطاع الكهرباء

 

لا يخفى على أحد المشكلة الكبيرة التى تتعرض لها مصر حاليًا فى الانقطاع المستمر للكهرباء بمختلف المحافظات، والشكوى الواضحة للمواطنين من هذه المشكلة، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة هذه الأيام.

تأتى هذه المشكلة بعد حديث الحكومة المستمر عن تحقيق فائض فى إنتاج الكهرباء، وأنها على استعداد لتصدير هذا الفائض للدول الأخرى، ما أثار تساؤلات حول أسباب إطلاق هذه التصريحات وموجة من الاستنكار والسخرية فى الوقت نفسه. 

وأوضح الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، أنه تم البدء فى تخفيف أحمال الكهرباء نتيجة الارتفاع الشديد فى درجات الحرارة خلال هذه الفترة، مشيرًا إلى أن استهلاك الكهرباء فى مصر ارتفع بصورة كبيرة، وأدى إلى زيادة حجم استهلاك الغاز المستخدم فى إنتاج الكهرباء، والضغط الشديد على الشبكات الخاصة به، ما أدى إلى انخفاض ضغوط الغاز فى الشبكات الموصلة لمحطات الكهرباء.

من جهتها أعلنت وزارة الكهرباء، عن أن تزايد الأحمال الكهربائية وصلت لأول مرة إلى أقصى استهلاك يمكن أن تصل إليه على مدار الأعوام الماضية، حيث بلغت 34650 ميجاوات، ولذلك سيتم الالتزام بتنفيذ برنامج تخفيف الأحمال طبقًا للقدرات المطلوبة من كل تحكم، مع مراعاة أن يتم البدء فى فصل الكهرباء لمدة زمنية 10 دقائق قبل رأس الساعة، و10 دقائق بعدها، لافتة إلى أن مدة الفصل لن تزيد على ساعة واحدة من وقت فصل التيار. 

جاء ذلك فى الوقت الذى أعلنت فيه الحكومة خلال شهر أغسطس الماضى عن خطة لترشيد استهلاك الغاز فى محطات الكهرباء، من أجل تصديره للخارج والاستفادة من عوائده الدولارية، حيث أكد الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، أنه كلما استطعنا القيام بترشيد استهلاكنا للكهرباء نجحنا فى توفير النقد الأجنبى.

وأضاف: «لو أننا على سبيل المثال قمنا بتوفير 10% من استهلاك الغاز الذى يتم ضخه فى محطات الكهرباء سيوفر ذلك ما يقرب من 300 مليون دولار شهريًا عبر تصديره للخارج، وإذا قمنا بتوفير 15% فسنوفر 450 مليون دولار»، مؤكدًا أننا بحاجة إلى توفير النقد الأجنبى. 

وبالفعل حققت بعدها صادرات مصر من الغاز الطبيعى أرقاما قياسية لتصل إلى 8 ملايين طن خلال 2022 مقارنة بنحو 7 ملايين طن فى 2021، لتبلغ نحو 8.4 مليار دولار مقابل نحو 3.5 مليار دولار خلال عام 2021، بنسبة زيادة 171%، وخلال الربع الأول من العام الحالى بلغ حجم الصادرات نحو 1.90 مليون طن. 

من جانبه قال وزير البترول طارق الملا، إننا تستهدف تصدير الغاز مجددًا بحلول شهر أكتوبر، لأن معظم الإنتاج يستخدم محليًا فى الصيف، لكن هناك كميات فائضة متاحة للتصدير خلال فصل الشتاء.

الدكتور رمضان أبوالعلا 

وأكد الدكتور رمضان أبوالعلا أستاذ هندسة البترول والطاقة، أن مصر فى أمس الحاجة لزيادة الاحتياطى النقدى، ولذلك هناك حاجة ملحة لتصدير الغاز لتوفير العملة الصعبة، خاصة أن أسعار الغاز عالميًا فى ارتفاع مستمر ووصلت إلى أرقام غير مسبوقة ولذلك التصدير فى مصلحة مصر. 

أما فيما يتعلق بارتفاع فواتير الغاز والكهرباء فقال إننا ضد هذا الأمر، ولكن هذا اتجاه حكومى لترشيد الاستهلاك رغم أن هناك أمورًا كثيرة لتحقيق هذا الأمر غير ارتفاع الفواتير، مشيرًا إلى أن ارتفاع الفواتير تفكير تقليدى ونهج واضح ومحدد، لكن لو الحكومة فكرت فى إعطاء حوافز لمن يقلل استهلاكه سيؤدى ذلك الأمر إلى آثار إيجابية أكثر، ولذلك يجب أن يكون هناك تفكير خارج الصندوق. 

وأوضح «أبوالعلا»، أن الحل الأمثل لتحقيق المعادلة الصعبة واستفادة الحكومة من تصدير الغاز وتحقيق الاستفادة للمواطن بخفض الفواتير وعدم انقطاع الكهرباء، هو ترشيد الاستهلاك عن طريق أفكار غير تقليدية، لأن ترشيد الاستهلاك يؤدى إلى زيادة الفائض من الغاز ثم يتم تصدير هذا الفائض وتحقيق مزيد من الإيرادات من العملة الصعبة، وهذا هو التفكير المنطقى المنضبط، لكن النهج المتبع حاليًا هو الأسهل بزيادة فواتير الكهرباء والغاز على المواطنين. 

وأشار إلى أن من أبرز الحوافز التى من الممكن للحكومة إعطاؤها للمواطنين فى هذا الشأن، هو أن أى مواطن يقلل استهلاكه بنسبة 25% من الاستهلاك المعتاد يتم منحه خصمًا بنفس النسبة من قيمة الفاتورة، وبالتالى لو وفرت الدولة 50% من الاستهلاك بعد تشجيع المواطنين وتحفيزهم، يعنى ذلك توفير 7 مليارات متر مكعب من الغاز، يتم تصديرهم بـ18 مليار دولار، وبالتالى هناك حلول غير تقليدية متاحة يمكن تنفيذها لكننا نختار الحلول الأسهل. 

الدكتور فريد البياضى 

كما تقدم الدكتور فريد البياضى عضو مجلس النواب، بسؤال موجه لكل من رئيس مجلس الوزراء ووزير الكهرباء والطاقة المتجددة، حول أسباب الانقطاع المتكرر والمستمر للتيار الكهربائى فى مختلف مدن ومحافظات الجمهورية.

وقال النائب فى سؤاله، إن معظم المناطق فى ربوع البلاد تعانى هذه الأيام من ظاهرة الانقطاع المتكرر فى التيار الكهربائى على مدار اليوم، وتتجاوز مدة الانقطاع فى بعض المرات عدة ساعات، وفى أوقات متأخرة من الليل، ما أثار شكاوى العديد من المواطنين، وأدى إلى تلف بعض الأجهزة المنزلية الكهربائية الخاصة بهم، ويتزامن هذا الانقطاع مع ارتفاع شديد فى درجات الحرارة التى تشهدها البلاد، حيث تجاوزت درجات الحرارة 40 درجة فى القاهرة، و50 درجة فى جنوب الصعيد.

وتساءل «البياضى»: «كيف يحدث هذا فى نفس الوقت الذى أعلنت فيه الدولة أن لدينا فائضًا فى إنتاج الكهرباء يمكن تصديره؟!».

وأضاف: «هل تقوم الحكومة بمنع الكهرباء عن المواطنين لتقوم ببيعها وتصديرها؟!، هل هذه خطة ممنهجة من الحكومة لترشيد استخدام المواد البترولية المشغِلة لمحطات الكهرباء؟ ولو كان ذلك كذلك فهل هذا هو الوقت المناسب لقطع الكهرباء فى ظل موجة شديدة الحرارة؟!، ولماذا لا تعلن الحكومة عن الجدول الزمنى لانقطاع الكهرباء فى مناطق معينة؟ ولماذا لا تعلن عن الأسباب بشفافية؟، وما هى خطة الحكومة وجدولها الزمنى لسرعة حل هذه المشكلة؟».

واختتم النائب سؤاله بقوله: «متى تتحدث الحكومة مع الشعب بصراحة وشفافية عن الأزمات وأسبابها وخطط التعامل معها؟».

الأسماك كانت دائمًا الغذاء الذى يقال عليه إنه فى متناول الجميع، ويلجأ إليه المواطن عند ارتفاع أسعار اللحوم أو الدواجن، لكن الموقف تغير كثيرًا خلال الفترة الماضية، وأصبحت الأسماك بعيدة المنال بعد القفزات الجنونية فى أسعارها. 

فقد ارتفعت أسعار الأسماك التى توصف بأنها شعبية مثل البلطى والبورى والفيليه بشكل كبير، فمثلًا البلطى وصل إلى 80 و90 جنيهًا، والبورى إلى 130 جنيهًا، والفيليه إلى 160 جنيهًا، بعدما كانت هذه الأنواع لا يزيد ثمنها على 50 جنيهًا. 

جاء ذلك رغم توسع الدولة فى مشروعات تنمية الثروة السمكية خلال السنوات الماضية، وزيادة مساحات الاستزراع السمكى، والتى كان من أهم أهدافها تغذية السوق المحلى باحتياجاته من الأسماك. 

 

وكشف تقرير صادر عن جهاز تنمية البحيرات والثروة السمكية التابع لوزارة الزراعة، عن أن إجمالى الإنتاج السنوى من الأسماك، بلغ مليونى طن خلال 2022، ووصلت نسبة الاكتفاء الذاتى 85% من الاحتياجات.

وأوضح التقرير أن مصر احتلت المركز الأول أفريقيا والسادس عالميًا فى الاستزراع السمكى، والثالث فى إنتاج أسماك البلطى، متوقعًا زيادة نسبة الاكتفاء الذاتى وفوائض التصدير مع دخول كل المشروعات القومية الإنتاج بكامل طاقتها.

وأشار إلى أن المزارع السمكية الموجودة فى مصر، إما تابعة للقطاع الخاص وقطاع الأعمال أو مزارع ملك للدولة يؤجرها الجهاز للعديد من المستأجرين، أو مزارع خاصة به، حيث يفوق عدد المزارع أكثر من 7000 مزرعة، بإجمالى 320 ألف فدان.

وأوضح إلى أن البحيرات المصرية منذ 5 سنوات كانت تنتج 170 ألف طن، لكنها تنتج الآن 220 ألف طن، ونهر النيل كان ينتج نحو 58 ألف طن، والآن يفوق الـ78 ألف طن، والمزارع السمكية كانت تنتج منذ 7 سنوات مليونًا و100 ألف طن، لكن الآن تنتج مليونًا و600 ألف طن.

كما أنه منذ 5 سنوات كان الإنتاج الإجمالى من الثروة السمكية نحو مليون و600 ألف طن، والآن يفوق 2 مليون طن. 

وكشف الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، عن أن قيمة صادرات مصر من الأسماك خلال 2022 بلغت نحو 54 مليونًا و559 ألف دولار، تتنوع بين الاستاكوزا والبلطى والجمبرى والقراميط والسبيط وغيرها من الأنواع. 

عبده عثمان 

وقال عبده عثمان نائب رئيس شعبة الأسماك إن سوق السمك مثله كباقى الأسواق يتوقف على مبدأ العرض والطلب، وكلما كان العرض أكبر من الطلب تنخفض الأسعار والعكس صحيح. 

وأوضح عثمان، أنه فى فترة سابقة كان يتم تصدير السمك البلطى والبورى مثلًا إلى المملكة العربية السعودية، وحينها ارتفعت أسعارهما فى الأسواق بشدة، ثم طالبنا بوقف التصدير وفعلًا استجابت الدولة، لذلك انخفض السعر إلى ٣٠ جنيهًا وعاد لطبيعته، إلا أن التصدير عاد مرة أخرى بطرق مختلفة مثل النقل إلى الأردن أولًا ثم إلى السعودية. 

وأشار إلى أنه يؤيد وقف تصدير الأسماك لتوفيرها فى السوق المحلى حتى تنخفض أسعارها مرة أخرى، متسائلًا كيف يكون لدينا ارتفاع فى أسعار سلعة ثم نقوم بتصديرها؟!

كانت الدكتورة مها عبدالناصر، عضو مجلس النواب، قد توجهت بسؤال لكل من رئيس مجلس الوزراء ووزير الزراعة واستصلاج الأراضى بشأن الأزمة التى يشهدها قطاع الثروة السمكية فى مصر فى الآونة الأخيرة.

وقالت «عبدالناصر» فى سؤال: «كحال معظم السلع فى مصر سقط قطاع الثروة السمكية فى مصر فى شباك الأزمة الاقتصادية العصيبة التى تمر بها البلاد فى الآونة الأخيرة، وفوجئنا جميعا بارتفاع غير مسبوق فى أسعار الأسماك بمختلف أنواعها، وخاصة البلطى والبورى التى تعتبر الأكثر استهلاكا من جانب المواطن البسيط». 

وأضافت قائلة: «فإذا نظرنا إلى الأنواع الأعلى سعرا من الأسماك والقشريات ذات القيمة الغذائية المرتفعة فإننا نجد أرقاما فلكية بالكاد يستطيع المواطنون من الشرائح العليا من الطبقة المتوسطة تحملها وبالطبع لا يستطيع أى مواطن من الطبقات الأقل حظا مجرد التفكير فيها».

وأوضحت أن هناك حالة من التضارب فى التصريحات والقرارات الحكومية والتى أتت جميع نتائجها بشكل عكسى على قطاع الثروة السمكية، خاصة التصريحات التى تشير إلى أن إنتاجنا السنوى من الأسماك 2 مليون طن بنسبة اكتفاء ذاتى تصل إلى حوالى 85 %، وأن الدولة المصرية تحتل المركز الأول أفريقيا والسادس عالميا فى الاستزراع السمكى وتحتل أيضاً المركز الثالث فى إنتاج السمك البلطى.

وتساءلت: «ما هى النتائج والأهداف التى تحققت فى قطاع الثروة السمكية فى مصر من وراء إنشاء الشركة الوطنية للثروة السمكية والأحياء المائية؟ وما هى النتائج والأهداف التى تحققت بعد افتتاح مشروع بركة الغليون للاستزراع السمكي؟ ولماذا قفزت أسعار الأسماك بهذا الشكل الجنونى فى حين أن مصر تحقق نسبة اكتفاء ذاتى يقرب من 85%». 

خبراء: المحاصيل الاستراتيجية وتشجيع الاستثمار.. أبرز الحلول

 

أكد خبراء اقتصاديون أن مشكلة إحداث التوازن بين احتياجات السوق المحلى والتصدير حاليًا لها عدة حلول ومن السهل تنفيذها، وتعود بالفائدة على الحكومة والمواطن، وتحقق هدف الدولة بزيادة العوائد الدولارية من الصادرات، وتحقق هدف المواطن بتوفير السلع فى الأسواق بأسعار رخيصة. 

وأوضح الخبراء، أن من ضمن هذه الحلول، التوسع فى زراعة المحاصيل التى ترتفع أسعارها ضمن مشروع الـ 100 ألف صوبة، والمشروعات الزراعية الجديدة، بالإضافة إلى منح الأراضى للشباب والمستثمرين مجانًا سواء فى المجال الزراعى أو الصناعى، ما يؤدى إلى زيادة الإنتاج وتوفير السلع للسوق المحلى بأسعار معقولة، ثم تصدير الفائض لتحقيق العوائد الدولارية. 

الدكتور جمال صيام

فى هذا السياق، قال الدكتور جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة القاهرة، إن هناك حلولًا عديدة لتحقيق التوازن بين احتياجات السوق المحلى والتصدير، وحل المعضلة التى تواجه الحكومة حاليًا بالاستمرار فى التصدير أم سد احتياجات السوق المحلى. 

وأوضح، أن هناك التزامات تصديرية على الدولة يجب الوفاء بها، لأن هناك عقودًا تم توقيعها لاستيراد سلعة معينة ولتكن البصل مثلًا، ولذلك يجب الالتزام بتصدير الكميات المتعاقد عليها لأننا إذا خسرنا أى سوق تصديرى سيكون من الصعب إيجاده مرة أخرى، مشيرًا إلى أن السوق المحلى يتوازن فى فترات معينة بسبب مواعيد زراعة المحاصيل وكل عروة لها توقيت محدد، ولكن المهم هو عدم وجود ممارسات ضارة بالسوق مثل حجب السلعة عن المواطنين، ووقتها تحدث الأزمات. 

وأكد أستاذ الاقتصاد الزراعى، أننا لا نستطيع منع التصدير خاصة مع ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه والذى يشجع المنتجين على التصدير بلا شك، ولذلك الحكومة لن تفكر فى إصدار قرارات بمنع التصدير وبالذات أنها تحتاج إلى العملة الصعبة بسبب الأزمة التى تعانى منها حاليًا، لأن حل مشكلات السوق المحلى ليست بمنع تصدير السلعة، لأن سلعة مثل البصل يتم تصدير 300 أو 400 ألف طن منها وهذه الكمية القليلة لن تحل مشكلات ارتفاع الأسعار فى السوق المحلى إذا منعنا تصديرها. 

وأضاف: «لكن الحل هو زيادة مساحة زراعة السلع التى ترتفع أسعارها محليًا من خلال مشروع الـ100 ألف صوبة وغيرها من المشروعات الزراعية الجديدة، وبالتالى يزيد الإنتاج محليًا والفائض يكون للتصدير لجذب العملة الصعبة، لأن الدولة لن تستطيع التنازل عن عوائد التصدير، ولذلك يجب استغلال المشروعات الزراعية الجديدة فى زراعة الأصناف التى ترتفع أسعارها محليًا من خلال إعطاء حوافز للمنتجين ووضع سياسات لتحفيزهم بإنتاج المحاصيل بشكل أكبر». 

وأشار «صيام»، إلى أنه من الممكن أيضاً استخدام حل تحميل المحاصيل الزراعية على بعضها البعض لزيادة الإنتاج مثل تحميل البصل على القطن الذى تتم زراعته على مساحة 300 ألف فدان، ما يعنى زيادة إنتاجية البصل بحجم 300 ألف فدان إضافية، مشيرًا إلى أن تحميل محصول على آخر يعنى زراعتهما فى نفس التوقيت معًا دون ضرر على المحصول الرئيسى، ومن الممكن أيضاً تحميل الفول الصويا مع الذرة فى 2 مليون فدان، وبالتالى نوفر من فاتورة استيراد الفول الصويا ونخفف الأعباء على الدولة. 

وتساءل «صيام» قائلًا: لماذا لا يتم تحميل المحاصيل على بعضها البعض حتى الآن، وأين دور وزارة الزراعة والإرشاد الزراعى والجمعيات التعاونية، لأن هذه الجهات مسئولة عن ذلك، كما يجب أن تساعد الفلاح فى الزراعة بهذا الأسلوب وتوجيهه إليه، ومساعدته فى النواحى المالية التى لن يستطيع تحملها مع توزيع التقاوى على الفلاحين كنوع من الحوافز والتشجيع؟!». 

وأكد أنه مع زيادة إنتاج هذه المحاصيل سوف يتم تسويقها وتنخفض أسعارها على المواطنين ووقتها تتحقق الاستفادة لكل عناصر المنظومة سواء الفلاح أو الحكومة أو المستهلك. 

أحمد خزيم 

من جانبه قال أحمد خزيم الخبير الاقتصادى، إن التضخم وزيادة الأسعار ناتجة عن زيادة الطلب وانخفاض المعروض من السلع، وعلاج هذه المشكلة هى زيادة كمية المعروض فى المحاصيل الأساسية.

وأوضح «خزيم»، أنه يجب التفكير بطرق غير تقليدية والاتجاه إلى المشروعات الصغيرة والمتوسطة واستصلاح الأراضى خصوصًا وأننا نعيش على 10% فقط من مساحة مصر، مع ضرورة إعطاء الأراضى للشباب مجانًا وتوفير البنية الأساسية لهذه الأراضى، لأن ذلك يسهم فى تحقيق الهدف الأهم وهو توفير كميات أكبر من السلع فى الأسواق وانخفاض الأسعار فى النهاية، ومقابل إعطاء الأرض مجانًا تحصل الدولة على حقها من الإنتاج بنسبة معينة سنويًا حتى تنتهى قيمة الأرض. 

وأشار الخبير الاقتصادى، إلى أنه فى حالة توفير الأراضى للشباب وزيادة الإنتاج سيتحول هؤلاء الشباب إلى مستثمرين صغار ورواد يستطيعون تصدير الفائض من محاصيلهم فيما بعد، وبالتالى نضرب عصفورين بحجر واحد، فمن ناحية يستفيد السوق المحلى بالإنتاج وانخفاض الأسعار، ومن ناحية أخرى تستفيد الحكومة بالعوائد الدولارية من تصدير الفائض، ولذلك فإن حل المعادلة الصعبة التى تواجه الحكومة حاليًا هو الإنتاج ولا شىء غيره سواء زراعيًا أو صناعيًا أو سياحيًا أو أى مجال آخر. 

وأكد «خزيم»، أن إعطاء الحكومة الأراضى مجانًا للمستثمرين الزراعيين أو الصناعيين لا يعنى أنها تخسر، بل العكس فهى تكسب بنسبة أكبر لأن هؤلاء المستثمرين يستثمرون أموالهم فى هذه الأراض، ثم يبيعون إنتاجهم فى السوق المحلى والتصدير، وكل هذه عوائد للدولة سواء فى شكل ضرائب أو عوائد دولارية أو انخفاض الأسعار فى السوق المحلى ورضاء الناس وعدم سخطهم. 

وأضاف: «هذا الحل يعتبر من الحلول متوسطة الأجل، أما الحلول السريعة وقصيرة الأجل فمن الممكن أن تكون اتخاذ الحكومة قرار بإعفاء جميع المنشآت السياحية بداية من التاكسى والبازارات حتى الغرف السياحية فى الفنادق وأسعار تذاكر الطيران من الرسوم والضرائب لمدة عام واحد، بشرط توجيه هذا الإعفاء لاستهداف سياح دولة معينة كالصين مثلًا التى يخرج منها سنويًا 160 مليون سائح، وبهذا الإعفاء نستهدف 10% منهم فقط أى 16 مليونًا، يجلبون للخزينة العامة نحو 16 مليار دولار نحل بهم أزمة نقص العملة الصعبة، التى تعتبر السبب الأكبر فى ارتفاع الأسعار محليًا».