فى حياة الأمم والشعوب تجارب ومواقف ملهمة، يصنعها أبناء هذه الأمم لتظل باقية فى التاريخ، وتكون نبراسًا تهتدى به الأجيال المتعاقبة.
قبل أيام احتفلنا بذكرى عزيزة على قلوب المصريين، وهى الذكرى الخامسة والعشرين لرحيل الزعيم فؤاد سراج الدين. واليوم نحتفل بذكرى جليلة، ويوم رسمت ملامحه فى قلوب المصريين، وهو يوم 23 أغسطس والذى يوافق ذكرى رحيل الزعيم سعد زغلول عام 1927 والزعيم مصطفى النحاس عام 1965.
من أبرز السمات التى جمعت بين زعماء الأمة الثلاثة «سعد، النحاس، سراج الدين» إيمانهم العميق والراسخ بالوحدة الوطنية الحقيقية بين أبناء الوطن من مختلف الطوائف. تلك الوحدة التى تنبع من وجدان الشعب وضميره، لا تلك التى تُفرض بقوانين أو أوامر.
كانت الوحدة بين عنصرى الأمة المسلمين والأقباط - ولا زالت - حجر الزاوية فى المشروع الوطنى الكبير لهذه الأمة، وهو المشروع الذى أرست قواعده ثورة 1919 المجيدة، التى جمعت كل أبناء الوطن تحت لواء واحد يقوده الوفد المصرى المشكل بتوكيل وتفويض من الأمة المصرية للدفاع عن حريتها والبحث عن الاستقلال.
حين نتحدث عن سعد زغلول أو مصطفى النحاس فى ذكراهما التى تُحل اليوم، فإننا فى جوهر الأمر نتحدث عن الوفد ذاته بقيمه وأصالته، عن التجارب الملهمة والمواقف الخالدة، التى عاشت وستعيش.
الوفد لم يكن مجرد حزب سياسى عابر فى هذا البلد، بل كان - ولا زال - يحمل فلسفة واضحة، هى فلسفته فى الحكم التى كانت تقوم على النضال ضد المستعمر لتحقيق الاستقلال والجلاء، وترسيخ قيم الحرية والديمقراطية وصيانة الحريات العامة.
أما فى مواجهة القصر، فقد خاض الوفد معارك تاريخية دفاعًا عن حقوق الشعب وسلطاته الدستورية.
وإذا تأملنا تاريخ الوفد والمواقف الملهمة لزعمائه، وجدنا أنه ظل يدور دائمًا فى فلك معركتين: الأولى مواجهة الاستعمار بوحشيته والكفاح ضده، والثانية الصراع مع القصر حفاظًا على إرادة الأمة.
غير أن كثيرين يختزلون رسالة الوفد فى بُعدها الوطنى وحده، وينسون أن الحزب حمل أيضًا مشروعًا للإصلاح الداخلى يتجدد دومًا. فقد انعكس ذلك فى برامجه الواضحة خلال معاركه الانتخابية بعد عودته للحياة السياسية عام 1984، وفى البيانات التى صاغها عبر تاريخه الطويل، وفى الإنجازات التى حققها على أرض الواقع، فضلًا عن مؤتمراته الشعبية، التى شارك فيها المصريون من كل محافظات مصر.
هذه الذكرى الملهمة تدعونا الآن إلى الاستمرار على نفس النهج فى الدفاع عن الوطن وأبنائه، ومواجهة التحديات بصدق وواقعية.
رئيس حزب الوفد