رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

10 ساعات يوميًا تحت لهيب الموجة الحارة:

لقمة العيش بـ«نار الشمس»

بوابة الوفد الإلكترونية

ليسوا كغيرهم.. لا يملكون رفاهية العمل داخل المكاتب المُكيفة، ولا يستطيعون الاحتماء فى منازلهم من ألسنة الشمس الحارقة، لا يمكنهم الجلوس أمام المراوح، فلقمة العيش تجبرهم على الخروج فى نار الشمس بحثًا عما يسد رمقهم ورمق الأفواه الجائعة التى تنتظرهم.

فئات عديدة لم تمنعهم الموجة الحارة التى تعم البلاد من الخروج بحثًا عن الرزق.. عمال أرزقية وباعة «على باب الله» لا يملكون من أمرهم شيئًا، دفعتهم الظروف للعمل تحت نار الشمس الحارقة، يتخذون من بعض الأقمشة المبللة أو الكراتين حاميًا لهم من نار الموجة الحارة.

 بطولات فردية يجسدونها فى الشوارع قرابة 10 ساعات يوميًا، وفى نهاية اليوم يعودون إلى منازلهم بوجوه شكلتها أشعة الشمس بألوانها الحارقة، تراهم على الطرق العامة وفى الشوارع والميادين يعملون فى صمت، بعضهم ينتظر السيارات فى لهفة عسى أن يكون مع أحد الركاب زجاجة مياه تروى ظمأهم، والبعض الآخر يلوح من بعيد بزجاجات فارغة على أمل أن يقدم لهم أى إنسان زجاجة مياه باردة تروى ظمأهم لتعود لهم الحياة من جديد. 

«الوفد» عايشت مع هؤلاء الشقيانين متاعبهم اليومية تحت لهيب الشمس الحارقة فى هذه الموجة الحارة، ننقلها لكم فى السطور التالية.

«صابر» عامل النظافة... اسم على مسمى 

عقارب الساعة تُشير إلى الواحدة ظهرًا.. نار الشمس تلقى بلهيبها الساخن على الشوارع.. الجميع يعمل جاهدًا للهروب من هذه النار الموقدة، ولكنه يجلس وحيدًا فى سكون، واضعًا يده على خده، يختلس بضع دقائق للراحة والتقاط الأنفاس قبل أن يستكمل عمله الشاق. 

ملابسه التقليدية كشفت عن عمله، فهو واحد من عمال النظافة الذين يجوبون الشوارع لتنظيفها لا يمنعهم من ذلك نار الحر القائظ، ولا الشتاء القارس، قطعنا عليه راحته القصيرة فقال: «أنا اسمى صابر وعندى 4 أبناء فى الابتدائي.. بشتغل من 7 الصبح لـ4 بعد العصر». 

«اللى زيى ملهوش الراحة، ولو نمت يوم هجوع أنا والعيال».. قالها عامل النظافة بصوت مجهد للغاية، لا يبالى حرارة الشمس الحارقة فى سبيل استكمال عمله ليعود لمنزله دون أن يخصم من راتبه القليل شيئًاء، «فالمرتب بأكمله لا يكفى لإطعام الأبناء عيش حاف، فما بالك لو اتخصم منه».

يشير صاحب الأربعين عامًا إلى أنه مهما كانت حرارة الشمس فهو مضطر للنزول للعمل، وللتغلب على حرارة الجو، فهو يبلل الكاب الذى يرتديه فوق رأسه كل فترة، وتابع قائلًا: «الطاقية لما تكون مبلولة على الرأس بتخفف أثر الحر لكنها بتنشف بعد دقائق بسبب الشمس». 

العرق يسيل على وجه «عم صابر» فيخرج منديلاً من القماش ويمسح وجهه الملتهب من الشمس، ويعود قائلاً، إنه مثل ملايين المصريين يكدحون على لقمة العيش فى ساعات النهار وتحت نار الشمس، ولكنه لا يستطيع البقاء فى منزله، فهذا عمله الذى لا يستطيع الغياب عنه حتى يوفر لصغاره قوت يومهم.

 

«فاطمة» بائعة الخضار: الجو صعب بس الإحساس بالجوع أصعب

على عربة خشبية تجلس «فاطمة» بجوارها الخضروات وبعض الفاكهة التى تبيعها، وعلى الرغم من أن عمرها تجاوز الخمسين عامًا إلا أنها تعافر مع الحياة من أجل لقمة العيش، تحمى رأسها من لهيب الشمس بقطعة من القماش المبللة وبعض الحشائش المستخرجة من الخضراوات التى تبيعها.

يومها يبدأ من التاسعة صباحًا وحتى الثالثة عصرًا، تجلس فى الشارع المواجه للغرفة التى تقيم فيها بمنطقة إمبابة تعتمد فقط على فتح الباب ورش المياه أمامه حتى تستطيع التعايش مع الموجة الحارة. 

فاطمة التى عايشت مرارة الحياة بعد وفاة زوجها وهى فى سن الثلاثين، بدأت العمل على الأرصفة حتى تستطيع أن تكمل مسيرة تربية أبنائها الخمسة، وقالت: «الحمد لله جوزت البنات وفاضل عندى ولدين شغالين وبيصرفوا على نفسهم»، لكنى مضطرة للعمل حتى لا أمد يدى لأحد منهم، فأبنائى على باب الله «ربنا يعينهم على حالهم»، أما أنا فاعتدت على الشقاء وربنا يعيننى عليه.

«الجو صعب جدًا بس الإحساس بالجوع أصعب».. قالتها السيدة الخمسينية ردًا على سؤالنا عن عملها تحت حرارة الشمس الحارقة، وقالت ربنا بيقدر كل واحد على عمله، وأعربت عن غضبها من الشباب المتكاسل عن العمل بحجة ارتفاع درجات الحرارة، مشيرة إلى أنها سيدة وتقاوم الحياة من أجل لقمة العيش، وأكملت حديثها مستعينة بالمثل الشعبى «العطشان يكسر الحوض» قائلة: من يحتاج للمال الحلال يعمل أى شيء ولا يهمه نار الشمس ولا برد الشتا». 

وتابعت: «أنا بشر برضو أكيد بتعب من الشمس.. وفيه أيام بنام مش بقدر أتحرك من ضربة شمس اللى بتصيبنى، لكن ولاد الحلال بيساعدوني».

 

بائع الروبابكيا: «10 ساعات كعب داير بين نار الشمس ومرارة العطش» 

10 ساعات كعب داير بين نار الشمس ومرارة العطش.. هذا هو ملخص يوم بائع الروبابيكا «سعيد خلف» الذى يترجل فى منطقة المطرية منذ الثامنة صباحًا، ومع ارتفاع درجات الحرارة أصبحت مهمته انتحارية خاصة مع هذه الموجة الحارة التى تعيشها البلاد.

سعيد تعود أصوله إلى محافظة الفيوم، جاء إلى القاهرة منذ 10 سنوات بحثًا عن الرزق هو وأسرته المكونة من زوجته و3 أبناء، وقال: «جيت أدور على لقمة عيش هنا، فالقاهرة بها مصادر للرزق أكثر من أى محافظة أخرى». 

يقول بائع الروبابكيا إن فى السنوات الماضية كان فى الشوارع مبردات مياه كثيرة، لكن حاليًا لا توجد وإن وجدت تكون معطلة، مضيفًا أن الكولدير كان بمثابة طوق نجاة للشقيانين من أمثاله الذين يترجلون فى الشوارع لساعات طويلة وتابع قائلًا: «أنا علشان أجيب إزازة مية ساقعة من المحل يبقى هضيع مكسب يوم كامل من التعب على شراء المياه، ومع الحر مش هيكفينى ولا 12 إزازة مياه ساقعة فى اليوم».

ويشير صاحب الأربعين عامًا إلى أن العمل فى الشوارع فى مثل هذه الأيام يعد من العمليات الانتحارية، ولو حد منهم مات المفروض يكون شهيدًا لأنه رفض الاستسلام لظروف الحياة وظل يكد من أجل لقمة العيش. 

ببعض الكراتين والأقمشة يفرش بائع الروبابكيا قفصًا من الجريد ليمنع عنه حرارة الشمس، وقال إن أقدامه يشعر بألم شديد فيها بسبب تراكم الأملاح فيها، خاصة مع قلة شرب الماء وتابع: «بروح البيت زى العاجز مش بقدر أتحرك لحد تانى يوم الصبح». 

ساعات العرق بيسيل منى لحد رجليا وأنا ماشى ومش بقدر أوقف شغل علشان أقدر أجيب الأكل للعيال.. يستكمل البائع حديثه قائلًا: إن المارة كثيرًا ما يتعاملون معه ليس لحاجاتهم للشراء منه أو البيع له ولكن شفقة عليه بسبب شكله المجهد وجلبابه المليء بالعرق، وتابع: «بسمع كتير دعاوى من الناس ودى بتفرحنى وبتخلينى أقدر أقاوم». 

 

جامعة القمامة: ربنا بيقوينى علشان رزق عيالى 

على الرغم من تجاوزها سن الخمسين عامًا إلا أنها مازالت تسير فى شوارع منطقة العزبة القبلية بحلوان بحثًا عن رزقها ورزق أبنائها، منحها الله عز وجل القوة لتكمل مسيرة حياتها فى تربية بناتها الثلاث، ومع ارتفاع درجات الحرارة تصبح مهمة السيدة العجوز أشبه بالعذاب اليومي.. ما بين لهيب الشمس ورائحة القمامة داخل الأجولة التى تحملها على كتفيها، تواصل السيدة يومها الشاق من أجل 50 جنيهًا.

فواكه سيدة تركها زوجها وهى فى الثلاثين من عمرها بعد أن أنجبت 3 فتيات لعجزه عن تحمل مسئولية المصاريف، وقالت: «مقدرش يصرف علينا وحجته أنه كان عايز الولد». 

قرابة 10 ساعات يوميًا تجوب فيها فواكه الشوارع لجمع الكراتين والزجاجات وعلب المياه الغازية الفارغة لبيعها للتجار، ومع ارتفاع درجات الحرارة تشعر السيدة بألم شديد فى قدميها، وتابعت: «ببقى ماشية وعاجزة من الحر مش قادرة أستحمل العطش لكن مضطرة أكمل يومى، وربنا بيقوينى علشان أجيب رزق عيالي».

تصمت السيدة للحظات وتتذكر يومًا سقطت فيه خلال تجولها فى الشارع، وقالت: «وقعت من طولى والناس اتلموا عليا وفوقونى كان اليوم حر أوى وكنت عطشانة وجعانة». 

تستكمل جامعة القمامة حديثها قائلة: إن البشر لا يطيقون رائحة القمامة فى المنزل لو تركوها ليوم واحد فما بالك بسيدة وظيفتها هى جمع القمامة التى تفوح منها رائحة تشمئز منها الأنوف ومع ارتفاع درجات الحرارة تزداد الرائحة الكريهة. 

وتابعت: «ساعات بلبس كمامة علشان أحمى نفسى من الرائحة لكن مش بستحملها خاصة فى الحر وبقلعها تانى علشان أقدر آخد نفسي».

 

عمال الفرن: الديون بتنسينا الموت والحر

داخل الفرن تجدهم كالنحل، كل فرد يعرف دوره جيدًا، صورة ناجحة لفكرة العمل الجماعي.. ببعض النكات والضحكات يحاولون التغلب على صهد النار الخارج من الفرن والمنعكس على أجسادهم النحيلة مما يزيد من حرارتها المرتفعة أصلًا بسبب حرارة الجو.

«الديون بتنسينا الموت اللى بنشوفه كل لحظة»، جملة تحمل الكثير من المآسى التى يعيشها هؤلاء العمال، فوراء كل منهم حكاية من الألم والمعاناة لا تقل حرارتها عن حرارة الفرن الذى يعملون أمامه، ومع ذلك يحاول كل منهم أن يتغلب على مشكلاته بالعمل مهما كانت ظروف الجو. 

جو أسرى وصداقة كبيرة تجمعهم، تعد هى كلمة السر التى تعينهم على تحمل قسوة الحياة ونار الفرن مع لهيب الحر، وقال أحدهم ويدعى «سعيد»: «كتير منا بيغمى عليه فى الشغل وبنفوقه.. المياه اللى بنشربها زى مية النار بسبب الحر». 

يشير الشاب العشرينى إلى أن فرحه قد اقترب ولن يتبقى سوى أشهر قليلة ويسعى للعمل ليلاً ونهارًا لسداد الديون التى اقترضها لتجهيز منزل الزوجية. 

يوم سعيد يبدأ من الخامسة صباحًا بتحضير عدة العجين وتشغيل الفرن ومع السادسة يبدأ العمل فى إنتاج الخبز للمواطنين، ويستمر عمل الفترة الصباحية حتى الخامسة مساءً وبعدها تبدأ الفترة المسائية حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي. 

حياة العمال فى الفرن كثيرًا ما تكون مهددة مع ارتفاع درجات الحرارة نتيجة لتعرض كابلات الكهرباء للانفجار مما قد يؤدى إلى حدوث حريق. 

يتذكر عامل آخر يدعى «شريف» تفاصيل واقعة حريق كابل الكهرباء فى الفرن، قائلًا: إننا جميعًا شعرنا برهبة شديدة حينما رأينا النيران تندلع من كابل الكهرباء داخل الفرن، فمع ارتفاع درجات الحرارة بشكل مبالغ فيه ومع سخونة الجدران من نار الفرن انصهرت الأسلاك الداخلية للكهرباء واندلعت النيران، ولكن بحمد الله استطعنا السيطرة على الموقف.

وأضاف مهما كان الجو فلا يمكننا التوقف عن العمل وربنا هو المعين.