عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

بمناسبة الحديث هذه الأيام عن ذكرى ثورة 23 يوليو عام 1952، والفترة التى سبقتها، أروى مقتطفات من كتاب أستاذى الدكتور راسم محمد الجمال الذى كان يدرس لى مادة الرأى العام والدعاية فى ثالثة صحافة عام 1982، وكان يتعامل معنا نحن طلاب الدفعة كصديق قبل أن يكون أستاذًا للاعلام، كتاب الجمال «عباس العقاد فى تاريخ الصحافة المصرية» والذى يروى فيه قصة اتهام العقاد بالعيب فى الذات الملكية عندما كان عضوًا فى مجلس النواب المصرى.

يقول الجمال: تلقى العقاد أنباء تؤكد نية الحكومة إلقاء القبض عليه، وكانت التهمة التى تحاك ضده هى «العيب فى الذات الملكية» وبدأت قصتها يوم 16 يونيو 1930 بإعلان مصطفى النحاس باشا استقالة حكومته الوفدية أمام البرلمان، ووقف العقاد فى وسط الجو الحماسى الذى ساد مجلس النواب عقب إعلان «النحاس» استقالة وزارته، ليصيح: «لقد كان فى مصر وزارة طاغية، وزارة محمد محمود وطلبت إلى صاحب الأمر إيقاف الحياة النيابية، وتعطيل الدستور وحماية حكمها، فأجيب إلى طلبها، واليوم فى البلاد حكومة دستورية تطلب صيانة الدستور، فتوضع فى ضريقها العراقيل، والعقبات، والحشرات التى لا تعيش إلا من دماد الأمة، فماذا تنتظر بعد هذا؟ هل هناك شك فى أنه من الواجب أن يصاب الدستور؟ ألا يعلم الجميع أن هذا المجلس مستعد أن يسحق أكبر رأس فى البلاد فى سبيل صيانة الدستور وحمايته.

هذا التهديد من العقاد للملك «فؤاد» قوبل بتصفيق حاد متواصل من النواب، مما جعل أحمد ماهر رئيس المجلس يدرك خطورة الأمر، فاعترض: ما هذا يا أستاذد عباس؟ أنا لا أسمح بمثل هذا الكلام، لكن العقاد أصر على موقفه وسط تصفيق النواب الوفديين، وفى اليوم التالى، بدأ العقاد حملة عنيفة على الملك وحاشيته، كما بدأ حملة عنيفة ضد حكومة إسماعيل صدقى باشا التى خلفت حكومة النحاس المستقيلة.. وذلك فى مقالات كتبها فى صحيفتى «كوكب الشرق» و«المؤيد الجديد»، وهذه المقالات لم تتضمن عيبًا فى الملك، وإنما تضمنت فوق ذلك تحريضًا على الثورة وقلب نظام الحكم والتخلص من أسرة محمد على كلها، وبلغ فيها قمة ثورتيه فى دفاعه عن الدستور وعن استقلال البلاد.

واصل «العقاد» كتاباته حول هذه الأزمة حتى 29 سبتمبر 1930، ولم تستدعه النيابة للتحقيق معه إلا فى الرابع عشر من أكتوبر، أى قبل أسبوع من حل البرلمان فى 22 أكتوبر وسقوط الحصانة البرلمانية عنه، وفى ذلك دليل على أن السلطات أرادت أن تعطيه الفرصة كاملة ليمضى قدمًا فى طعنه فى الملك، وكتابة ما قد تجد فيه ما يؤكد اتهامه بالعيب فى الذات الملكية، وفى الوقت ذاته بات يتوقع إلقاء القبض عليه، ولو على سبيل الحجز الذى ينتهى بإفراج سريع.

وتحقق ما كان يتوقعه العقاد، حيث استدعته النيابة للتحقيق يوم 14 أكتوبر، وحضر معه عدد من كبار المحامن الوفديين من أمثال محمد نجيب الغرابلى، ومحمد صبرى أبوعلم، ومحمود سليمان غنام، وبعد انتهاء التحقيقات أمرت النيابة باعتقاله بعد أن وجهت إليه اتهام «العيب فى الذات الملكية» استنادًا إلى نص المادتين: 156، 156 مكرر من قانون العقوبات. وتنعنت معه الحكومة، واعتقلته فى سجن مصر بالرغم من انفاق نقابة الصحفيين قبل حلها، مع وزارتی الحقانية والداخلية، على عدم اعتقال الصحفى قبل محاكمته، لأن مبدأ اعتقال المتهم قبل محاكمته المقصود به منعه من تغيير معالم جريمته وليس من المعقول بداهة أن يستطيع الصحفى تغير معالم جريمته، لأنها كلام مسطور ومنشور.

العقاد، أديب ومفكر وصحفى وشاعر مصرى ولد فى أسوان عام 1889 وهو عضو سابق فى مجلس النواب المصرى. من أجمل ما قاله العقاد. لا يكفى أن تكون فى النور لكى نرى، بل ينبغى أن يكون فى النور ما تراه!