عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

«اجعل عينك على مكتب الوزير، وراقب كل ما يحدث فيه، واعلم أنه هو الدعامة التى تستند إليها جميع البلاد، ليست الوزارة حلوة، بل هى مُرة، واعلم أنها ليست إظهار الاحترام الشخصى للأمراء والمستشارين، وليست وسيلة لاتخاذ الناس أيا كانوا عبيدا، انظر، إذا جاءك مستنصف من مصر العليا أو السفلى، فاحرص على أن يجرى القانون مجراه فى كل شيء، وأن يتبع فى كل شيء العرف السائد فى بلده، وأن يعطى كل إنسان حقه، واعلم أن المحاباة بغيضة إلى الإله، فانظر إلى من تعرفه نظرتك إلى من لا تعرفه، وإلى المقربين إلى الملك نظرتك إلى البعيدين عن «بيته»، انظر، إن الأمير الذى يفعل هذا سيبقى هنا فى هذا المكان، وليكن ما يخافه الناس من الأمير أنه يعدل فى حكمه. ارع القواعد المعروضة عليك».

هذا ما ورد فى نص خطاب أحد ملوك مصر القدماء الذى كان يلقيه بمناسبة تعيين الوزراء، كما عثر عليه فى إحدى البرديات، كما عثر فى نقش على أحد القبور أن الوزراء كانوا ينفذون تعليمات الملك بالحرف، حيث كان الوزير يخرج من بيته فى الصباح الباكر «ليستمع إلى مظالم الفقراء ويصغى» -كما هو وارد فى النقش- إلى ما يقول الناس في مطالبهم، لا يميز فيها بين الحقير والعظيم. وكانت الحكومة المصرية قديما من أحسن الحكومات نظاما، وكانت أطول حياة من أى حكومة أخرى فى التاريخ، وكان الوزير على رأس الإدارة كلها، يشغل منصب رئيس الوزراء، وقاضى القضاة، ورئيس بيت المال، وكان الملجأ الأخير للمتقاضين لا يعلو عليه فى هذا إلا الملك نفسه، كما كان الملك هو المحكمة العليا، ترفع كل قضية إليه فى أحوال معينة، إذا لم يعبأ المدعى بما يطلبه رفعها إليه من النفقات، وتمثل بعض النقوش القديمة «البيت الأعظم» الذى يجلس فيه للحكم والذى تجتمع فيه دواوين الحكومة.

من ناحية الحكم، تعد مصر من أولى بلدان الشرق الأدنى القديم التى شهدت ولادة نظام حكم الدولة الواحدة التى يخضع شعبها لقيادة ملك واحد يحكمها من الشمال إلى الجنوب، غير أن هذا النظام لم يأت فجأة، وإنما مر بمراحل تدريجية من التطور حدث معظمها خلال العصر الحجرى الحديث والمعدنى، وعصر ما قبل الأسرات. لم يكن المصريون القدماء يعرفون نظام الديمقراطية، كما هو الحال فى بلاد الرافدين القديمة، فلم يكن لديهم مجلس للشيوخ أو الأعيان ليناقش قضايا الشعب وأمور الدولة، وإنما كان الملك أو الفرعون المصرى هو صاحب السلطة العليا والمطلقة، وإن كان لديه بعض الأعوان، ويظهر أن هذه السلطة نابعة من الإيمان بأن سلطة الحكم إنما هى سلطة إلهية تجمعت فى شخص الملك من بين البشر، ولطالما استخدم حكام مصر، لا سيما أولئك الذين لا ينحدرون من السلالة الملكية هذه الصفة الإلهية عمدًا ومنذ وقت مبكر، من أجل الحفاظ على كرسى العرش أو المحافظة على الوحدة التى حققوها. كان نظام الحكم فى مصر القديمة ملكيا، وقد اختلف نظام تولى العرش عن باقى الحضارات المعاصرة فى تلك الفترة على نحو كبير، حيث اعتمد نظام تولى العرش على ركائز كان من أهمها أن تكون الزوجة الملكية أو الأم الملكية هى الموروثة لعرش الحكم من ملك إلى آخر. وتمتد فترة الأسر فى مصر من حوالى 3150 إلى 2686 قبل الميلاد ويطلق على التاريخ المصرى القديم العصر اليونانى الرومانى فترة الأسرات والذى ينقسم إلى 30 أسرة.

وقد شهدت مصر خلال الحقبة الفرعونية العديد من مراحل النهضة والتقدم التى تركت إرثا هائلا من مظاهر وآثار الحضارة والعمران والعلوم والفنون، وأقام المصريون القدماء دولة قوية وراسخة وكذلك وافرة الثراء تسير على أساس ثابت من النظام وحسن الإدارة.

وقد قام الملك فى مصر القديمة على ثلاث قواعد صنفت الملكية بملامحها الرئيسية وساعدتها على خلق مجتمع أكثر ترابطا بعدما تمكن الملك مينا من توحيد القطرين، وأصبح حاكما للشمال والجنوب، وأصبح من أهم مهمات كل ملك المحافظة على هذه الوحدة، وكان الوزير فى مصر القديمة هو الذى يلى الملك فى السلم الوظيفى حيث كان هو الرئيس الفعلى للحكومة ويعاونه كبار الموظفين ورؤساء الإدارات العامة، وكان يختاره الفرعون، وظهر كمنصب منذ عصر الأسرة الرابعة وغالبا كان يتولاه ابن إحدى الزوجات الثانويات للفرعون، أو من أهل الثقة ممن يتميزون بحسن السيرة والخبرة والأخلاق.