عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ندى

فى خريف عمرها قررت العيش وسط الزبالين فى المقطم بمنطقة عشش صفيح بلا ماء ولا كهرباء، وتلال من القمامة تسكنها الطبقة المعدومة من المصريين، ووصفت إقامتها فيها  بأنها أفضل من إقامتها بقصر الملكة إليزابيث ملكة انجلترا.

ولأن المنطقة مكدسة بالأطفال غير المتعلمين أنشات مدرسة جبل المقطم الخاصة بالأطفال، وحرصت على مواجهة ظاهرة الزواج المبكر للفتيات والقضاء عليها، ووضعت حجر الأساس لعدد من المشروعات والأبنية للمنطقة، منها مركز دار الفتاة وكنيسة العذراء مريم ومستشفى المحبة، كما ساهمت فى بناء عدد من الجوامع، وتركت فى كل ركن بالحى لها ذكرى، فهنا قامت ببناء عمارة ليسكن بها من لا يملك مكانًا لإيوائه، بينما فضلت هى السكن فى منزل ريفى صغير، فهى كانت تخدم مجتمعًا فقيرًا، كما تقول دائما. 

كرست الراهبة البلجيكية الأخت إيمانويل عشرين عاما من مشوار عطائها لخدمة فقراء مصر فى منطقة المقطم، عاشت مع  أهلها وعملت على تحسين ظروفهم، كان الجميع يحبونها حتى أنهم أطلقوا عليها اسم «قديسة القاهرة»، و«رفيقة جامعى القمامة فى القاهرة» كما عرف عنها فى العالم لحبها الشديد لهم واعتبارهم «أهلها» كما كانت تفخر على الدوام.

جاءت إلى مصر بهدف خدمة مصابى الجذام، إلا أن هؤلاء المرضى تم وضعهم داخل منطقة عسكرية، مما كان يستدعى حصولها على تصريح من وزارتى الصحة والخارجية، أى مجموعة من الإجراءات المعقدة التى دفعتها إلى التوجه إلى منطقة الزبالين، فحطت رحالها فى المقطم داخل كوخ وسط أكواخ الزبالين لتبدأ رحلتها فى مصر وتصبح «الأخت إيمانويل رفيقة جامعى القمامة فى القاهرة».

قصتها -والتى ترويها بنفسها- تحاكى الأسطورة، فى العديد من الكتب التى قامت بتأليفها، منها «غنى الفقر» و«أسرار الحياة» و«يلا يا شباب»، و«الآخرون هم الفردوس»... تتحدث عن البراغيث والفئران التى تجرى بين رجليها، والنساء اللاتى يتعرضن من أزواجهن للضرب ضربا مبرحا، والصبيان الذين يتعاطون أردأ أنواع الكحول ويتقاتلون فيما بينهم بالسكاكين... وكذلك محو أمية أطفال هذه المنطقة، وشعور أهاليهم بالفخر، والشباب الذين اصطحبتهم لرؤية النيل لأول مرة فى حياتهم وصيحات الفرح الذين شعروا به مهللين: «البحر! البحر!».

افتتحت الراهبة الشجاعة فى المطرية مجمعا يضم عيادات وحضانات أطفال، ومركز محو أمية، وأنشأت بعدها جمعية «أصدقاء الأخت إيمانويل» التى كانت مهمتها مساعدة آلاف من الأطفال الفقراء. سعت بكل جهدها إلى تحرير المرأة، بدءا من تعليم الفتيات الصغيرات، الأمر الذى مثل مهمة شاقة بالنسبة لها، فى هذا المجتمع الذكورى، الذى يعتقد فيه الرجل أنه وحده يملك جميع الحقوق. 

كانت تحب كل أهالى منطقة الزبالين وكانت تقدرهم وترى فيهم رفاقا حقيقيين؛ لأنهم كما كانت تصفهم «يتعاملون على طبيعتهم، لا يرتدون أقنعة كما نفعل نحن فى بلدنا».

ذكرت صحيفة لاليبر بلجيك الحملة التى قامت بها الأخت إيمانويل عام 1984، متوجهة إلى قراء هذه الصحيفة لجمع تبرعات وصلت إلى 6 ملايين فرانك بلجيكى والمئات من أجزاء لعبة «الليجو» لصالح الأطفال وأهالى منطقة الزبالين فى مصر، الذين يعيشون فى فقر مدقع، وقد شكرتهم قائلة: «يستطيع الآن الأطفال بناء منازل من لعبة «الليجو»، فى الوقت الذى يشيد فيه أهاليهم منازل حقيقية مضيئة، تضحك من الفرحة، مثل قلبى، تحت شمس مصرنا الجميلة».

كانت خطة عملها واضحة، «لا محاولة لدعوة المسلمين لترك دينهم، وإنما محاولة للفهم المتبادل، عن طريق المحبة من خلال كل الأديان»، وقد علقت على باب الكوخ الذى تسكن فيه هلالًا وصليبًا ووضعت جملة «الله محبة». كانت على الدوام تدعو إلى «احترام الآخر»، وتردد قائلة: «على عكس ما قال كاتب الوجودية الفرنسى جون بول سارتر: الآخرون هم الجحيم.. أقول إن الآخرين هم الجنة، بشرط وجود قدر ما من المحبة فى قلوبنا.. ولقد قضيت عشرين عاما فى الجنة بالقرب من الزبالين فى القاهرة».

حفظ الله مصر وأهلها.

[email protected]