رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

«نستطيع التقدم حتى الآستانة بمصاحبة الصدر الأعظم، وعزل السلطان فورا بلا أى مشاكل. لكننا نريد أن نعرف، وفى أسرع وقت ممكن إذا كنتم تريدون تنفيذ هذا المشروع أم لا، فالتسوية الحقيقية لموضوعنا لن تتم إلا فى الآستانة».

كانت هذه رسالة القائد إبراهيم إلى والده محمد على بعد انتصار الجيش المصرى على الجيش العثمانى فى موقعة قونية سنة 1832، وأسر قائد الجيش العثمانى، الصدر الأعظم محمد رشيد. وهى لحظة فارقة فى التاريخ المصرى الحديث، إذ تُعد من أهم الفرص الضائعة لمشروع محمد على التوسعى، حيث كان قادرا فى ذلك الوقت تحديدا على خلع السلطان العثمانى ووراثة دولته المريضة.

لكن تبقى دراسة التاريخ ماتعة عندما تنفتح أسئلتها المحيرة، لتُعلمنا ما قد يعد مهما ومفيدا فى الحاضر والمستقبل، ومنها ذلك السؤال الهام عما دفع محمد على إلى اهدار فرصة امتلاك أكبر دولة قائمة فى العالم فى ذلك الوقت.

يحكى المؤرخ المُهم محمد السوربونى أن الجيش المصرى انطلق من قونية فى مطلع سنة 1833، ووصل كوتاهية، ثم صار على مسافة 50 فرسخا من أبواب الآستانة، لكن إبراهيم باشا تلقى رسالة من والده تأمره بالتوقف فورا لأنه وعد قناصل أوروبا بذلك فى إطار سعيه لاتفاق سلام. 

ما منع محمد على من تحقيق أكبر تتويج لمشروعه بنقل الخلافة من الآستانة إلى القاهرة؟ وما دفعه إلى إهدار هذه الفرصة التاريخية العظيمة؟ هل اكتفى بما تحقق، ورفض طبق الذهب الممدود إليه زهدا أم خوفا؟

يتصور المفكرون الذين تناولوا هذا السؤال، وعلى رأسهم «السوربونى» أن إبراهيم باشا كان أذكى وأصلب وأرجح رأيا من والده فى إتمام مشروع الدولة المصرية الكبرى بحكم احتكاكه الميدانى بساحات القتال، وتعرفه على مواقع الخلل فى جانب الخصم، وإيمانه بقوة رجاله وصلابتهم. كما أن محمد على كان يراهن الرهان الخاطئ، متصورا أن دول أوروبا ستساعده لتثبيت دعائم مملكته الجديدة. وهنا فقد توقف، واستجاب لوساطات قناصل أوروبا، وتقبل دون أى ضغط وقف القتال، رغم قدرته على اجتياح عاصمة الخلافة وشطبها وتغيير التاريخ تغييرا جذريا. 

ويبدو أن إبراهيم باشا كان موجوعا بذلك لدرجة أنه عاتب والده مرارا وتكرارا، وأكد له فى رسائل أخرى أن السلطان العثمانى محمود، لن يغفر له ما حدث وسيبقى يتآمر للإيقاع به والانتقام منه عند كل شاردة. وأثبتت الأيام صدق تحليل الابن، إذ استؤنفت الحرب بعد بضع سنوات، ودبرت الثورات والقلاقل ضد الوجود المصرى فى الشام، وانتصرت مصر مرة أخرى، وكان الأخطر قيام أحمد باشا قائد الأسطول العثمانى بالإبحار سرا إلى الاسكندرية وتسليم محمد على كامل قطع الأسطول، لكن هذه الخطوة أثارت قلق بريطانيا التى تحولت إلى خصم مباشر لمحمد على وضربت سفنها القوات المصرية فى الشام، واضطر الباشا إلى قبول إتفاقية لندن1840 لتثبيته فى الحكم هو وأسرته مقابل الانسحاب من سوريا، وتسليم الأسطول اللاجئ إليه.

وتبقى الفرص الضائعة فى تاريخنا الحديث محل بحث وتفكر وتدبر، وأهم درس نستخلصه مما جرى هو أن الرهان على الدول الأجنبية هو بداية كسر أى مشروع وطنى. والله أعلم.

[email protected]