رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لأننا نحمل داخلنا من صرخة الميلاد الأولى كل عوامل الفناء، فإن العمر يسير بنا معتقدين أن الموكب يتجه للقمة، ولكنه فى حقيقته يتجه للنهاية.. قمة العمر ليست المكان الذى نحصل به على جائزة، ولكنها اللحظة التى نتلاشى فيها من الوجود. هذ الخواطر وما يشبهها ألحت علىّ وأنا أقرأ كتاب «رحلة فى فكر زكى نجيب محمود» والكتاب عبارة عن عرض لرسالة الدكتوراه لمفكرنا العظيم وعنوانها «الجبر الذاتى» والرسالة كتبت بالإنجليزية وترجمها المفكر الدكتور إمام عبدالفتاح.. رسالة الدكتوراه نالها ونال عنها الجائزة الدكتور زكى نجيب محمود من جامعة لندن، فى عنفوان شبابه فى أربعينيات القرن الماضى.

يتساءل الدكتور زكى نجيب محمود فى مقدمة بحثه للدكتوراه: كيف نوفق بين وجود إله قادر على كل شيء، عالم بكل شيء، من ناحية، وبين حرية الإنسان المسئول أخلاقياً من ناحية أخرى؟.. ثم يتساءل بعد تسليم العلم بنظرية التطور: هل الحياة حصيلة لعدة عوامل من الممكن حسابها رياضياً، والتنبؤ بها بدقة، أم أنها حدث جديد فى مجرى التطور؟.

تطور فكر الدكتور زكى نجيب محمود من مراحل عنفوان الشباب الأولى، إلى حالة من النضج استقرت معها الأفكار والرؤى على شواطئ فلسفية أكثر عمقاً. تصورت وأنا أقرأ وأحاول التعمق فى فهم أفكار الدكتور زكى نجيب محمود الذى غادر حياتنا يوم 8 سبتمبر 1993، أن هذا المفكر العظيم لو امتد به العمر إلى يومنا هذا - هل كان الرجل ستعصف به أفكار ورؤى جديدة حول مسألة الجبر والاختيار التى تمحورت حولها رسالته للدكتوراه؟.. اليوم نحن أمام إنسانية مختلفة يكاد يسلم معها الإنسان مفاتيح حريته لعقول اصطناعية أوجدها بنفسه لتنوب عنه فى صناعة حياته، ولكن الساحر سريعاً بدأ يخشى من انقلاب السحر عليه، ويصاب بالرعب من احتمالية أن ينقلب عليه مخلوقه وصناعة يديه، ويدمر حياته فى لحظة رقمية نادرة الخطورة.

ما الذى يدفع الإنسان المعاصر بعد كل ما تحقق على يديه من تطور مذهل إلى هذا المصير الذى يندفع معه إلى صناعة عقل بديل له - عقل لا ينتظر أمراً ليفكر ويقرر، ولكنه يستطيع أن يتخطى صانعه ويملك كل مفاتيح الدمار. ألهذا الحد يمكن وصف الإنسان بأنه مجبر وليس مخيراً فيما يفعل؟ وهل مسألة الجبر هذه ميتافيزيقية أم ذاتية تأتى منه هو - أى هو الذى يختار، وهو الذى يجبر نفسه على الاختيار وليس أى قوى من خارجه.. هنا يقول الدكتور زكى نجيب محمود فى رسالته للدكتوراه قبل أكثر من سبعين عاماً: إن الإنسان مجبر ذاتياً - أى مجبر عن طريق نفسه، غير أن القول بأنى مجبر ذاتياً أو مجبر عن طريق نفسى لن تكون له قيمة كبيرة ما لم تكن لدينا فكرة واضحة - كبرت أو صغرت - عن حقيقة هذه النفس. ويصل الدكتور زكى نجيب محمود إلى قناعة تقول بأن كلمات «النفس» أو «الذات» أو «العقل» أو «الخبرة» كلها تؤدى لمعنى واحد.

العالم الذى لم يعشه الدكتور زكى نجيب محمود تجاوز إشكالية «الجبر والاختيار» إلى جدلية جديدة، هذه المرة ليست بين الإنسان وخالقه، ولكنها بين الإنسان وما صنع لنفسه وبنفسه.. هل يصبح الذكاء الاصطناعى، وعالم الخوارزميات والأتمتة المخزون النووى الجديد الذى يهدد بتدمير شامل لمنجزات الحضارة الإنسانية، وبدون تدخل من الإنسان؟ هل يصبح القتل «أونلاين» تسونامى جديداً يضرب فى أركان العالم ويفجر قلبه دون حسابات مسبقة؟.

هى ليست نظرة متشائمة للمستقبل، ولكنها تساؤلات مشروعة، خاصة عندما نلمس حالة الفزع التى عليها أكثر الدول تقدماً وأقواها مثل الولايات المتحدة، التى اجتمع فى بيتها الأبيض كل عناصر القوة الأمريكية - الرئيس ونائبته ومسئولو الدفاع والمخابرات لتحديد رؤية مستقبلية تتجنب معها أمريكا مخاطر الذكاء الاصطناعى المفلوت. هل نحن فى عوالمنا الشرق أوسطية والإفريقية والآسيوية على تماس بما يحدث خلف المحيطات الكبرى، أم أننا ما زلنا نسلم بفكرة الجبر القديمة التى تنفى فكرة الحرية والإرادة تماماً؟!