عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بعد تداعيات الأزمة العالمية على الاقتصاد المصرى

الأسعار نار.. والدعم وحده لا يكفى

ارتفاع أسعار الوقود
ارتفاع أسعار الوقود وجع متجدد ينهش جيوب المصريين

تتعرض مصر لأزمة اقتصادية طاحنة فرضتها عليها الظروف الجيوسياسية التى حدثت فى العالم، والتى لا علاقة لنا بها من قريب أو بعيد، لكنها أثرت علينا بشكل مباشر وغير مباشر، أبرزها جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.

كان الاقتصاد المصرى يسير بخطى متسارعة بعد تطبيقه برنامج الإصلاح الاقتصادى عام 2016، إلى أن جاءت جائحة كورونا فى 2020 وقلبت الأمور رأسا على عقب فى العالم كله وليس فى مصر فقط، وتوقفت سلاسل الإمداد العالمية، ما أدى إلى تأثر وصول مستلزمات الإنتاج للمصانع ونقص المعروض وارتفاع أسعار السلع المختلفة.

كما اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية فى فبراير 2022، وصاحبها ارتفاع صاروخى فى أسعار السلع الغذائية خاصة أن روسيا وأوكرانيا من أهم الدول المنتجة للحبوب عالميا، وكانت مصر تعتمد عليهما فى واردات القمح والذرة وغيرهما من السلع الأساسية، ومع ارتفاع أسعار هذه السلع نتيجة الحرب، زادت الأسعار محليا بشكل كبير وغير مسبوق، ومازال هذا الارتفاع مستمرا حتى الآن.

أدى ذلك إلى تأثر منظومة الدعم، خصوصا السلع التموينية، وارتفعت الأسعار داخل المنظومة أكثر من مرة، مع ثبات قيمة الدعم المخصص للفرد على البطاقات، ما يعنى انخفاض الدعم الحقيقى للمواطن، لأن ارتفاع الأسعار لا تقابله زيادة فى القيمة، وبالتالى المبلغ المخصص للدعم أصبح لا يكفى لشراء نفس الكميات التى كان يحصل عليها المواطن فى الماضى. 

وبجانب الدعم التموينى، هناك دعم المواد البترولية الذى انخفض بشدة خلال السنوات الماضية، وأصبحت أسعار الطاقة والوقود تقارب الأسعار العالمية إلى حد كبير، ووصل سعر لتر البنزين حاليا إلى ما بين 8.75 جنيه و11.50 جنيه، مقارنة بـ1.60 جنيه و2.6 جنيه فى 2016. 

وفيما يتعلق ببرامج الحماية الاجتماعية الأخرى كمعاشات التضامن الاجتماعى أو برامج «تكافل وكرامة» أو التأمين الصحى والإسكان الاجتماعى وغيرها، فإن التضخم يلتهم أى زيادة فى مخصصاتها. 

فى هذا الملف نتحدث عن قضية الدعم ما بين الإصلاح الاقتصادى والحماية الاجتماعية، وكيف تأثر دعم التموين والطاقة بارتفاع الأسعار، والطريقة الأمثل لتوجيه هذا الدعم فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى تعانى منها البلاد. 

 

إعادة هيكلة بطاقات التموين.. طوق نجاة للفقراء

فى كل مرة ترتفع فيها أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الجنيه المصرى، تعلن وزارة التموين عن زيادة فى أسعار السلع التموينية المقدمة للمواطنين على البطاقات شهريا، حتى أصبح هذا الدعم لا يكفى لسد احتياجات مستحقيه، فيضطرون إلى اللجوء للسوق الحر لشراء باقى احتياجاتهم بأسعار مرتفعة للغاية.

هذا الأمر أثار تساؤلات عديدة حول جدوى وأهمية الدعم التموينى المقدم من الحكومة للمواطنين بشكل فعلى، خاصة وأن نظام صرف السلع أصبح يتغير كثيرا بعدما كان ثابتا وله معايير محددة، ما يؤدى فى النهاية إلى تقليص الدعم الذى يصل إلى المواطن.

بطاقات التموين

ويطالب الأمر الكثيرون يطالبون بالعودة إلى نظام الصرف القديم، من خلال تحديد كميات معروفة لكل فرد على البطاقات التموينية، ويدفع المواطن قيمة هذه السلع بدلا من الذهاب إلى بقالى التموين ويشترى منهم أى سلع بقيمة 50 جنيها للفرد، وهو ما يعنى فعليا تخفيض الدعم وليس زيادته، لأن أسعار السلع تزيد بين الحين والآخر، مع ثبات هذا المبلغ.

وتبلغ أعداد المستفيدين من دعم السلع التموينية نحو 62.2 مليون فرد، بواقع 50 جنيها شهريا للمواطن، لعدد أربعة أفراد مقيدين على البطاقة، وما زاد على ذلك 25 جنيها للفرد شهريا.

وبنظرة بسيطة على دعم السلع التموينية بما فيها دعم الخبز خلال السنوات الماضية نجد أن قيمة هذا الدعم تتزايد عاما بعد الآخر، ولكنها زيادة على الورق فقط، بينما على أرض الواقع فإن حجم الدعم وكميته تنخفض، فقد كان دعم السلع التموينية فى العام المالى 2013/2014 نحو 36.1 مليار جنيه، و2014/2015 نحو 40.7 مليار جنيه، و2015-2016 نحو 44.5 مليار جنيه، وفى 2016-2017 نحو 47.6 مليار جنيه.

كما ارتفع فى 2017/2018 إلى نحو 81.2 مليار جنيه، و2018/2019 نحو 87.6 مليار جنيه، و2019/2020 نحو 80.5 مليار جنيه، و2020/2021 نحو 85.1 مليار جنيه، و2021/2022 نحو 87.9 مليار جنيه، و2022/2023 نحو 90 مليار جنيه.

ومن المقرر أن يرتفع الدعم فى الموازنة الجديدة 2023/2024 إلى نحو 127 ملياراً و700 مليون جنيه، منها 36 ملياراً و162 مليون جنيه لدعم السلع التموينية.

الدكتور على الإدريسى

فى هذا السياق، قال ، الخبير الاقتصادى وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، أن الهدف الحقيقى لتخصيص الدولة مبالغ لدعم السلع التموينية هو توفير الحد الأدنى من المعيشة للأسر محدودى الدخل والفقراء.

وأضاف «الإدريسى» أن هذا الحد الأدنى يتمثل فى توفير السلع الأساسية مثل الزيت والسكر والأرز وليس السلع الترفيهية، مشيرا إلى أن زيادة المخصصات المالية للسلع التموينية أو انخفاضها ليس القضية وإنما القضية الأساسية هل الدولة توفر السلع الأساسية لمحدودى الدخل والفقراء أم لا.

وأوضح الخبير الاقتصادى أنه إذا قلت كميات هذه السلع نكون قد خفضنا الدعم لهذه الأسر والعكس صحيح، لأن المواطن الذى يتوجه إلى بقال التموين يشترى سلعا ولا يحصل على أموال، ولذلك ما يهمه فى المقام الأول والأخير هو العودة بسلع يضعها فى منزله وليس قيمة أموال الدعم، قائلا: «المواطن مش فارق معاه فلوس الدعم زادت ولا قلت المهم عنده أنه كان بياخد 2 كيلو من سلعة معينة فلما يروح الشهر اللى بعده ياخد نفس الكمية وملوش دعوة الفلوس زادت ولا قلت».

وأشار إلى أن الحكومة ترفع مخصصات السلع التموينية فى الموازنة كل عام ولكن على أرض الواقع كميات السلع التى يحصل عليها المواطن تنخفض، ولذلك المواطن محدود الدخل لن يستطيع شراء باقى احتياجاته من السلع من السوق الحر، لأن الفارق بين سعر السلعة فى التموين والسوق كبير، وبالتالى فهذه الزيادة فى المخصصات لا تفيد الموطن فى شىء.

وأوضح «الإدريسى» أن فاعلية برامج الحماية الاجتماعية والدعم التموينى على وجه الخصوص لابد أن يتم توضيح أثره ونتيجته على السوق، لكن تعديل الميزانيات والمخصصات دون النظر إلى جدوى هذه المخصصات وعائدها على المواطن يعتبر إشكالية كبيرة، وبالتالى لابد أن يتم إعادة النظر مرة أخرى فى أوجه الإنفاق الذى يتم فى دعم السلع التموينية، لأن هناك سلاسل وحلقات متعددة من المستفيدين بين وزارة التموين والبقالين حتى تصل السلعة إليهم تتنوع ما بين قطاع عام وقطاع خاص وكل حلقة منهم تريد تحقيق أقصى ربح ممكن، وفى النهاية المستفيد الحقيقى من الدعم وهو المواطن لا يستفيد به، لأن السلعة ترتفع أسعارها بسبب هؤلاء المستفيدين.

بطاقات التموين

وأشار إلى أنه بدلا من توفير 25 سلعة على البطاقات التموينية فإنه يجب إعادة النظر فى هذا الأمر وتوفير السلع الأساسية فقط مثلما كان يحدث فى الماضى وهى السكر والأرز والزيت والمكرونة، بحيث يتم التركيز عليها وتكون أسعارها فى المتناول بدلا من تشتيت الدعم فى 25 سلعة، لأن الدولة ليست محل بقالة وإنما دور وزارة التموين هو توجيه الدعم للمستحقين وتحديد كميات معينة لكل فرد شهريا، بحيث يعلم الفرد كمية الدعم الموجه له بدلا من التشتت الموجود حاليا فى المنظومة التموينية، قائلا: «المواطن يعرف أن له كيلو سكر وكيلو رز وزجاجة زيت كل شهر أحسن من إننا نقوله ليك 50 جنيه دعم خد بيها اللى انت عاوزه».

وأكد الخبير الاقتصادى أنه فى ظل الارتفاع الشديد فى الأسعار حاليا يجب على وزارة التموين أن توجه الدعم إلى سلع محددة وتحدد الكمية الخاصة بكل فرد لا يقل عنها أو يزيد من السلع الأساسية فقط، بحيث إنها تستطيع تحديد سعر السلعة بشكل دقيق وتراقب توفير هذه السلع بسهولة، بدلا من تشتيت جهودها فى 25 سلعة لا يستفيد منها المواطن إلا بـ4 أو 5 سلع فقط.

كما أنه لابد من المراجعة المستمرة للمستفيدين من الدعم التموينى لأن هناك عدداً كبيراً يصرف الدعم ولا يستحقه وهناك أعداد كبيرة تستحق الدعم ولا تصرفه، مع ضرورة مراجعة الحلقات المستفيدة من الدعم التموينى واقتصارها على التعامل المباشر بين الوزارة والبقالين.

سياسة الدعم فى مصر.. قصة عمرها 100 عام

 

يمتد تاريخ الدعم فى مصر إلى أكثر من مائة عام وإن كانت البدايات استمرت بشكل غير رسمى حتى السنوات الأخيرة من العهد الملكى.

بدأت قصة تقديم الحكومة الدعم لمواطنيها بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى فى عام 1914، شأنها فى ذلك شأن دول عديدة فى العالم تضررت تضررت كثيرا من تبعات وآثار الحرب، حيث قامت الحكومة المصرية نتيجة ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية بمحاولة تخفيف الأعباء عن المواطنين، وتوفير الدقيق والسكر والزيت والشاى وعدد من المنتجات الأخرى الأساسية بأسعار مخفضة تناسب دخولهم مع تحملها فارق التكلفة الحقيقى، وقامت ببيعها بأقل من سعر تكلفتها للمواطنين فى منافذ تابعة للدولة فى مناطق مختلفة وهو ما أطلق عليه مصطلح الدعم.

سياسة الدعم 

وفى عام 1941 وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية بعامين خصصت الحكومة وقتها 2000 جنيه أى نحو 108 دولارات لحل أزمة ارتفاع الأسعار أيضاً.. وكانت هذه المرة أولى حلقات الدعم فى مصر لكن بشكل غير مباشر.

ووفقا لدراسة أعدها المركز المصرى للدراسات السياسية والاقتصادية، فإن الدعم فى مصر دخل فى منحنى جديد بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، التى نشبت بين دول الحلفاء فى مواجهة دول المحور فى سبتمبر 1939 وحتى سبتمبر 1945، والتى تسببت فى إيقاف تبادل السلع بين دول العالم، وهو ما دفع الدولة إلى التدخل بشراء بعض السلع الأساسية على نفقتها وضخها فى الأسواق مجانا لتعبر تلك الأزمة لتلافى الآثار السلبية الناجمة عن الحرب، وبعدها دشنت وزارة للشئون الاجتماعية تحولت تدريجيا لتصبح وزارة التموين والتجارة الداخلية فيما بعد.

وخلال عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، توسعت الدولة فى تقديم الدعم ليشمل الصحة والتعليم ولا يقتصر على السلع فقط، حيث كان فى صدارة أشكال الدعم إصدار قانون الإصلاح الزراعى وتوفير الأراضى الزراعية للفلاحين، مع توفير خدمات اجتماعية تتضمن الصحة والتعليم والإسكان، وإصدار البطاقات التموينية للمرة الأولى لعدد محدود من السلع بهدف توفير السلع الأساسية للمواطنين كإجراء لمواجهة النقص فيها.

وفى عام 1970 زادت فاتورة الدعم لتتجاوز 20 مليون جنيه أى نحو مليون دولار، بعد بعد التوسع فى قائمة السلع المدعومة، والتى وصلت إلى 18 سلعة أساسية بعد ضم الفول والعدس والدجاج واللحوم والأسماك المجمدة، وللمرة الأولى دعمت الحكومة المصرية الكهرباء وخدمات النقل الداخلى والبنزين، علاوة على أن الدعم خلال حقبة السبعينيات شمل جميع المصريين دون تحديد فئة بعينها من المستحقين.

وعقب انتهاء حرب أكتوبر 1973 تأثرت الموازنة العامة للدولة بشكل كبير وزادت الأعباء المالية، فاتجهت الدولة لتقليص الدعم حين قرر الرئيس محمد أنور السادات بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولى على تنفيذ حزمة إصلاحات اقتصادية، بدأت عام 1976 لتخفيف التداعيات السلبية لحرب 1973.

ومع إعلان الحكومة قرارات رفع الدعم فى يناير 1977، انتفض الشارع المصرى وخرجت التظاهرات تملأ الشوارع فيما عرف وقتها بانتفاضة يناير 1977 أو انتفاضة الخبز، بعدما رفعت الدولة يدها عن دعم الدقيق والسكر والشاى والأرز، ما أدى إلى تراجع الحكومة عن قرارات رفع الدعم.

وخلال عهد الرئيس حسنى مبارك، تم تجميد ملف إعادة هيكلة الدعم، وارتفعت موازنة الدعم إلى أكثر من مليار جنيه لأول مرة فى بداية الثمانينات، واستمر الدعم طيلة حكم مبارك، مع تخفيض عدد المستفيدين من البطاقات التموينية من 99% من السكان إلى نحو 70%، بينما استمر دعم الحكومة لرغيف الخبز، الذى ظل سعره ثابتا عند 5 قروش منذ 1989 حتى اليوم.

إلا أن زيادة الأعباء على الموازنة العامة أدت إلى اتفاق الحكومة فى مطلع التسعينيات مع صندوق النقد على تنفيذ برنامج أطلقت عليه «إصلاح نظام دعم السلع الغذائية»، خفضت من خلاله عدد السلع المدعومة تدريجيا حتى وصلت إلى 4 سلع فقط فى 1997 هى الخبز والدقيق والسكر والزيت، ورفعت الدعم عن الأسماك والدجاج واللحوم والشاى والأرز اعتبارا من عام 1992، إضافة إلى تقليص عدد الأشخاص الذين يحملون بطاقات تموينية من مستحقى الدعم.

وبلغت مخصصات الدعم الإجمالية للسلع والخدمات فى موازنة 2005- 2006 نحو 67 مليار جنيه، واستمرت فى الزيادة حتى وصلت إلى 115 مليار جنيه فى موازنة 2010 / 2011.

وعقب ثورتى يناير 2011 ويونيو 2013 ارتفع الدعم إلى 204 مليارات جنيه فى موازنة 2014 / 2015، لكن مع بداية الدولة برنامجها للإصلاح الاقتصادى فى عام 2016 بدأت فى اتخاذ عدد من الإجراءات لإعادة هيكلة منظومة الدعم، أهمها تخفيض عدد المستفيدين وتنقية البطاقات التموينية ليقتصر الدعم التموينى والخبز على محدودى الدخل والفقراء، مع إزالة الدعم عن الوقود والكهرباء ليتم بيعها بأسعارها الفعلية أو أسعار تقترب من أسعارها الفعلية.

التسعير التلقائى للمنتجات البترولية.. وجع يتجدد كل 3 شهور

 

تخفيض دعم المواد البترولية كان أحد أهم عناصر برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى بدأته مصر فى عام 2016، ونتيجة لهذا البرنامج ارتفعت أسعار الطاقة بمختلف أنواعها على مدار السنوات الماضية حتى وصلت إلى الأسعار العالمية تقريبا.

وبعد أن كان بند دعم المواد البترولية يلتهم معظم موازنة وزارة البترول، أصبح الآن لا يمثل الكثير بالنسبة لها وانخفض من 120.8 مليار جنيه فى عام 2017-2018، إلى 18 مليار جنيه فى 2021-2022.

التسعير التلقائى للمنتجات البترولية

ومن أجل تحديد أسعار البترول والسيطرة عليها، تم لأول مرة اعتماد تطبيق آلية التسعير التلقائى للمنتجات البترولية وانطلاق عمل لجنة تسعير المنتجات البترولية فى عام 2019، حيث يتم التسعير وفقا لعدة عناصر منها أسعار خام برنت طبقا للبورصات العالمية وسعر الصرف والتكلفة عن عمليات التصنيع ومصاريف النقل والتداول والتوزيع والرسوم الإدارية والعمولات والضريبة.

كما يتم دراسة الموقف كل 3 أشهر لتقييم الموقف على ألا تزيد الأسعار على 10% صعودا أو هبوطا عن السعر السائد، ما يحمى المستهلك فى حالة صعود خام برنت لأكثر من المعدلات المتداولة.

ويمثل دعم المواد البترولية قيمة ما تتحمله الدولة نتيجة بيع بعض المنتجات بأسعار تقل عن تكلفة توافرها للسوق المحلى سواء عن طريق الإنتاج المحلى أو استيراد بعضها من الخارج مثل أنبوبة البوتاجاز والمازوت للمخابز.

ويتم احتساب هذا الدعم فى الموازنة على أساس متوسط سعر للبرميل، ويؤدى كل تغير فى سعر البترول بالزيادة بمقدار دولار واحد للبرميل إلى تغير فى حجم الدعم المخصص لذلك البند بالموازنة بحوالى 3 إلى 4 مليارات جنيه.

وبنظرة سريعة إلى قيمة دعم المواد البترولية خلال السنوات الماضية نجد أنها كانت فى 2017/2018 نحو 120.8 مليار جنيه، و89 ملياراً فى 2018/2019، و52.9 مليار فى 2019/2020، ثم انخفضت إلى 28.1 مليار جنيه فى 2020/2021، و18.4 مليار فى 2021/2022، و58 ملياراً فى 2022/2023.

وقدر مشروع الموازنة العامة للسنة المالية الجديدة 2023/2024 دعم المواد البترولية بنحو 119 ملياراً و419 مليون جنيه، بعد ارتفاع أسعار النفط، وفقا لوزارة المالية.

الدكتورة عالية المهدى

فى هذا السياق، قالت الدكتورة عالية المهدى، عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة سابقا، إن الحكومة المصرية لا تدعم الوقود لأن الأسعار الموجودة حاليا أعلى من السعر العالمى، وبالتالى هى لا تدعم المستهلك سواء كان صناعة أو زراعة أو أفرادا أو قطاعاً عائلياً.

وأضافت «المهدى» أن ما يعلن عن زيادة مخصصات دعم المواد البترولية فى الموازنة العامة أمر يخص الحكومة، ونحن لسنا مضطرين إلى تصديق تصريحات المسئولين الحكوميين فى كل شىء، لأن الواقع يقول إن أسعار البترول فى تراجع ولم نر طوال الفترات الماضية التى انخفض فيها السعر العالمى أى انعكاس لذلك على مصر وتخفيض الأسعار فيها.

وأضافت أن العشر سنوات الماضية لم تشهد أى انخفاض لأسعار الطاقة فى مصر، رغم أن الأسعار العالمية كانت ترتفع أحياناً وتنخفض بشدة أحياناً أخرى، مثلما حدث خلال جائحة كورونا ووصل برميل النفط إلى 20 دولارا، ورغم ذلك لم نر انخفاضا فى الأسعار محليا.

وأوضحت عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، أن عدم تخفيض أسعار الطاقة فى مصر سببه الرئيسى هو احتياج الحكومة للأموال وهى تجد فى الطاقة بندا تستطيع من خلاله جمع أكبر قدر من المال لسد احتياجاتها المالية، ولذلك حتى نشعر بوجود دعم حقيقى للمواد البترولية فى مصر يجب على الحكومة أن تخفض الأسعار.

وأضافت: «الحكومة تضع سعر البرميل فى الموازنة عند 90 دولار وهو فى الواقع انخفض إلى ما دون 80 دولار، ورغم ذلك ما زالت الأسعار فى مصر ترتفع ولا تنخفض، ولذلك فهى تحمل المواطن ما لا طاقة له به، ولذلك لا يجب أن تخرج علينا الحكومة وتعلن أنها تدعم المواد البترولية».

وأشارت «المهدى» إلى أن تأثير ارتفاع أسعار المواد البترولية لا يقتصر على المواطن فقط وإنما على الاقتصاد بشكل عام، لأنه يقلل من تنافسية المنتجات المصرية وقدرتها على التصدير للأسواق الخارجية، لأن المصانع تشترى الطاقة بأسعار مرتفعة مقارنة بكل الدول المجاورة لمصر، ولذلك أسعار السلع الزراعية والصناعية المنتجة فى مصر ستكون أعلى من مثيلاتها فى الدول الأخرى، وبالتالى لن تستطيع المنافسة فى السوق العالمى.

وطالبت عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، الحكومة بضرورة إعادة التفكير فى مسألة تسعير الطاقة وبيعها للمصانع بأسعار أقل من السعر العالمى وليس بالسعر العالمى، لأن السعر العالمى يدخل فى نطاقه تكاليف الشحن والنولون والتأمينات وغيره، فى حين أننا ننتج محليا كميات كبيرة ونتحمل فقط تكاليف التكرير، ولذلك يجب بيع الطاقة بأسعار أقل من السعر العالمى، مع مراجعة هيكل تكاليف وتسعير الطاقة فى مصر لكل القطاعات حتى نرفع العبء على الصناعة والزراعة والأفراد وكل القطاعات المنتجة. 

برامج الحماية الاجتماعية.. فريسة للتضخم

 

تعتبر برامج الحماية الاجتماعية المختلفة التى تنفذها الحكومة خلال السنوات الماضية، أحد أهم الركائز التى تحمى الفئات محدودة الدخل من ارتفاع الأسعار، وقد أطلقت الدولة عدة برامج جديدة فى هذا الشأن أهمها مبادرة «تكافل وكرامة».

لكن ارتفاع الأسعار المستمر الذى لا يتوقف، يلتهم أى زيادة تعلن عنها الحكومة فى مخصصات هذه البرامج، سواء كانت فى معاشات التضامن الاجتماعى أو برامج تكافل وكرامة أو التأمين الصحى والإسكان الاجتماعى وغيرها، لأن نسبة الزيادة أقل بكثير من نسبة التضخم وارتفاع الأسعار، وبالتالى لا تكون لها قيمة حقيقية على أرض الواقع.

برامج الحماية الاجتماعية

ومؤخرا، وجّه الرئيس عبدالفتاح السيسى برفع موازنة الدعم والحماية الاجتماعية فى الموازنة الجديدة 2023/2024 من 358.4 مليار جنيه إلى 529.7 مليار جنيه بنسبة زيادة 48.8%، منها 257 مليار جنيه لبرامج الحماية الاجتماعية، موزعة على 6 مليارات جنيه للتأمين الصحى والأدوية، و10.2 مليار جنيه لدعم الإسكان الاجتماعى، و31 مليار جنيه لمعاش الضمان الاجتماعى، و202 مليار جنيه مساهمات صناديق المعاشات، لضمان توفير السيولة المالية اللازمة لخدمة أصحاب المعاشات والمستحقين عنهم والمؤمن عليهم والوفاء بكامل الالتزامات تجاههم، إضافة إلى تحمل الخزانة العامة للدولة 8 مليارات جنيه لعلاج المواطنين على نفقة الدولة.

 

ووفقا لوزارة التضامن الاجتماعى، بلغ عدد المستفيدين من برنامج تكافل وكرامة فى 2020 نحو 3.3 مليون أسرة، وخلال عامين تم ضم نحو مليونى أسرة، ليبلغ عدد المستفيدين حاليا أكثر من 20 مليون مواطن، 68% من المستفيدين ضمن برنامج تكافل للأسر الفقيرة التى لديها أطفال فى سن التعليم ولا تقدر على العمل، و32% من برنامج كرامة للأطفال الأيتام وكبار السن وذوى الإعاقة.

كما تقرر زيادة معاشات برامج تكافل وكرامة بنسبة 25% شهريا بداية من أبريل الماضى لتتراوح قيمة الدعم حاليا ما بين 437 جنيها و625 جنيها، مقارنة بـ350 جنيها و500 جنيها قبل الزيادة.

المستشار الاقتصادى أحمد خزيم

من جانبه قال المستشار الاقتصادى أحمد خزيم، إن الإصلاح الاقتصادى يتطلب قيام الدولة بإعادة هيكلة قطاعات الإنتاج لديها وهى الزراعة والصناعة والخدمات لتوليد موارد دولارية ورفع الناتج القومى، موضحا أنه طالما هناك عجز يتزايد سنة بعد سنة ويتم علاج هذا العجز بطبع النقود فهذا يؤدى إلى ارتفاع نسب التضخم وانهيار قيمة العملة.

وأضاف «خزيم» أن الفارق فى زيادة الأسعار هو الفارق بين التنمية والتضخم، مشيرا إلى أن التضخم المعلن 34% بينما الحقيقى يزيد على 100% مدللا على ذلك بمقارنة سعر أى سلعة بما كانت عليه العام الماضى، وأن الدولار كان بـ16 جنيها العام الماضى وحاليا 31 جنيها، وبالتالى فإن زيادة المخصصات المالية لبرامج الحماية الاجتماعية مهما كانت لن تساوى الزيادة فى نسبة التضخم أو تساعد المواطن فى مواجهة الأسعار، ولن تؤدى الغرض منها بحماية الطبقات محدودة الدخل.

وأوضح المستشار الاقتصادى أن الأولى للحكومة هو معالجة هذا الخلل من خلال القطاعات التى يتميز بها الاقتصاد المصرى، حيث يمكننا القول إننا البلد الوحيد الذى يتميز بهذا التنوع الاقتصادى فى المنطقة، فنحن نتميز بالزراعة والصناعة والسياحة والنقل البحرى والقطاع الخدمى، بينما الدول الأخرى تتميز بقطاع أو اثنين على الأكثر.

وأضاف: «طالما أن الدولة تبحث دائما عن جانب الإنفاق دون البحث عن حسن استغلال موارد الدولة لزيادة الإيرادات، فإن هذا الخلل سيظل مستمرا بالإضافة إلى توسع الحكومة فى الاقتراض وتجاوزها للحد المسموح به دوليا بأن الدولة لا يجب أن تستدين بنسبة أكبر من 60% من الناتج القومى، ونحن فى مصر تجاوزنا هذا الحد، وبالتالى كل هذه الأمور تجعلنا ندخل فيما نطلق عليه الدائرة الجهنمية بأننا نستمر فى الاقتراض لسد العجز والديون السابقة».

وأشار إلى أن أى حديث عن إجراءات الحكومة بزيادة مخصصات برامج الحماية الاجتماعية للتخفيف عن المواطنين يعد كلاما غير صحيح على أرض الواقع، لأن معظم هذه البرامج لا تحقق الهدف المنشود منها بالحفاظ على الطبقة المعدومة، بسبب أن الفارق بين الطبقات يتسع يوما بعد الآخر، والطبقة الوسطى تنهار حاليا مع زيادة أعداد الطبقة المعدومة.

وأكد «خزيم» أن أى زيادة تعلنها الحكومة فى برامج الحماية الاجتماعية لا تسد الرمق ولا تعالج الفرق فى انهيار قيمة العملة المحلية ولا تفيد فى شئ، قائلا «حاجة كده شبه البنج الموضعى أثره بيروح بعد وقت بسيط جدا لأن الأسعار بتزيد كل يوم».

وأضاف: نحن نحتاج إلى رؤية شاملة واستراتيجية تعالج هذا الخلل من خلال الاعتماد على زيادة الإنتاج من القطاعات الاقتصادية المختلفة لتخفيض الأسعار وعودة الاستقرار مرة أخرى مع زيادة التصدير وجذب العملة الصعبة والاستثمارات الأجنبية.