رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ندى

كثيرة هى القصص التى ترصد علاقة العشق بين مصر وأشخاص ليسوا منها بل قدموا إليها، وسرعان ما انسجموا مع الشعب المصرى وذابوا عشقا فى طيبته، وكرم ضيافته، ونبل أخلاقه، فكان التعامل سهلا ومريحا، واختار معظمهم البقاء فيها، واعتبروها وطنا ثانيا، وآثروا أن يدفنوا فى ثراها على العودة الى وطنهم.

لم تنقص ديانته اليهودية من حبه للمحروسة أو كرهه لإسرائيل شيئا، أحد أهم المناضلين الشيوعيين الذين حاربوا من أجل تحرر مصر من الاستعمار، رفض اتفاقية كامب ديفيد وأيد ثورة 30 يونيو وتضرر من ثورة 25 يناير.

وطنى بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، عاشقٌ لتراب هذا البلد، رفض أن يغادره فى أى وقت، ووقف بجانبه، محتفظا بديانته اليهودية، حسم العداء بين مصر وإسرائيل، لصالح الوطن الذى ولد وتربى فيه وشرب من نيله، وسرى هواؤه فى رئتيه.

ألبير أريه أقدم يهودى بالقاهرة، والشاهد على أسرار الطائفة اليهودية برمتها وعلى التعايش الرائع فى المجتمع المصرى بتركيبته وعراقته وتسامحه.

قال عن نفسه «أنا مصرى وأبى كان يحمل الجنسية المصرية، فنحن مصريون ونعشق تراب هذا البلد حتى النخاع، بالرغم من أننا كلنا نملك محلا أُحرِق عام 1952، لكننا نحتفظ بصداقة حميمة مع المسلمين وعلاقات جيدة جدا بكل الناس ولم نشعر بأى تفرقة فى بلدنا، وفى الفترة ما بين 1956 و1959 كانت الظروف سيئة جدا، ولكننا رفضنا الهجرة مرارا وتكرارا مثل أغلب اليهود الذين هاجروا إلى دول أوروبية أو حتى لإسرائيل».

ولد «أريه» فى شارع الفلكى بوسط القاهرة فى «25 يونيه 1930» لأب تركى جاء مع شقيقه إلى مصر مطلع القرن العشرين ليعمل محاسبا بمحل تجارى بالموسكى، أما والدته فكانت ابنة عامل روسى عاش بمصر نهاية القرن التاسع عشر، ولم يعرف «أريه» غير القاهرة وطنا، ولم يكن هو وعائلته من المتدينين، فلم يدخل المعبد اليهودى بشارع عدلى بوسط القاهرة إلا بعد تجديده عام 2010.

نشط «أريه» فى الحركة الشيوعية المصرية منذ الأربعينيات من القرن الماضى، وسُجن عام 1953 لمدة 11 عاما، ولم يندم على رفضه قرار الهجرة من مصر لأنه كان منضما إلى الحزب الشيوعى، وحبه ونضاله للبلد منعاه من تركه.

يقول «أريه» ذقت المرار فى ثورة 25 يناير لأنهم عندما كانوا يطلقون قنبلة فى الميدان يدخل الدخان لشقتى وكانت الظروف صعبة، بالإضافة إلى الخسائر الفظيعة التى عانى منها رجال الأعمال والتى قدرت بالملايين، وهذا ليس إنكارا منى لدور الثورة فهى أزاحت «مبارك» ولكنها لم تملك الإجابة عن سؤال وماذا بعد؟، الشيء الايجابى انها خلصتنا من الإخوان لأنهم لو استمروا فى الحكم لدمروا البلد، فالإخوان عندهم وجهان العلنى والسرى، والشيء الوحيد الذى لم يكذبوا فيه عندما قال «الشاطر» فى الليلة السابقة لفوز «مرسى»، لونجح «شفيق» هنولع فى البلد وهذا فعلا الشىء الوحيد اللى صدقوا فيه.

ورغم أنه تجاوز 90 عاما، إلا أنه قبل رحيله بأيام شارك فى تقرير وثائقى لإذاعة صوت ألمانيا عن يهود مصر، كما كان يواظب على الكتابة اليومية والتفاعل عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» وتدوين ذكرياته عن القاهرة الجميلة حضارة وشعبا،عادات وتقاليد، وآخر تدوينات كتبها كانت عن ذكرياته عن حارة اليهود أثناء وباء الكوليرا أكتوبر 1947، وقبل كورونا كان «أريه» يحرص على ممارسة طقوسه بالذهاب إلى مكتبه بعمارة مصطفى كامل التاريخية بوسط البلد.

ووفقًا لحكاية «آريه» عن نفسه فإنه استقر فى حى عابدين طوال عمره، كما ربطت والده علاقة ممتازة بالقيادات الوفدية مثل الزعيم سعد زغلول، وإسماعيل صدقى، لذلك اعتبر الرجل نفسه مصريا خالصا، ولم يكن يرى أى تضارب بين عقيدته وانتمائه، فظل محبًا لمصر، مخلصا، لها، مدافعا عنها ومؤمنًا بقناعاته السياسية حتى آخر لحظه فى حياته.

حفظ الله مصر وأهلها 

 [email protected]