رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

شهدت مصر أول ثورة ديمقراطية ناضجة فى العصر الحديث وهى الثورة التى قادها علماء الأزهر فى مايو 1805، واشتركت فيها كل فئات الشعب وقام قادة هذه الثورة بتنصيب محمد على باشا واليًا على مصر باسم الشعب دون انتظار لقيام السلطان العثمانى بإرسال والٍ من قبله.

تمت مبايعة محمد على حاكما بشروط الشعب التى تتضمن الفكرة القائلة بأن «الأمة هى مصدر السلطات» حيث نصت هذه الشروط على أنه «تم الأمر بعد المعاهدة والمعاقدة على سيره بالعدل وإقامة الأحكام والشرائع والإقلاع عن المظالم وألا يفعل أمرًا إلا بمشورة العلماء وأنه متى خالف الشروط عزلوه».

وعقب استقلاله بحكم مصر بدأ محمد على ثورة إدارية شاملة لإقامة مؤسسات حكم حديثة، بما فيها إقامة مجلس نيابى تمثيلى حديث.

اسمه محمد على باشا المسعود بن إبراهيم أغا القوللى، الملقب بالعزيز أو عزيز مصر، وهو مؤسس الدولة العلوية وحاكم مصر ما بين عامى 1805 إلى 1848، ويشيع وصفه بأنه «مؤسس مصر الحديثة» وهى مقولة كان هو نفسه يروج لها واستمرت بعده بشكل منظم وملفت ومكنه ذكاؤه واستغلاله للظروف المحيطة به من أن يستمر فى حكم مصر كل تلك الفترة ليكسر بذلك العادة العثمانية التى كانت لا تترك واليًا على مصر لأكثر من عامين.

خاض محمد على فى بداية فترة حكمه حربا داخلية ضد المماليك والإنجليز إلى أن خضعت له مصر بالكلية، ثم خاض حربا بالوكالة عن الدولة العثمانية فى جزيرة العرب ضد الوهابيين وضد الثوار اليونانيين الثائرين على الحكم العثمانى فى المورة، كما وسع دولته جنوبا بضمه السودان وبعد ذلك تحول لمهاجمة الدولة العثمانية، حيث حارب جيوشها فى الشام والأناضول، وكاد يسقط الدولة العثمانية، لولا تعارض ذلك مع مصالح الدول الغربية التى أوقفت محمد على وأرغمته على التنازل عن معظم الأرض التى ضمها.

خلال فترة حكمه استطاع محمد على أن ينهض بمصر عسكريا وتعليميا وصناعيا وزراعيا وتجاريا مما جعل من مصر دولة ذات ثقل فى تلك الفترة، إلا أن حالتها تلك لم تستمر بسبب ضعف خلفائه وتفريطهم فى حقه من مكاسب بالتدريج إلى أن أسقط دولته فى 18 يونيو 1953 إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية فى مصر.

ولد محمد على فى مدينة قولة التابعة لمحافظة مقدونيا شمال اليونان 1769، لأسرة ألبانية، كان أبوه إبراهيم أغا رئيس الحرس المنوط بخفارة الطريق ببلده، وقيل إن أباه كان تاجر تبغ، كان لوالده سبعة عشر ولدا لم يعش منهم سواه، وقد مات عنه أبوه وهو صغير السن، ثم لم تلبث أمه أن ماتت فصار يتيم الأبوين وهو فى الرابعة عشرة من عمره فكفله عمه «طوسون»، الذى مات أيضاً، فكفله حاكم «قولة» وهو صديق والده «الشوربجى إسماعيل» الذى أدرجه فى سلك الجندية، فأبدى شجاعة وحسن نظر فقربه الحاكم وزوجه من امرأة غنية وجميلة تدعى «أمينة هاشم»، كانت بمثابة طالع السعد عليه، وأنجبت له إبراهيم وطوسون وإسماعيل ومن الإناث أنجبت ابنتين، وحين قررت الدولة العثمانية إرسال جيش إلى مصر لانتزاعها من أيدى الفرنسيين كان هو نائب رئيس الكتيبة الألبانية والتى كان قوامها ثلاثمائة جندى وكان رئيس الكتيبة هو ابن حاكم قولة، الذى لم تكد تصل كتيبة ميناء أبوقير فى مصر فى ربيع عام 1801 حتى قرر أن يعود إلى بلده فأصبح هو قائد الكتيبة، ووفقا لكثير ممن عاصروه لم يكن ليجيد سوى اللغة الألبانية وإن كان قادرا على التحدث بالتركية.

بعد فشل الحملة الفرنسية على مصر وانسحابها عام 1801، تحت ضغط الهجوم الإنجليزى عى الثغور المصرية، الذى تواكب مع الزحف العثمانى على بلاد الشام، إضافة إلى اضطراب الأوضاع فى أوروبا فى ذلك الوقت، شجع ذلك المماليك على العودة إلى ساحة الأحداث فى مصر، إلا أنهم انقسموا إلى فريقين أحدهما إلى جانب القوات العثمانية العائدة لمصر بقيادة إبراهيم بك الكبير والآخر إلى جانب الإنجليز بقيادة محمد بك الألفى، لم يمض وقت طويل حتى انسحب الإنجليز من مصر وفق معاهدة «أميان»، أفضى ذلك إلى فترة من الفوضى نتيجة الصراع بين العثمانيين الراغبين فى أن تكون لهم سلطة فعلية لا شكلية على مصر، وعدم العودة للحالة التى كان عليها حكم مصر على أيدى المماليك، وبين المماليك الذين رأوا فى ذلك سلبا لحق أصيل من حقوقهم، شمل ذلك الصراع مجموعة من المؤامرات والاغتيالات فى صفوف الطرفين، راح ضحيتها أكثر من والٍ من الولاة العثمانيين خلال هذه الفترة من الفوضى، استخدم محمد على قواته الألبانية للوقيعة بين الطرفين، وإيجاد مكان له على مسرح الأحداث، كما أظهر محمد على التودد إلى كبار رجالات المصريين وعلمائهم ومجالسهم والصلاة وراءهم، وإظهار العطف والرعاية لمتاعب الشعب المصرى وآلامه مما أكسبه أيضاً ود المصريين، وفى مارس 1804، تم تعيين والى عثمانى جديد يدعى أحمد خورشيد باشا، الذى استشعر خطورة محمد على وفرقته الألبانية الذى استطاع أن يستفيد من الأحداث الجارية والصراع العثمانى المملوكى، فتمكن من إجلاء المماليك إلى خارج القاهرة، فطلب من محمد على التوجه إلى الصعيد لقتال المماليك، وأرسل إلى الآستانة طالبا أن تمده بجيش من «الدلاة»، وما إن وصل هذا الجيش حتى عاث فى القاهرة فسادا مما أثار غضب الشعب وطالب زعماؤه الوالى خورشيد باشا بكبح جماح تلك القوات إلا أنه فشل فى ذلك، مما أشعل ثورة الشعب التى أدت إلى عزل الوالى، واختار زعماء الشعب بقيادة عمر مكرم نقيب الإشراف محمد على ليجلس محله، وفى 9 يوليو 1805، وأمام حكم الأمر الواقع أصدر السلطان العثمانى سليم الثالث فرمانا سلطانيا بعزل خورشيد باشا من ولاية مصر وتولية محمد على، على مصر.