رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

أتساءل دوماً هل من الرقى والتحضر فى شيء أن يدعى عربى نسيانه للغته؟، ويعوج لسانه بلغة أجنبية سواء درسها فى مدارس أجنبية على أرض وطنه، أو عايشها فى سفرة له أو فى سنوات هجرته لهذا البلد الأجنبي؟، الإجابة لا، علماء اللغة والاجتماع والنفس يؤكدون من لا يتقن لغة بلده، لن يتمكن من إتقانا أى لغة أخرى، وأتذكر هذا وأنا أسمع نطق اللغات الأجنبية وقد تحولت إلى مسخ معاق على السنة المتشبثين بالتغريب.

عشت بين الهولنديين عقدين من الزمان، أتقنت لغتهم، ولا أذكر هذا تباهياً حين أقول إنى عندما أنجبت أطفالى هناك لم أتحدث معهم فى البيت كلمة واحدة بالهولندية، كل حديثى أنا ووالدهم معهم بالعربية، بل أحضرنا لهم معلماً للغة العربية والدين، واشترينا سبورة وطباشير، وكان الأولاد يجلسون أمام المعلم فى البيت وكأنهم فى فصل وهو يدرس لهم اللغة العربية ويحفظهم القرآن، الحمد لله أسر أخرى مصرية وعربية كانت تفعل ذلك أيضاً، ولكنهم للأسف قلة، أما الأغلب فقد خلع جذوره، وتمنطق بالهولندية وإن لم يتقنها، ولقنها لأطفالهم فى ركاكة، وصار يتعامل بها معهم متباهياً بنسيانه للغة بلده، معتقداً أنه بهذا لحق بقاطرة الحضارة والمدنية وارتدى قبعة فوق سرواله وصار أجنبياً.

وأكمل ما بدأته الأسبوع الماضى حول ما يُحاك من مخطط لتدمير لغتنا العربية، لغة القرآن الكريم، لغة الضاد، وظهور تلك الصرعات من الفرانكو آراب والأرقام، والتى يتم استبدال الحروف العربية بها وتتداول بين أبنائنا فى انتشار وسلاسة غريبة.

والفرانكو كما أشرت ترجع إلى زمن محاكم التفتيش الأوروبية وقت انهيار الدولة الأندلسية التى كانت تذخر بالمسلمين، وذلك على يد الإسبان الذين فعلوا الأفاعيل من قتل وتعذيب للمسلمين للقضاء عليهم ودحر الإسلام ورموزه وفى مقدمتها لغة القرآن، فأحرقوا المصاحف وأغلقوا المساجد، وأجبروا المسلمين على استبدال الحروف العربية إلى أحرف لاتينية وعرفت بـ«فرانكو أراب»، ونجحوا بالفعل فى طمس اللغة العربية لدى جيل كامل من المسلمين نشأ وهو لا يعرف شيئًا عن الإسلام ولا اللغة العربية، وأطلق على هذا الجيل الجديد المنحدر من أصول المسلمين ولكنه صار بلا إسلام وبلا لغة عربية، اطلق عليه اسم «الموريسكيين» ومختصرها «مور».

وبسبب هذا الجيل ظهرت فى أزمنة تالية بنهايات القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين دعوات بين العرب انفسهم للمطالبة باستخدام اللغة اللاتينية بدلاً من العربية بزعم سهولتها ويسر تداولها، أذكر منها الدعوة المقيتة التى أطلقها عبدالعزيز باشا فهمى عام 1944 باستبدال الحرف العربى بالحرف اللاتينى، رغم كونه سياسيًا وطنيًا ورئيسًا لحزب الأحرار الدستوريين وقاضيًا وشاعرًا وواحدًا ممن طالبو الاحتلال الإنجليزى بالجلاء، لكنه وجه انتقادات بشعة للغة العربية الفصحى أمام «مؤتمر مجمع فؤاد الأول للغة العربية» الأمر الذى أثار ضجة كبيرة وفجر معارك أدبية كان هو طرفها من ناحية، ومن ناحية أخرى المدافعون عن اللغة العربية وعشاقها، من يدركون أنها رمز للهوية، وضياعها يعنى ذوبان الهوية ومسخ الأمة العربية وانتحار ثقافتها.

وللأسف تبنى مثل هذه الدعوات أيضاً بعض المثقفين والشعراء خاصة من لبنان، الأمر الذى كشف فداحة هذا الجرف الذى يمكن أن تهوى إليه لغتنا الجميلة، ولكن لله الحمد لم تجد تلك الدعوات قبولاً رغم ما حاولته فيما بعد قوى الاستعمار الغربية سواء الفرنسية أو الإنجليزية للدول العربية من فرض لغاتها على شعوب هذه الدول لتصبح اللغة الأولى فى التعاملات والدواوين الرسمية.

 وظلت أغلب الشعوب العربية تقاوم هذا المخطط من محو لغتها، عصب هويتها وترفض استبدالها بلغة المستعمر، ولكن لا يمنعنا هذا أيضاً من الاعتراف بان إثار هذا المخطط لم ينمحِ تماماً بانزياح الاستعمار وتحرر الدول العربية، ولنا فى دول المغرب العربى نظرة فى استمرار تعاملها باللغة الفرنسية بدرجة تتقرب ولا أقول تتفوق عن استخدام العربية... وللحديث بقية.

[email protected]