رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

كان عباس العقاد يقول إن قراءة كتاب واحد ثلاث مرات أفضل من قراءة ثلاثة كتب لمرة واحدة، وبالطبع الرجل كان يقصد الكتاب الجيد.

الحق أن ثمة كتبًا عديدة ينبغى أن يعود لها المرء غير مرة، كما أن هناك كتبًا شاحبة لا تغرى بعودة الاطلاع عليها فور الانتهاء من سطورها، فما السر فى ذلك؟

هل يكمن الكتاب الجيد فى فكرته الطازجة؟ أم فى قدرته على التأثير فى القارئ؟ وما الوسيلة التى يستخدمها الكاتب لإحداث هذا التأثير؟ أم فى كل ذلك معًا؟

فى البداية عندى توضيح ينبغى تحريره وهو أننى أتحدث عن القارئ الحصيف صاحب التجربة الجيدة مع عالم الكتاب، ولا أتناول هنا القارئ الكسول أو ذلك الذى ولج حديثًا دنيا القراءة، فتشبعه الكتب الساذجة ذات المحتوى البسيط.

فى ظنى أن براعة اللغة هى الحاكم الأول فى جذب الإنسان للقراءة ثم إعادة القراءة، فالكاتب الذى يملك المهارات اللغوية المناسبة هو القادر على طرح فكرته بصياغات مبتكرة واضحة تخلب ألباب القراء المحترفين، الأمر الذى يدفع الإنسان إلى إعادة القراءة وهو فى حالة نشوة كلما طالع هذا الفصل أو تلك الفقرة من الكتاب.

لاحظ أننى لا أتحدث هنا عن نوع معين من الكتب الرائعة التى نعاود قراءتها مرة ومرة، إذ إن الفيصل هو اللغة ومنطق الطرح وأسلوب الصياغة، بغض النظر عن محتوى هذا الكتاب أو ذاك، وقد قال الكاتب الفرنسى جورج دى بوفون (1707/ 1788) بحق: (إن الأسلوب هو الرجل). 

تتبدى القيمة الكبرى فى أهمية الأسلوب فى القرآن الكريم، فالآيات العديدة تتسم بأسلوب بالغ الإعجاز، فاللغة القرآنية المقدسة مترعة بالبلاغة والحلاوة والطلاوة، الأمر الذى يكشف مقدرة اللغة فى التأثير، فكلنا يحفظ ما تيسر من آى الذكر الحكيم، وكلنا يردد العديد من السور القرآنية كل يوم، وكلنا يطرب مع هذه الآية أو تلك السورة.

صحيح أن اللغة هنا لغة سماوية مغلفة بالقداسة والألق، إلا أن البشر أيضًا كتبوا وأبدعوا باللغة، فعبقرية المتنبى وشوقى والسياب وصلاح عبدالصبور وحجازى ونزار ومحمود درويش فى الشعر تتجلى فى قدرتهم الخارقة على ترويض اللغة وابتكار صياغات جديدة مشحونة بطاقات تعبيرية جميلة.

أما فى النثر، فإن لغة طه حسين وتوفيق الحكيم وسلامة موسى ونجيب محفوظ أزهرت وأثمرت وأمتعت ملايين القراء ومازالت، فالأفكار التى تحملها لنا لغة هؤلاء الأساتذة العظام ما كان لها أن تؤثر لو أنهم قدموها فى لغة شاحبة باردة قلقة محرومة من العذوبة والصفاء.

من هنا لا عجب ولا غرابة فى أن يعود المرء إلى قراءة ما تيسر من شعر شوقى ودرويش وروايات محفوظ وماركيز ومسرح شكسبير وسعدالله ونوس وأفكار سلامة موسى ومحمود العالم وغيرهم ممن تألقت على أيديهم اللغة واستجابت لمهاراتهم الفذة.

باختصار... اللغة المشرقة مثل حنجرة أم كلثوم، نعاود قراءتها فنبتهج ونرتوى، ونسمع أم كلثوم فنطرب وننتشى.