رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

لست من الهمج الرعاع الذين يميلون مع كل ريح، كما راح الإمام على بن أبى طالب يصف تلك الفئة فى تحديده لأنواع البشر، ولكنى أبحث عن الحقيقة ولا أدعى امتلاكها، وأؤمن بأنها - الحقيقة- لها ألف وجه، ويجعلنى ذلك فى موضع الأخذ والرد مع كثير من المقولات والمواقف فى الحياة. ومن هذه المواقف ذلك المتعلق بأزمة سد النهضة. قد يرى البعض ذلك نوعًا من الميوعة، وقد يراه آخرون نوعًا من عدم الثبات على المبدأ أو الموقف، وقد.. وقد.. ولكن فى تصورى أن هذا هو منطق الحياة كما يجب أن تعاش وكما يجب أن يتم النظر إليها.

أقول ذلك بمناسبة ما كتبته الأسبوع الماضى بشأن قضية السد وما سأكتبه فى هذه السطور. فأنا من المؤمنين، وما زلت، بأن سد النهضة يمثل خطورة شديدة على مصر، ورغم أننى أدرج نفسى دومًا، فى رؤيتى للحياة، فى عداد الحمائم، إلا أن رؤيتى لأزمة السد تجعلنى أقف بشأن تلك المسألة فى صف الصقور.

كنت قد نقلت المقال الماضى رؤية الدكتور عباس شراقى بشأن الأخطار العشرين التى تحيق بمصر من جراء السد وهى أخطار ذكرت أنها كارثية وهى كذلك بالفعل إذا ما حدثت– لا قدر الله– على أرض الواقع. وهى رؤية تتوافق مع رؤيتى على مدار أكثر من خمسين مقالًا، وعلى مدار عقد كامل من الزمان، كتبتها كلها فى الوفد تذهب فى هذا الاتجاه. وقد أغلقت عقلى دون أى طروحات أخرى رغم النقاشات التى تصل حد المشاجرات بينى وبين أحد الأصدقاء الذى يستخف بما أقوله وأكتبه، مؤكدًا أن ذلك كله وهم وأنه ليس هناك أخطار ولا يحزنون، وأن الأمر لو كان كما أتصور أو نتصور لأخذت التطورات على أرض الواقع مسارًا آخر.

غير أن تصريحات لوزير الرى السودانى الأسبق الدكتور عثمان التوم تصب فى الاتجاه المعاكس تفرض على أمثالى ممن يرون أن هناك لغزًا بشأن قضية سد النهضة أن يحاولوا توسيع دائرة الرؤية قليلًا على الأقل لرؤية ضوء فى نهاية النفق. المهم أن «التوم» يؤكد أن السد لا يقلل من كمية المياه التى تصل إلى مصر بل يزيدها. صفة التوم كوزير أسبق تجعلنا نأخذ تصريحاته على محمل الجدية، وإن كان مصدر الخبر وهو وكالة الأنباء الإثيوبية تجعلنا نوقظ حالة حذرنا.

ليس ذلك فقط بل إن «التوم» يؤكد أن السودان يستفيد كثيرًا من سد النهضة، مبينًا أنه يعمل على تنظيم منسوب النيل الأزرق وحمايته من الفيضانات السنوية، وعلى توسيع المساحة الزراعية، بالإضافة إلى تسهيل النقل النهرى، فضلًا عن افادة الدول المشاطئة فى حماية السدود من تراكم الطمى، والحد من الفيضانات.

وعلى خلفية هذه الرؤية فقد حث دول المصب الثلاث، على الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التى تشترك فى منافع السدود معربًا عن أمله أن يتم التوصل إلى اتفاق مرض بشأن سد النهضة، من خلال المفاوضات الثلاثية لصالح الجميع.

قد تكون رؤية «التوم» على المستوى الجزئى صحيحة، غير أنه من المؤكد أن هذه الرؤية على المستوى الكلى خاطئة، والفيصل فى ذلك هو رؤى المختصين المصريين، وفى أى الأحوال لن نقول إنها حق يراد به باطل، هى رؤية فنية وليست سياسية، رؤية تكتيكية وليست استراتيجية، هى رؤية تتعامل مع المدى القصير وليس الطويل، هى رؤية ترى الأشجار ولا ترى الغابة، وقد تفرض صحتها التخفيف من حدة المخاوف ولكنها لا تقضى عليها على الإطلاق.. غير أن أهميتها فى حدود معينة من وجهة نظرى أن مؤداها تصور أن الأزمة ربما يكون لها وجه آخر يعكسه نهج إدارتها من قبل الدبلوماسية المصرية. أقول «ربما» لأنى لا أملك من الحقائق ما يمكننى من الجزم فى الحكم. فمن بيدهم الأمر أعلم وأدرى!

[email protected]