حكاية وطن
أحيانًا أتردد على «السوبر ماركت» للفرجة على الأسعار فقط، والتلظى بنارها، ولأتخلى عن عادة قديمة من أيام المدارس: اصرف ما فى الجيب يأتيك ما فى الغيب، وأدركت أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، وخير للإنسان أن يأكل من عمل يده، فدأبت على العمل، لكن الأسعار نزلت كما السيل جرفت كل المدخرات البسيطة، ودخلت على اللحم الحى!
ما سبق كان رد موظف على المعاش على أمن السوبر ماركت عندما شاهده يتجول بين الأقسام، ويمسك بالسلع، ثم يتركها مرة أخرى، فاعتقد أنه يفكر فى شىء ما غير الشراء!
على مسافة قريبة من المدرس وموظف الأمن كانت تقف سيدة من الطبقة الارستقراطية تراقب الخادمة أو مديرة المنزل وهى تجر عربة مكدسة بكل الأصناف، واقتربت السيدة من الموظف وسألته عن احتياجاته فشكرها، وحاولت أن تعطيه نقودًا رفضها، وقال لها بصوت سمعه كل من بـ«السوبر ماركت»: الفلوس زى الرز. وأدار وجهه للسيدة وقال بصوت خفيض يعنى مفيش! لا رز ولا فلوس! وكفاية أنا باكل رز فى الحلم، تقريبًا.
الرجل يعانى من بعض أمراض الشيخوخة، ومصاب باضطراب، لكنه يقول كلامًا يعتبر من الحكم هذه الأيام التى استجلبها البعض من ذاكرة الماضى، مثل الجوعان يحلم بسوق العيش، وهى فكرة تنبع أحيانًا من احتياجات الناس فالجوعان يحلم بالخبز عندما يكون نفسه فى حاجة ومحتاجها بشدة فإنه يفكر فيها كثيرًا لدرجة أنه من الممكن أن يحلم بأنه بيأكل، أو ماسك فى إيده عيش!، أو كما يردد البعض المثل: إنه يأكل رز مع الملائكة!
الحلم بالأرز له تفسير عند ابن سيرين وهو أبوبكر محمد بن سيرين البصرى يقول فيه إن الأرز يرمز إلى الحصاد والنماء والخصوبة، والتقدم الملحوظ وإحداث نقلة نوعية فى نمط المعيشة، وتطور الأعمال الراهنة، والدخول فى شراكات جديدة يستهدف الرائى منها الربح والمنفعة. والأرز يعبر أيضًا عن المسئولية الكبيرة والعمل الشاق، وعدم جنى الرزق بسهولة، والسعى المتواصل لتوفير متطلبات العيش، وخوض الكثير من التجارب واكتساب الخبرات، والتطلع الدائم نحو مستقبل أكثر اسقرارًا واشراقًا.
وإن رأى الشخص أنه يحصد الأرز، دل ذلك على الأعمال التى تستنزف حيويته وطاقته، والتعب الذى يسبق جنى الرزق، وخوض معارك كبيرة يحرز منها نجاحات واسعة بصعوبة بالغة.
وإذا كان الأرز مطبوخًا، دل ذلك على التوفيق والبركة والخير الوفير والرزق، والأموال التى يجمعها المرء بتيسير من المولى عز وجل وسلامة النية وحسن المقصد، والشراكة الناجحة.
ويرى ابن سيرين، ويتفق معه أغلب الفقهاء على أن الأرز يؤول على ما يحصده المرء ويكون فيه مشقة، فالرزق والربح لا يأتيان بسهولة، بل يتبعهما مشقة ويسبقهما عناء، فإن شاهد الرائى الأرز، دل على الصعاب والتقلبات الحياتية والهموم التى تسبق جنى الأموال وحصد الثمار، والدخول فى أعمال ومشاريع تتطلب الصبر وبذل الجهد لتحقيق الأهداف المرجوة من خلالها.
ومن رأى الأرز، دل ذلك على الاقدام على أمر ليس بسهل، والدخول فى فترة يعانى فيها كثيرًا، والمرور بمراحل حياتية حادة يشتد فيها الهم والتعب، ويعقب ذلك الفرج الشديد والعوض الكبير، والمنافع التى يستحوذ عليها.
أما إذا كان الأرز فاسدًا، دل ذلك على سوء العمل والتقدير السيىء للأحداث، والتسرع لنيل المقصد، وفساد النية والتفكير الخاطئ، وعدم تحرى الشبهات والتطرق نحو مسائل غير مأمونة العواقب والنتائج.
وبصفة عامة يعتبر الأرز من الرؤى المبشرة بالخير والرزق وصلاح الأحوال، والانتفاع بفوائد وصلاحيات كبيرة، والخلاص من هموم ومخاوف لا آخر لها.
صحيًا يعتبر الأرز مصدرًا ممتازًا للفيتامينات والمعادن، توفر هذه الفيتامينات الأساسى لعملية التمثيل الغذائى فى الجسم، وصحة الجهاز المناعى والأداء العام لأعضاء الجسم، لكن الاكثار من الأرز الأبيض يزيد من خطر الاصابة بمتلازمة التمثيل الغذائى وهو مجموعة من المشكلات الصحية، تشمل ارتفاع سكر الدم وضغط الدم وارتفاع الكوليسترول وزيادة محيط الخصر.
الأرز موجود، شعبة الأرز باتحاد الصناعات تبشر بوجود فائض فى الأرز، وسيكون هناك أرز مستورد بكميات كبيرة وبأسعار جيدة بالأسواق خلال الأسبوع الأول من الشهر المقبل، وسيكون سعره فى متناول الجميع عقب تحرير سعره، رجب شحاتة رئيس شعبة الأرز زف بشرى للمواطنين على فضائية صدى البلد: «لكل محبى الأرز فى مصر على أقصى تقدير الأسبوع المقبل، يمكنك النزول وأخذ الأرز اللى انت عاوزه والعبوة ستكون متاحة بأوزان كيلو و25 كيلو بعد ما فض الاشتباك بين المضارب والتوريد.
هنيئًا لكيلة الأرز وعقبال ما تتحل مشكلة الموظف الطيب الذى يتردد على السوبر ماركت للفرجة بأن تكون الفلوس فعلاً زى الرز وتفرد عضلاتها أمام غول الأسعار!