رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هموم وطن

الأُمُّ مَدرَسَةٌ إذا أَعدَدتَها أَعدَدتَ شَعبًا طَيِّبَ الأَعراقِ.. هذا البيت المشهور لشاعر النيل حافظ إبراهيم، نحفظه جميعًا عن ظهر قلب منذ نعومة أظافرنا، خصوصًا عندما كنا نشدو به فى حفلات وأعياد الأم بالمدارس، وكانت الأمهات وقتها لا تحفظ هذا البيت ولا غيره، ولكنها كانت تقوم بدور المدرسة عن غير قصد، دون أن تدرى، ودون أن نعلم نحن حقيقة دورها، ومدى قوة وتأثير بنيانها التعليمى، رغم أنها لم تحمل شهادات، وربما أن الغالبية من أمهاتنا كن أميات، لا يقرأن، ولا يكتبن، ولكن كن يعرفن دورهن معرفة جيدة ولا يحدن عنه قدر أنملة.

فعلى سبيل المثال كانت الأم لا تملك ساعة، ولا منبهاً، ولكن كانت توقظ أبناءها قبل موعد الذهاب إلى المدرسة، وتعد لهم الإفطار، وتصنع لهم الوجبات المدرسية، وتضعها بيديها داخل حقائبهم، وكانت تشرف على الحقائب بنفسها، ورغم أميتها إلا أنها كانت تقنعهم بأنها تعلم كل شىء، وتحاول أن تدعى معرفة مواعيد بعض المواد التى يشتكون من تحصيلها لتغلف لهم النصائح بأسلوب رقيق، بضرورة الانتباه لشرح المدارس وعدم التحدث مع الزملاء أثناء الشرح، وكان أحد زملائنا يقول إن والدته كانت تقوم بحصر الكتب والكراسات وعدها صباحا، وكانت تعيد الكرة نفسها عند العودة، وإذا نقصت كراسة أو كتاب كانت تسأله، وكانت لا ترتاح إلا إذا تلقت إجابة مقنعة بأنها لم تفقد منه.

لم أنس يومًا إحدى أمهات زميل لنا فى المرحلة الابتدائية، وهى تذهب معه صباحاً وتنتظره فى موعد الانصراف، كما لم أنس جلوسها بجوارنا ونحن نراجع دروسنا وتتوسل إلينا، ألا يفوت ابنها شيئاً مما حصلناه جميعاً.

والأخرى كانت تطلب منا شرح مسائل الرياضيات رغم أميتها، وعندما نسألها عن السبب كانت تقول سأراجع معه ربما ينسى إحدى الخطوات فأذكره بها.. هذه مقتطفات عن أمهات الزمن الجميل، وعن المدارس المتنقلة، التى أنجبت العقاد وطه حسين، ويحيى حقى، وجاد الحق، والشعراوى، وغيرهم من أعلام القرن الماضى.

ولكن ما هى مدارس هذه الأيام، بعيدًا عن بعض الأمهات المشغولة بزينتهن وأناقتهن والصفحات التى تتابعهن، سواء عن الموضة أو المطبخ أو التخسيس أو البحث عن الترندات؟

هل حقاً أمهاتنا ومدارسنا التى أعددت شعبًا طيب الأعراق، هن نفس أمهات ومدارس وسناتر اليوم، هل من يطلقون على أنفسهن فى الجروبات (الماميز) جمع أم، وهن خريجات الجامعات، واللاتى أطلقن الحرية لأبنائهن وبناتهن، فى اقتناء أحدث أجهزة الهواتف المحمولة، وأحدث الأزياء واختيار أفضل المدارس، وأعلاها سعراً، ولم يفكرن يوماً فى اختيار الأصدقاء أو الانشغال بالتربية الدينية والأخلاق الحميدة، أو الاستغناء عن الدروس الخصوصية بصفتهن جامعيات.

من وجهة نظرى أمهات الأزمنة الجميلة أعددن أجيالًا شكلوا الوعى السياسى والاجتماعى والثقافى والفنى فى المجتمع المصرى، وبعض أمهات هذا الزمان يلدن قيصرياً، ويُرضعن صناعياً، ويربين الأبناء تليفزيونياً وهاتفياً، ويصدرن للمجتمع أبناء يعانون تراجعاً فكرياً وأدبياً وأخلاقياً، وفى النهاية أفخر بأن أمى هى من قيل فى حقها... الأُمُّ مَدرَسَةٌ إذا أَعدَدتَها أَعدَدتَ شَعبًا طَيِّبَ الأَعراقِ.