رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

فى عام 2005، واجهت الحكومة أزمة فى بعض المواد التموينية، واتخذ وزير التموين وقتها اجراءات «غرقت» الحكومة، وعندما سألته الصحافة وكان ذلك أمام اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب قال «أنا حسن النية» وخرج وقتها مانشيت جريدة الوفد يطلق على وزير التموين: «الوزير حسن النية» ولازمه هذا اللقب فترة طويلة، وخرج حسن خضر من الوزارة، وجاء بعده الدكتور على مصيلحى وزير التموين الحالى الذى قال فى تعليقه على آليات الرقابة البرلمانية التى واجهه بها أعضاء مجلس النواب منذ أيام إنه وزير ازالة الأزمات. وكان ذلك ردا على ما أطلقه عليه بعض النواب بأنه وزير الأزمات، فهل ينجح الدكتور مصيلحى فى ازالة الأزمات التى تواجه المواطنين فى الحصول على رغيف الخبز وكل المواد الغذائية، التموينية وغيرها، أم يتحول إلى وزير سابق كما سبقه خضر، وجويلى، وأبو شادى، وعودة، وجودة، ومحمد، وهؤلاء كانوا وزراء تموين، وكان السكر والبوتاجاز ورغيف الخبز وباقى المواد التموينية سببا فى خروجهم.

فى تقديرى أرى أن الدكتور على مصيلحى وزير التموين الحالى من أنجح الوزراء الذين تولوا وزارة التموين، واجه أكثر من اختبار ونجح فيه، ويعتبر أول وزير سياسى فى الحكومة الحالية، والثانى كامل الوزير وزير النقل. وزراء الخدمات مكانهم فوق فوهة المدفع دائما، وفى مقدمة الوزراء الذين يتم ترشيحهم للخروج من الوزارة عند الحديث عن أى تعديل وزارى، فالناس دائما غير راضية عن مستوى التموين ولا النقل ولا الصحة ولا التعليم رغم ما يتم انجازه فى هذه الوزارات، خاصة النقل الذى تطور بشكل كبير فى عهد «كامل الوزير» ويكفى «السكة الحديد» التى كانت تسمى السكة الحضيض فى السابق، وكانت مقبرة لوزراء النقل.

استقبلت الدكتور على مصيلحى وزير التموين فى مجلس الشعب عام 2005، وأنا لا أعرفه، وليس لى علاقة شخصية به حتى الآن، ولكن كنت محررا برلمانية لجريدة الوفد منذ التسعينيات، وعندما فاز «مصيلحى» بعضوية مجلس الشعب فى دائرة أبو كبير بالشرقية، كان رئيسا للهيئة القومية للبريد، وسألته بعد استخراجه بطاقة عضوية مجلس الشعب لماذا اخترت أن تكون عضوا باللجنة الاقتصادية ولم تطلب لجنة الأمن القومى، قال لأن الاقتصاد تخصصى، وتفرغ مصيلحى لعضوية مجلس الشعب، ورشح لوزارة التموين فى 2005، ثم أصبح بعد ذلك وزيرا لوزارة التضامن والعدالة الاجتماعية، ثم ترك الوزارة، وأصبح رئيسا للجنة الاقتصادية بالبرلمان، وعاد للوزارة مرة أخرى، وواجه عشرات الأزمات، وتمكن من حل أخطرها، إلى أن واجهت مصر مثل كل دول العالم الأزمة الاقتصادية العالمية التى ترتبت على الحرب الروسية- الأوكرانية.

الأزمة الاقتصادية أشبه بهزة أرضية قوية شعر بها كل سكان الأرض، ولكن فى مصر كان هناك شعور خاص بها، رغم الاجراءات التى اتخذتها الحكومة للتخفيف من آثارها، هذا الشعور الصعب والمؤذى كان السبب فيه جشع التجار الذين يتسابقون حتى كتابة هذه السطور فى رفع الأسعار، وممارسة الاحتكار، واخفاء السلع، وحدثت هزة فى منظومة الدعم، وظهرت طوابير الخبز، وتضاعفت أسعار السكر والزيت، وارتفع سعر قرص الطعمية، ورغيف العيش، وانفلتت أسعار الذهب، والحديد، واتسعت الأزمة على الراتق، وهى الحكومة فى ظل الارتفاع المتوالى لسعر الدولار، والهبوط الاضطرارى للجنيه، اختلف الشعور بالأزمة -أزمة ارتفاع الأسعار- لكن شعور الفقراء بها كان أشد، وأصبح الموظفون فى الأرض، لعدم تناسب الدخول مع الأسعار التى تجرى بسرعة الطائرة وتلهث وراءها المرتبات بسرعة السلحفاة.

وأمام هذه الأزمة التى ضربت جيوب وبطون الشعب، كان على نواب الشعوب أن يتحركوا للقيام بمهامهم فى استخدام الآليات التى منحها لهم الدستور لمساءلة الحكومة عن هذه الأزمة، ومعرفة خططها للسيطرة عليها. ومن خلال متابعتى لما كتبته الصحف والمواقع عن هذه الجلسة التى شهدت مناقشة طلبات إحاطة لوزير التموين الدكتور على مصيلحى، كان لى عدة ملاحظات أسردها فى الآتى، لماذا وزير التموين فقط توجه له طلبات الإحاطة، قد يكون هو المسئول الأول عن التموين لكن ليس المسئول الوحيد عن الأزمة فقد كان ضروريا أن يحضر هذه الجلسة رئيس الوزراء ووزراء الصناعة والإدارة المحلية والمالية والزراعة ومحافظ البنك المركزى، الحكومة بالكامل والأجهزة الرقابية مسئولة عن هذه الأزمة وعن آليات مواجهتها، والآثار المستقبلية، وعن قرب انتهائها، وعن اجراءات السيطرة على السوق، وكبت جماح الأسعار، والضرب بين من حديد على أيدى التجار الجشعين، وعن الإجراءات التى تتخذ ضد المحتكرين والمتلاعبين بالأسعار وبقوت المواطنين، وعن وسائل الحماية للفقراء ومحدودى الدخل فى حالة استمرار الأزمة.

كما أن الهجوم القاسى من بعض النواب على الحكومة ومطالبتهم بإقالتها، ومطالبتهم عاجلا بإقالة وزير التموين، وحديثهم عن غرق الحكومة فى كيلو أرز، ولا أدرى لماذا لم يطلقوا عليه زجاجة زيت حتى يكون الفرق مناسبا لزوم الزحلقة! وتشبيه النواب لـ«التموين» بأن ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، واطلاقهم على وزارة التموين بأنها وزارة السوق السوداء، وقولهم إن وزير التموين يتقاضى راتبه من الضرائب التى يدفعها الشعب، وعن انتهاء صلاحية الحكومة، وقولهم عن وزير التموين إنه وزير مأزوم، مش هينفع يكمل معانا، والوزارة سلمت الشعب للتجار الجشعين.

كل هذا الهجوم الذى شنه النواب على وزير التموين وعلى الحكومة والذى ذكرت بعضه والذى لم أذكره فى هذا المقال، مقبول من النواب فى اطار حقهم الدستورى الذى يحميهم من المؤاخذة عما يقولونه تحت قبة البرلمان أى فى الجلسات العامة أو فى اجتماعات اللجان، لكن هذا الهجوم مثل مطالبة الحكومة أو الوزير بالاستقالة، ليس محله تقديم طلبات إحاطة وأسئلة وطلبات مناقشة، هذا الهجوم محلة الاستجواب، فكان من الأفضل إذا كان النواب يريدون ضرورة إحداث تعديل وزارى حتى على سبيل كبش الفداء لغلاء الأسعار، كما كان يحدث فى السابق عند وقوع حادث قطار فيتم إقالة وزير النقل لامتصاص الغضب، وتظل الأزمة كما هى ويذهب الوزير ويأتى غيره، حتى يقع المحظور مرة أخرى.

الاستجواب طبعا هو الذى يجعل النواب يتبنون قضية إقالة الوزير أو الحكومة عندما تكون الأولوية أمام النواب بعد مناقشة الاستجواب هى الاقتراح بسحب الثقة يقدم من عشر الأعضاء على الأقل طلب بذلك يكون له الأولوية، ثم الأولوية الثانية للانتقال إلى جدول الأعمال فإذا صوت أغلبية الاعضاء يتم سحب الثقة من الوزير الذى قدم له الاستجواب، وإذا قرر المجلس سحب الثقة من الوزير وأعلنت الحكومة تضامنها معه يجب أن تقدم الحكومة استقالته.

لكن ما حدث هو أن النواب قدموا للحكومة طلبات إحاطة، وهى طبقا للائحة فإن طلب الاحاطة هو إحاطة الوزير علما بأمر له أهمية عامة، ويكون داخلا فى اختصاص من يوجه إليه، ويجاب عليه فى إيجاز، ولا تجرى مناقشة فى الموضوع، إذا تمت الاجابة عنه داخل الجلسة، وللمجلس أن يقرر إحالة الموضوع إلى اللجنة وتقديم تقرير عاجل عنه، أما السؤال: فهو استفسار عن أمر لا يعمله العضو أو للتحقق من حصول واقعة وصل علمها إليه، أو للوقوف على ما تعتزمه الحكومة فى أمر من الأمور، ويتم الاجابة عن السؤال إما شفاهة فى الجلسة أو كتابة، وطلب المناقشة يجوز تقديمه من 20 عضوا على الأقل حول موضوع عام لاستيضاح سياسة الحكومة فى شأنه.

رغم الخلط بين آليات الرقابة البرلمانية لكن أزمة الأسعار والحوسة التى وقع فيها المواطنون بعد ارتفاع سعر كل شيء دون سقف، يسمح بالتنفيس، وامتصاص الغضب، وتستحقه الحكومة وهى فعلا انتهت صلاحيتها لكن تحتاج إلى الآليات المناسبة لإحداث التغيير.

دون إلقء كل المسئولية على وزير التموين الدكتور على مصيلحى فقط الذى أطلق عليه النواب: وزير الأزمات، وأعلن التحدى وقال أنا وزير إزالة الأزمات وأرفض سياسة لى الذراع.

الأيام القادمة سوف تثبت إذا كان وزير التموين سيزيل الأزمات أم أن كلامه «أنعرة» على الشعب كما قال له أحد النواب، أعتقد أن الوزير سينجح ولكن محتاج إلى تضامن باقى وزراء المجموعة الاقتصادية معه، وكما يحتاج الرأى العام إلى بيان من رئيس الوزراء أمام مجلس النواب لطمأنة الناس اللى بتكح تراب!!