عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

تربطنى بمدينة بورسعيد الباسلة ذكرى خاصة تجعلنى أربطها بالتهنئة لشعب بورسعيد بذكرى النصر على العدوان الثلاثى الذى جعلته عيداً قومياً لها يوم 23 ديسمبر 1956. أما الذكرى الخاصة فهى زيارتى إلى بورسعيد لأول مرة فى 29 يونيو 1989 لمشاركة الآلاف من أبنائها غير الذين وفدوا إليها من الأقاليم الأخرى فى تشييع شهيد الصحافة والأب الروحى للصحفيين مصطفى شردى ابن بورسعيد إلى مثواه الأخير ودفنه فى ثرى بورسعيد الطاهر. ولشهيد الصحافة «شردى» بطولة فى تحقيق النصر على القوات الفرنسية والإسرائيلية والإنجليزية التى هاجمت بورسعيد، عندما كان يخطو خطواته الأولى فى محراب صاحبة الجلالة مراسلاً صحفياً لـ«أخبار اليوم» فى بورسعيد، وانضم إلى الفدائيين أثناء العدوان الثلاثى على بورسعيد، وأخفى الكاميرا فى ملابسه وحمل البندقية فى يده، وأحياناً كان ينتقل بوالدته القعيدة فوق كرسى متحرك هرباً من رصاص العدوان. استطاع شردى الصحفى الشاب أن يحوِّل الكاميرا إلى أهم سلاح فى المعركة، عندما قام بتصوير عشرات الأفلام التى كشفت جرائم العدوان الثلاثى، وانتهاكه لحقوق الإنسان وحقوق المدنيين فى بورسعيد، وعن التخريب البشع الذى لحق بالمبانى والمتلكات، وقام شردى بتسليم الصور إلى الكاتب الصحفى مصطفى أمين، رئيس تحرير «أخبار اليوم»، الذى ذهل من المفاجأة، ومن البشاعة التى كشفتها الكاميرا لعدوان القوات المعتدية، وأجرى مصطفى أمين اتصالاً مع الرئيس جمال عبدالناصر، وأخبره بالصور، فأمر جمال عبدالناصر بتكليف مصطفى أمين بالسفر إلى الخارج لفضح جرائم العدوان من خلال عرض الصور على الأجهزة العالمية فى كل أنحاء العالم، كما تم نشرها فى «أخبار اليوم»، وتسليمها إلى العديد من وكالات الأنباء العالمية التى قامت بنشرها، واستطاعت من خلالها أن تقوم مصر بشحن الرأى العام العالمى ضد العدوان، وجعله ينحاز إلى قضية مصر.

«شردى» الصحفى الشاب بمفرده وعن طريق كاميرا استطاع أن يقوم بعمل بطولى تم اتخاذه مستنداً وذريعة على العدوان الثلاثى الغادر، وحفر هذا الفدائى اسمه بين الفدائيين الذين قاوموا العدوان بالسلاح النارى. كان شردى يرتدى ملابس الصيادين، ويضرب بالبندقية، ويصور بالكاميرا، واستطاع أن يثبت للعالم قسوة العدوان الثلاثى، وكان أحد أسباب وقف العدوان ورحيله.

كان السبب الأساسى للهجوم الإسرائيلى والبريطانى والفرنسى المشترك على مصر هو إعلان الزعيم جمال عبدالناصر فى يوليو من عام 1956 تأميم قناة السويس ما أثر على الأرباح التى كانت تحققها بريطانيا من مرور السفن فى القناة، اندفعت القوات المسلحة الإسرائيلية فى 29 أكتوبر 1956، إلى مدن القناة، وبدأت أزمة السويس، وانضمت إليها القوات الفرنسية وأيضاً القوات البريطانية، واشتبكت معها جميعاً القوات المسلحة المصرى تحت قيادة جمال عبدالناصر فى معارك متفرقة على طول الحدود.

أثناء العدوان عملت المقاومة السرية المسلحة وفق تنظيم محكم، تحت إشراف الرئيس جمال عبدالناصر، ونجح رجال المقاومة فى خطف الضابط أنطونى مورهاوس، ابن عمة الملكة إليزابيث ملكة إنجلترا، واغتيال الماجور جون وليامز، رئيس مخابرات القوات البريطانية فى بورسعيد، وقام بهذه العملية السيد عسران، علاوة على عملية مهاجمة معسكر الدبابات البريطانى بالصواريخ، وهى عملية مشتركة مع مجموعة الصاعقة، تولى قيادتها الملازم إبراهيم الرفاعى، وعملية مهاجمة مصر كتيبة بريطانية فى مبنى مدرسة الوصفية، بالإضافة إلى زيادة عمليات الكمائن بالقنابل اليدوية للدوريات الراكبة والسائرة فى مدينة بورسعيد وبورفؤاد.

شدة المقاومة المصرية والتحام الجيش والشعب، ومعارضة الولايات المتحدة الأمريكية للعدوان الثلاثى، وتأييد الاتحاد السوفيتى لمصر وتهديده بالتدخل العسكرى لوقف العدوان، وتنديد الأمم المتحدة ومطالبتها بانسحاب القوات المعتدية، ووقوف الشعوب العربية إلى جانب مصر كان من أسباب فشل العدوان الثلاثى على مصر.

وأسفرت النتائج عن انسحاب القوات البريطانية والفرنسية من بورسعيد يوم 24 ديسمبر 1956، وانسحاب إسرائيل متأخرة من سيناء فى أوائل عام 1957، كما انسحبت من قطاع غزة، وتم وضع قوات طوارئ دولية على الحدود المشتركة بين مصر وإسرائيل.

وقامت محافظة بورسعيد بتخليد شهداء المقاومة فى لوحة الشرف، ونشرت لائحة بأسمائهم. واتخذت محافظة بورسعيد من يوم 23 ديسمبر عيداً للنصر، وجرى الاحتفال به منذ 23 ديسمبر 1956 حتى 23 ديسمبر 1966.. حين كان هذا اليوم يشهد مهرجاناً كبيراً، وكان يحضره الزعيم الراحل جمال عبدالناصر والحكومة كلها، وكانت تقام العروض العسكرية، وكان جمال عبدالناصر يلقى كلمة بهذه المناسبة، ويصدر وهو فى بورسعيد القرارات المهمة، كما كانت الإذاعة المصرية تقدم برامجها من بورسعيد، وكان عبدالناصر يحرص على اللقاء بالأبطال الذين كانوا على قيد الحياة.

تحية إلى شعب بورسعيد فى شهر النصر، وتحية إلى روح حبيب بورسعيد وشهيد الصحافة وأستاذ الأجيال ورجل المبادئ مصطفى شردى ابن بورسعيد الذى لم يمنعه تعليمه وعمله فى القاهرة من مشاركة شعب بورسعيد فى كل أفراحه وأحزانه عندما كان رئيساً لتحرير «الوفد»، وعندما كان نائباً عنهم فى البرلمان بأصواتهم الحرة التى منحوها له كجزء من رد الجميل، رغم أن شردى كان يعتبر ما يقدمه لبورسعيد من قبيل الواجب، وبهذه المناسبة أهدى هذه الذكرى إلى روح «شردى» مع شهداء مقاومة العدوان الثلاثى، فهى تحية إلى روح الشهيد فى ذكرى النصر.