رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ندى

لما أحست السيدة نفيسة بدنو أجلها وقرب فراقها لدنياها قامت بحفر قبرها بنفسها وكان القبر فى دارها وكانت تنزل فيه وتصلى كثيرًا وقرأت فيه مائة وتسعين ختمة، وكانت إذا عجزت عن القيام لضعفها تصلى قاعدة وتقرأ كثيرا، وتبكى كثيرًا، ولما حانت الساعة عند أول جمعة من شهر رمضان عام 208 هـجرية قرأت سورة الأنعام فلما وصلت إلى قوله تعالى «لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» غشى عليها فضمتها زينب ابنة أخيها فشهدت شهادة الحق وقبضت رحمة الله عليها ، وأراد زوجها رضوان الله عليهما أن يحملها إلى المدينة المنورة لكى يدفنها بالبقيع، فاجتمع أهل مصر إلى الوالى عبد الله بن سرى واستجاروا به عند زوجها ليرده عما أراد فأبى فجمعوا له المال ورجوه لكنه رفض، فباتوا منه فى ألم عظيم وفى الصباح وافق واستجاب لرغبتهم، وسألوه عن سبب هذا التحول فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم  فى المنام وقالى لى رد على الناس أموالهم وادفنها عندهم.

ودفنت السيدة نفيسة بدارها بدرب السباع بين القطائع والعسكر التى عرفت فيما بعد بكوم الجارحى، وكان يوم دفنها يومًا عظيمًا مشهودًا.

واليوم موعدنا مع الكاتب المغربى عاشق مصر حتى النخاع فؤاد زويريق ليواصل تغزله فى أم الدنيا:

من أقرب الأماكن الى قلبى فى القاهرة ميدان طلعت حرب، هناك علاقة روحية تجمعنى به أو بطلعت حرب شخصيا، لا أعرف بالضبط، فكل ما أعرفه أننى كلما أخذت جرعتى المسائية من المشى أو التسكع بين شوارع وسط البلد، لا بد لى من التوقف فى هذا الميدان لبرهة من الزمن، فضاء يجعلك تتأوه من فرط الدهشة والحبور فى آن، كلما اقتربت منه روحيا أفصح لك عن أسراره القديمة والجديدة أيضا، حكايا عالقة بين بناياته، وأساطير منزوية أسفل تمثال يتوسطه، تمثال واحد من عظماء الاقتصاد المصرى طلعت حرب.

وقفت يوما أمام مكتبة الشروق، فتملكنى شعور غريب، شعرت بالماضى يلتف حولى، وكأنه يحاول معالجتى من داء الحاضر ويطهرنى من لعناته، حملقت بعينى فى كل الاتجاهات وكأنى عدت عشرات السنين الى الوراء، تألمت من إغلاق مقهى «جروبى» بسبب الترميم، هذه المقهى التى قرأت عنها الكثير، فرغم اغلاقها ما زالت تقف شامخة ساحرة، نظرة واحدة اليها تجعلك تنسى أشهر وأكبر المقاهى العالمية من كوستا كوفى وستاربكس وغيرهما، وتتمنى لو كنتَ حاضرا فى زمن غير هذا الزمن المصاب بمرض الاستعجال والسرعة.

عبرت الطريق الى الجهة الاخرى حيث مكتبة مدبولى وأنا أراوغ السيارات، عبور الطريق فى القاهرة له طقوسه الخاصة، عليك أولا ان تكون دارسا للموسيقى قبل أن تتمرس على مراوغة السيارات فى هذه المدينة، وأنت تعبر الطريق ستتحول بلا شك إلى مايسترو وستتحول السيارات الى آلات موسيقية، ستشير الى هذه وستوقف تلك، وكأنك تعزف السيمفونية التاسعة لبيتهوفن المسماة «أنشودة الفرح»، هو شعور غريب يمزج داخلك الخشية بالفرح الطفولى. كل شىء فى هذا الميدان والشوارع المتفرعة منه يشير إلى أنك داخل آلة للزمن، من النادي  الدبلوماسى مثلا الى مقهى الريش، الى جروبى، إلى البنايات المحيطة بالشوارع والميدان، كلها فضاءات لا تنتمى الى زمننا هذا، وأنت تتجول بين كل هذا البهاء ستشعر وكأنك أفنديّ أو باشا يعتمر طربوشه الأحمر ويرتدى بدلته السوداء المكتملة الأناقة، فمع كل خطوة تخطوها ترجع بك عقارب الساعة الى الوراء ويأسرك التاريخ بوجاهته، ومجده، ورِفعته، وسُموه.

حفظ الله مصر