رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تظل اللغة من أهم أسلحة القوى الناعمة فى أى بلد على وعى كبير بهويته، واللغة العربية تعتبر من بين اللغات ألأحدث فى العالم. أقدم نص عربى هو نقش «النَّمارة»  أو حجر نمارة أو كما يعرف بنقش شاهد قبر امرؤ القيس، ويرجع تاريخه إلى عام 328م وكان قد كتب بالخط النَّبطي المتأخر، وقد عثرت عليه البعثة الفرنسية فى مطلع القرن العشرين فى قرية النمارة شرقي جبل العرب بسورية.. اللغة العربية إذن من اللغات التى يفترض بحكم عمرها (حوالى 1700) عام تعتبر لغة شابة، واللغة الشابة كان المفترض أن تكون اليوم بين اللغات العالمية سريعة النمو والتطور والاتساع. مثلا اللغات اللاتينية الأصل كالانجليزية والفرنسية يدخلها ويضاف إليها كل عام آلاف المصطلحات واللسانيات الجديدة، فى حين انكمشت اللغة العربية ولم تتسع وتنمو كما كان يجب لها أن تكون.. التطور العلمى وحركة الآداب والفنون النشطة فى الغرب انعكست على اللغات اللاتينية الأصل بتجديد مخزونها باستمرار، أما حالة الركود العامة بقلب وأطراف العالم العربى منذ القرن الحادى عشر الميلادى فقد انعكست على اللغة وأصابتها بنوع من «الأنيميا» حيث لا يتجدد دم اللغة إلا فى حدود نادرة.

المشكلة الكبرى اليوم لم تعد فى جمود اللغة وعجزها عن التفاعل مع العصر وعلومه ولكن فى عزوف الأجيال الجديدة عنها، والاهتمام الأكبر بدراسة لغات أجنبية بدءا من الانجليزية الأكثير انتشارًا وصولا اليوم للصينية والألمانية وغيرها من اللغات. المتأمل لتأثير اللغة فى الشعوب سيجد أن هذا التأثير مرتبط بقوة الدولة الاقتصادية على وجده التحديد، ودورها المعاصر فى المشاركة بحركة العلوم والتكنولوجيا الحديثة التى تغير وجه العالم وقلبه.. قبل ثلاثين عاما فقط، ربما يوصف بالعته من كان يطلب تعلم الصينية مثلا، ولكن اليوم مع ما تمثله الصين من قوة وتأثير فى العالم بدأت الكثير من الجامعات فى اعتماد اللغة الصينية كتخصص من بين تخصصاتها اللغوية، واتجه كثيرون إلى دراستها فى مراكز ثقافية متخصصة.. الخطر الكبير اليوم والذى لا يلقى من المسئولين عن التعليم فى مصر أى اهتمام يذكر، هو تدهور حال اللغة العربية بين الطلبة فى المدارس والجامعات، إلى حد أن هناك مشكلة بين الكثير من طلاب الجامعات تتمثل فى عجزهم عن القراءة والكتابة باللغة العربية.

فى اليابان وبموجب القانون غير مسموح لأى مسئول أن يتحدث فى أى مناسبة داخل الدولة بلغة غير يابانية، ولو وقف رئيس الوزراء اليابانى إلى جانب الرئيس الأمريكى أو رئيس الوزراء البريطانى فإنه لا يستطيع التحدث بغير اليابانية ما دام الحدث داخل اليابان.. الفرنسيون مثلا يعتبرون الثقافة الفرنسية التى تحتويها وتعبر عنها اللغة تعادل فى قوتها عشرات المحطات النووية داخل هذا البلد، ولديهم حساسية كبيرة تجاه طغيان الثقافة الأنجلوساكسونية ويقاومون رياحها بشده ووعى.. اللغة سلاح ناعم أكثر أهمية وقوة وتأثير من الأسلحة الخشنة والنارية، ولكى تبنى شعبا وفق أفكار ورؤى وتوجهات نحو المستقبل، فلا سبيل لديك إلا اللغة التى تحول العاطفة الخام والمشاعر الكامنة إلى هواء نتنفسه مع كل كلمة ننطق بها ونسمعها.. ومن الغريب والذى يدعو أحيانا للدهشة والاستغراب أن تدهور حال اللغة العربية فى مؤسسات التعليم خلال الثلاثين عاما الأخير كان ولايزال مواكبا لظاهرة «التأسلم» أو أسلمة المجتمع من خلال تنظيمات وجماعات عملت فى الغالب خارج دواليب الدولة. ومصدر الدهشة أن ظاهرة التأسلم أو الأسلمة يفترض أن يكون سلاحها اللغة العربية التى هى لغة القرآن، لكن ما حدث أن التغريب والانحدار اللغوى كان العامل المصاحب بقوة لسنوات التأسلم تلك والمستمرة بأشكال مختلفة حتى اليوم..

الضعف اللغوى انعكس على كل عمليات الابداع أدبا ومسرحا وصحافة وسينما وراديو وغناء. مهم جدا أن ننتبه لخطورة الانتحار اللغوى، ومهم جدا أن نسلم معا بأن اكتساب اللغات الأجنبية ضرورة عصر لا غنى عنها، ولكن من دون اللغة القومية فإن ما يحدث الآن هو استعمار بدون مستعمر يرقى إلى مستوى الخيانة لأنه يحمل فى طياته تهديدا مباشرا لأبسط معانى الأمن القومى.