رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

فى عصور الفراعنة كان الابن يرث مهنة أبيه فى الغالب، وكان من الممكن لأى شاب يتحلى بموهبة أن يحتل مكاناً أرفع مما وصل إليه والده، وتشير نصوص تعود إلى عصر الأسرة 18 إلى تفاخر البعض بكفاحهم، وأنهم بدأوا السلم الوظيفى من بدايته «دون تأثير من أقارب أو التفاخر بأنه من أسرة بسيطة، ولم يكن من أصحاب الجاه فى مدينته».

كان المجتمع المصرى قديماً على قدر كبير من التراتبية الطبقية، تتمثل نخبته فى مجموعة من علية القوم والمتعلمين والمنتسبين إلى الملك الحاكم، ثم تأتى طبقة المهن والحرف، الطبقة الوسطى فى المجتمع، التى تزاول عملها فى بيئة حضرية فى أغلب الأحوال وفى ظل نظام إدارى. كانت الأعمال الحرفية الأكثر استقراراً فى البلاد، وتخضع لنظام دقيق يحكمها، وتشير النصوص المصرية القديمة إلى أن حياة العمال والحرفيين كانت أكثر يسراً مقارنة بالفلاحين.

كان العمال من قدماء المصريين يتسلمون بصفة منتظمة أجورهم عيناً، وكانت المخازن يتم ملؤها بجميع الفطائر واللحوم والكعك ليأكلها العمال، وكميات من أنواع العطور ليعطروا بها رؤوسهم كل عشرة أيام، وصنادل ينتعلونها كل يوم، وملابس يلبسونها طوال العام، وكان عصر الرعامسة يوفر للعمال رجالاً يحضرون لهم الطيور والأسماك، وآخرين يحسبون لهم مستحقاتهم، كما تم تشييد ورشة فخار تصنع الأوانى الفخارية ليظل الماء الذى يشربه العمال صافياً فى الصيف.

كانت وصية الحاكم للعمال كالآتى «اجتهد فى كل وقت، افعل أكثر مما هو مطلوب منك، لا تضيع الوقت إذا كانت قادراً على العمل، مكروه كل من يسيء اغتنام وقته، لا تهدر فرصة تعزز ثروة بيتك، فالعمل يأتى بالثروة، والثروة لا تدوم إذا هجرت العمل».

وعرفت مصر القديمة تكريم العمال من جانب بعض الشخصيات، ومثال ذلك مدير ضيعة يعرف باسم «منى»، من عصر الأسرة الرابعة، يقول فى نص: «إنه كافأ بسخاء كل من ساهم فى بنائها، سواء كان فناناً أو قاطع أحجار، لقد أعطيت كل شخص مكافأته»، ويؤكد أحد القضاة، من عصر الأسرة الخامسة نفس المفهوم فى نص آخر يشير إلى احترام طبقة العمال كما يلي: «جميع من عملوا فى هذه المقبرة نالوا أجورهم بالكامل من خبز وجعة وملابس وزيت وقمح بكميات كبيرة، كما أننى لم أكره أحداً على العمل».

كان الملك «أمنتحب الأول» أول من ابتكر فكرة تكوين طائفة خاصة من العمال والفنانين، وتشير الوثائق إلى أن هؤلاء العمال كانوا يعملون تحت مراقبة سلطة الوزير المكلف بإمدادهم بالأدوات اللازمة للعمل، كما كانت الدولة مكلفة بإمدادهم بالمواد الغذائية، وكان العمال يتم تقسيمهم إلى قسمين، كل قسم يخضع لسلطة رئيس عمال يحمل كل منهما «لقب كبير الفرقة أو المجموعة». وتشير وثيقة مؤرخة فى العام الأربعين من حكم الملك رمسيس الثانى، محفوظة فى المتحف البريطانى، كتب عليها رئيس العمال أسماء عماله، وأمام كل عامل عدد الأيام التى تغيبها عن العمل، وأعذار التخلف عن العمل بالمداد الأحمر، وكذا التأخير عن نوبة العمل، وكان من بين الأسباب «المرض بعدوى أو لدغة عقرب، أو بسبب تقديم القرابين للآلهة، كما كان انحراف مزاج الزوجة سبباً أحياناً فى تخلف العامل عن نوبة عمله، أو قيامه ببعض الأعمال المنزلية».

كانت الدولة القديمة تمد العمال وأسرهم بحصص تموينية تعرف بنظام «الجرايات»، وكان أجرهم يدفع عيناً فى هيئة مواد غذائية تصرف من مخازن الدولة شهرياً كالقمح والشعير والأسماك والخضروات وماء الشرب، بالإضافة إلى حوافز الاجتهاد فى العمل وتضم البلح والجعة.

وعرفت مصر القديمة أول ثورة اجتماعية فى تاريخ الإنسانية التى حدثت فى عهد الملك بيبى الثانى، «الأسرة السادسة» بعد أن بلغ من العمر 94 عاماً، وازداد ضعفه تاركاً السلطة لحفنة من أفراد الجهاز الإدارى الطامحين للسلطة، وسلطت مصادر أدبية الضوء على هذه الثورة، وعلى ما أصاب البلاد من فوضى وفساد أدى إلى سقوط الأسرة السادسة، وانهيار طبقات المجتمع بما فى ذلك طبقة العمال الذين فقدوا سبل الرزق وتفشت البطالة.

ولم يعد الناس يحرثون الحقول، وهجموا على مخازن الحكومة وسرقوها، واعتدوا على مقابر الملوك. وصب الشعب غضبه على الأغنياء فنهبوا القصور وأحرقوها.. اختفت البسمة، لا أحد يبتسم، واختلطت الشكوى التى تعم البلاد بالنحيب، كما تعطلت الزراعة، وفاض النيل ولا يوجد أحد يحرث من أجل نفسه، وشحت الحبوب وتأثرت الصناعة: «أصبح الصناع لا يعملون، ودمر أعداء البلاد فنونها»!