رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

دأب بعض المصريين على ترديد عبارة «مفيش فايدة»، أصبحت العبارة تتردد فى المواصلات والشوارع والسوبر ماركت وفى أماكن العمل بمناسبة ودون مناسبة، وغالباً يقولها البعض إذا ما انتابهم شعور باليأس، وتغير الأحوال، وظهور المشاكل الحياتية، عندما يفشل البعض فى حلها، الغريب أن الذين توقفت محاولاتهم وجهودهم عن حل مشاكلهم ينسبون كلامهم إلى الزعيم سعد زغلول عندما ينتهى أحدهم من نطق مفيش فايدة تعبيرا عن مشكلته يتبعها بقوله: كما قال سعد زغلول. حتى الدراما التليفزيونية استخدمت هذا التعبير فوجدناه فى فيلم «ابن الناظر»، وفى فيلم اسمه «مفيش فايدة» الذى يتناول قضية موظف يتعرض لمشكلات عديدة فى حياته لاعتقاده أن ثراءه يمكن أن يسبب له كل الصعوبات التى يواجهها إلا أنه يكتشف فى النهاية أن الأموال ليست هى طريق السعادة.

من حق كل شخص أن يعبر عن مشكلته بالطريقة التى تعجبه ولكن ليس من حق أحد أن ينسب فشله وإخفاقه أو عدم طموحه وكسله وانسحابه من المجتمع أو عدم رغبته فى البحث الجاد عن حل لمشاكله واستسلامه لها إلى عبارة نسبت لزعيم الوفد قائد ثورة الاستقلال عن الاحتلال الانجليزى فى ثورة عام 1919، الزعيم سعد زغلول، ويلوكها البعض على ألسنتهم عمال على بطال يأساً أو تهكماً، ولا يكتفى بالتعبير عن أزمته ولكنه يصر على اقترانها باسم سعد زغلول، وكأن الزعيم لم يقل من العبارات التى سجلها التاريخ غير «مفيش فايدة» المشكوك فى ذكره لها.

فقد قال سعد باشا زغلول «إن الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية»، ومن أقواله: «نحن لسنا محتاجين إلى كثير من العلم، ولكننا محتاجون إلى كثير من الأخلاق الفاضلة»، وقال: «الحق فوق القوة، والأمة فوق الحكومة». وقال زعيم الأمة أيضا: «أنا لا أستخدم نفوذ أى اسم كان للحصول على أية غاية كانت». وقال الزعيم عن الحرية: «هى عالم من الإبداع، الحرية للكثيرين منا مثل الهواء، فإن ضاعت اختنق ومات وفقد حياته وكل ما بها». كما قال «نحن نحب الحرية، ولكن نحب أكثر منها أن تستعمل فى موضعها».

سعد زغلول من أشهر الشخصيات المصرية التى حفرت اسمها من نور فى تاريخ عظماء مصر، كانت حياته حافلة بالجهاد والمواقف القوية حتى نالت مصر استقلالها عن الاحتلال الانجليزي. أما عبارة «مفيش فايدة» المنسوبة له، فلها عدة تفسيرات، منها أنه لم يقلها، أما التفسيرات الأخرى، فإنه قالها ويقصد بها الوضع السياسى فى مصر فى مجمله، بسبب طريقة التعامل الاستعمارى معه أثناء مفاوضاته بعد ثورة 1919 ضمن تعاملاته مع المندوب السامى البريطاني، وأدرك أن الكلام مع الاستعماريين لن يأتى بجديد، وكأنه يحدث نفسه، وهذا التفسير مشكوك فيه لأنه لم يعرف سعد زغلول اليأس فى حياته خلال نضاله ضد الاحتلال. أما الرواية الأقرب للتصديق ويروجها مؤرخون هى أن عبارة «مفيش فايدة» قالها سعد زغلول لزوجته السيدة صفية زغلول عندما قدمت له الدواء قبل لحظات من وفاته، فقال لها هذه العبارة لشعوره بقرب أجله، وطلب منها ألا تعطيه مزيدا من الدواء لأنه لن يأتى بأى نتيجة. ولكن طرح بعض المؤرخين أنه إذا قيلت هذه العبارة فى لحظة خصوصية بين رجل وزوجته فكيف انتقلت هذه الكلمة إلى المصريين، وقال الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين فى كتابه: «أيام لها تاريخ»، إن «سعد» عندما أدركه الموت، كانت آخر كلماته أنا انتهيت. فى حين قال الكاتب الصحفى حافظ محمود فى إحدى مقالاته بعد توليه رئاسة تحرير جريدة «السياسة الأسبوعية» إن السيدة صفية زغلول أكدت له واقعة قول الزعيم مفيش فايدة عندما كانت تعطيه الدواء وشعوره بدنو أجله، وقال حافظ محمود فى مقاله: إن فقدان الأمل فى قضية مصر لم يتسلل أبدا إلى الزعيم الجليل، زعيم الأمة سعد زغلول.

الخلاف حول المقولة التاريخية مفيش فايدة لا ينتهي، ومازالت عالقة فى الأذهان رغم مرور قرابة مائة عام عليها، وأصبح كل من يمر بمشكلة ولا يجد لها حلا يردد مفيش فايدة وينسبها إلى زعيم الأزمة، مما يستدعى قيام المؤرخين بإعادة تحقيق هذه الواقعة التاريخية المغلوطة.