رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

 

 

 

 

 

عندما كنت فى ألمانيا كان موعد وصولنا آخر النهار، بعد الحجز فى فندق الإقامة، توجهنا إلى إحدى أسواق برلين، فلم نجد شيئاً يباع، وفى صباح اليوم التالى، وجدنا السوق مكتظة بكل أنواع الفاكهة والخضراوات والخبز، وكل ما يحتاجه البيت، أعطانا مندوب السفارة المصرية فكرة عن السوق فى ألمانيا بأن الخبز يتم طرحه للبيع فى الصباح الباكر حتى وقت الظهر بسعر مرتفع وهو السعر الذى يتحمله القادرون، وبعد الظهر يباع بسعر يصل إلى النصف لباقى الطبقات، وفى آخر النهار يتم جمع الخبز عن طريق البلدية، ولا يتم السماح باستخدامه لطعام الإنسان!

فى سوق الفاكهة، وجدنا أن كل صنف يباع بالواحدة، يعنى يمكنك أن نشترى من البائع واحدة موز وتفاحة واحدة، وكذلك المانجو والبرتقال واليوسفى وشريحة بطيخ، وتستطيع أن تشترى عن طريق الميزان، فالميزان الإلكترونى يقدر لك ثمن ما وضعته على الكفة، فلك حرية الاختيار، لا أحد من الباعة أو حتى الزبائن أو المتفرجين ينظر إليك فى وضع التنمر أو الاستهجان أو مط الشفاة على أنك غير قادر، فأنت حر عندما تجوب السوق من أولها لآخرها، وتخرج منه بشريحتى بطيخ، واحدة لك والأخرى للمدام أو أحد الأبناء، وتحصل عليهما ملفوفتين فى ورق سلوفان، وطبعًا بسعر زهيد جداً!

هذا النظام الألمانى فى البيع بالأسواق وأعتقد أنه مطبق فى كل أوروبا، نظام اقتصادى جدًا، يوفر فى ميزانية الأسرة، ويجعلك تحصل على كل ما تحتاج إليه من فاكهة فرادى ومن كافة الأنواع، ليأكل كل فرد ما يحتاج إليه كما يوفر جميع أنواع الفاكهة المعروضة فى السوق لتلبية احتياجات باقى المترددين لشراء الفاكهة، مما يحد من الاستيراد إذا كان المطروح مستوردًا، أو يوفر المحصول فى المزارع إذا كان من إنتاج البلد ليعطى الفرصة للتصدير، كما يشجع على الاقتصاد، ويجعل المجتمع غير استهلاكى، ويتم تطبيق هذا السلوك على كافة المواد الاستهلاكية مثل اللحوم والمواد التموينية كالسكر والزيت والخضراوات والفراخ والأسماك، عندما تحصل الأسرة على احتياجاتها فقط.

بعد مرور سنوات عديدة على معايشتى لتجربة ونموذج البيع والشراء فى ألمانيا، وأنا أحلم بتطبيقه فى أسواقنا المصرية، وكان هذا الحلم يواجه بالفرض بل بالمستحيل، ويتضح ذلك من استقبال بائع الفاكهة أو الخضراوات أو أى بائع لأى شىء لزبائنه، حتى ولو كنت فى سوق شعبية، وهيئتك لا تدل على أنك قادر على شراء ما يتوقعه أو يتعشم فيه البائع، إلا أن البائع يقابلك بكل الكيلوات الحديد التى يضعها فوق مسرح العمليات أو معرض الفاكهة، فإذا طلبت نوعاً من الفاكهة الشعبية وكان سعر الكيلو 12 جنيهاً وطلبت شراء كيلو يفاجئك البائع بقوله خليهم كيلو وربع بـ15 جنيهًا، وتضطر للقبول رغم أنك محتاج الثلاثة جنيهات لشراء خبز أو ركوب مواصلة، وأحياناً تجد البائع يقول لك ما تخليهم 2 كيلو وإذا طلبت 2 كيلو يقول خليهم ثلاثة ويا ويلك وسواد ليلك لو وضعت يدك فى المشنة لتنتقى الثمار يفاجئك مفيش نقاوة، عاجبك التعبئة ودائماً يضع عينه على الثمرة التالفة، وتضطر للقبول.

ثقافة الاستهلاك عادة يشارك فيها كافة المجتمع وتبدأ من طمع البائع وإحراج المستهلك، فتضطر إلى ترك ما تشتريه حتى يبوظ وترميه للزبال، ونفضى الأسواق والمحلات من كل ما يتم بيعه ونضطر للاستيراد، ونلعن الحكومة التى لم تف باحتياجاتنا.

حاليا قرأت عن تجربة بدأت تنتشر فى محافظة قنا، ودائماً قنا محافظة سباقة، يقوم بعض بائعى الفاكهة بوضع ثلاثة أو أربع ثمار فاكهة مختلفة فى طبق من الفل المغطى بالبلاستيك وطرحه للبيع بسعر قليل جدًا، خاصة للأطفال بديلاً للشبيسى والأندومى الذى يصيب بالأمراض، أشجع هؤلاء التجار عن الاستمرار وأدعو أن يحذو الباقون فى كل المحافظات حذوهم، وأتوقع أن تنتقل إلينا من أوروبا ثقافة شراء موزة واحدة وشريحة بطيخة واحدة، أنا حر فيما أشترى على قد فلوسى، وأنصح وزارة التربية والتعليم أن تقيم هذه التجربة بأن توزع أطباق الفاكهة على التلاميذ بدلاً من الوجبة الغذائية التى تصيب بالتسمم، فكرة جيدة، قابلة للتحقيق ومضمونة، لنقول بعدها وداعاً للاستهلاك الترفى!