رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

 

 

بمناسبة الذكرى السادسة عشرة لرحيل نجيب محفوظ التى تحل غدًا 30 أغسطس، تذكرت حوارًا قديمًا أعلن فيه صاحب نوبل بأسى (أما المال، فأصارحك أنى لم أصل حتى اليوم إلى مرتب يكفى ضرورات الحياة، وكل شهر أسدد بقية التزاماتى من الخارج... من أجر نشر الكتب والقصص ومكافآت الإذاعة ونحوها).

أجرى هذا الحوار فؤاد دوارة ونشرته مجلة الكاتب فى يناير 1963، أى ونجيب محفوظ قد تجاوز عامه الحادى والخمسين (مولود فى 11 ديسمبر 1911)، حيث احتل منصبًا مرموقا فى وزارة الثقافة آنذاك، أظن أنه كان مدير عام، ومع ذلك، فمرتبه لا يكفى، ولم يكن يعول سوى طفلتيه وأمهما، والتعليم فى ذلك الوقت كان بالمجان، وبالتالى فلن ينفق نصف مرتبه فى تعليم ابنتيه كما يحدث الآن، فانظر كيف تعاملت الحكومات المتعاقبة مع موظفيها الكبار، فما بالك بالموظف الصغير!

وفقا لهذا الحوار الذى أعادت نشره جريدة الرأى الأردنية فى 8 ديسمبر 2006، فإن محفوظ يواصل بث قلقه من قلة الدخل موضحًا لمحاوره فؤاد دوارة: (الحالة مستورة والحمد لله، ولكنى لا أستطيع أن أتخلص من ذلك الإحساس بالقلق، إذ ماذا سيحدث لو لم تأت هذه التكميلات غير المنظورة وغير المضمونة)، وهو يقصد ما يتحصل عليه نظير تحويل رواياته إلى أعمال سينمائية وإذاعية ومسرحية!

لم يكن نجيب محفوظ هو الوحيد الذى يعانى من ضعف مرتبه، على الرغم من منصبه الكبير، إذ أذكر أننى التقيت الدكتور لويس عوض (1915/ 1990) فى مقر نقابة الصحفيين القديم مطلع 1989، أى بعد فوز محفوظ بجائزة نوبل. ساعتها كنت من الحريصين على التهام مقاله الأسبوعى كل ثلاثاء فى الأهرام، فلما وجدته فجأة أمامى، ينتظر افتتاح أحد المعارض فى مقر النقابة، أسرعت نحوه، واصطحبته إلى إحدى الغرف ليستريح حتى موعد الافتتاح. كان الوهن قد هدّ منه الحيل، ومضيت أسأله عن مقالاته العظيمة الثرية، وكيف يتذكر كل هذه المعلومات والأرقام التى يوردها فى كتاباته، فابتسم، وأخرج من جيب جاكت بدلته كتابًا صغيرًا بالفرنسية، وقال لى وهو يرفعه نحوي: (الذاكرة خوّانة يا بنيّ، لا بد من الاعتماد على الكتب والمراجع)، ثم ألقى فى وجهى شكواه المرة: (ولكن كل ما نكتبه لا يعود علينا بما يكفينا من مال)، فتعجبت وسألته: (كيف يا دكتور؟)، فأجاب: (كل الأدباء والمفكرين يكابدون أوضاعًا مالية عسيرة، مهما علت مناصبهم الحكومية، حتى نجيب محفوظ نفسه، ولولا جائزة نوبل التى تحصل عليها مؤخرًا لظل معنا فى زمرة المعذبين فى الأرض على حد قول طه حسين)، ثم ضحك من فرط المأساة!

بعد ذلك بسنوات طويلة، وفى أكتوبر 2005 قصصت هذه الواقعة على الأستاذ رجاء النقاش (1934/ 2008) ونحن نتناول عشاءنا فى أحد مطاعم دبى، فأبدى تأييده الشديد لما قاله الدكتور لويس عوض، ثم قال لى بعبارة موجعة: (الدولة المصرية قاسية على مبدعيها يا ناصر)، ثم أكمل متمنيًا: (كم مبدعا حقيقيا فى مصر؟ خمسة آلاف... عشرة آلاف... عشرين ألفا... ما المشكلة فى أن توفر لهم الدولة حياة كريمة لائقة تساعدهم على مواصلة الإبداع دون منغصات؟)!

المثير للحزن أن الغالبية العظمى من مبدعى مصر، وما أكثرهم وأنقاهم، يتعثرون فى حياتهم اليومية بسبب قلة الدخل الشهرى، خاصة أولئك الذين بلغوا سن التقاعد، ومن أسف فإن معاش الفنان التشكيلى 75 جنيهًا فقط، (نعم خمسة وسبعين جنيهًا)، ومعاش عضو اتحاد الكتاب 400 جنيه فقط، (أربعمائة جنيه فقط)، فهل هذا معقول؟.

فى القرن الماضى، وقبل 60 عامًا، أطلق نجيب محفوظ شكواه من قلة مرتبه، ويبدو أن أبناء محفوظ وأحفاده ستعذبهم الشكوى نفسها فى القرن الحالي!