كاريزما
الرجل القدوة عرفته منذ ما يقرب من أربعين عاما.. كنت طالبا فى السنة الثانية فى كلية الهندسة.. وكنت أزور مجلة صباح الخير اسبوعيا لتقديم قصائدى لاستاذى الكبير الشاعر الراحل فؤاد حداد.. وكنت أنتظر حضوره فى أحد الأيام فسألنى الكاتب الكبير منير عامر ولم أكن أعرفه. قال لى: انت سنك كام سنة.. فقلت له تسعة عشر عامًا.. فقال لى هل تسمع برنامج (تحت العشرين).
وأبديت إعجابى الشديد بالبرنامج وعلقت على اكثر من جزء فيه.. وضحك وقال لى بفرح: أنا منير عامر.. وسعدت جدًا.. وسألنى: لمن تأتى فى المجلة فقلت له؛ أنا أكتب شعرا بالفصحى والعامية وأقدمها لاستاذى فؤاد حداد، وقد نشر لى أربع قصائد، وحينما قرأها فوجئت به يقول سأختار أجزاء منها لبرنامج تحت العشرين.
كان هذا أكبر تشجيع لي وأحسست بقدوته مرة أخرى، بعد ان عرف اننى بدأت اكتب اعمالا صحفية وأقدمها إلى الكاتب المستنير أحمد هاشم الشريف.. وكان مسئولا عن تدريب الشباب وقتها.
كان يعلمنى قبل أن اقدم أعمالى وهى عبارة عن تحقيقات صحفية تعتمد على تجميع آراء شخصيات عامة حول قضية تشغل المجتمع، ونبهنى إلى ملحوظة مهمة لن انساها، حين قال لى ابدأ التحقيق الصحفى برأيك انت بصراحة وشجاعة وكن قائدًا لمن تستضيفهم وليس تابعا لهم.
وأعترف ان هذه النصيحة كانت محور حياتى الصحفية، تعلمت منها قيمة القلم والاعتزاز باستمرار بكبرياء الكاتب بداخلى، كان أستاذًا معطاء لا يبخل بمساعدة الأجيال الشابة وكم افتخرت اننى كنت تلميذًا له..
أتحدى ان يوجد نموذج مثل هذا الرجل فى يومنا هذا. هو مزيج من الكاتب الصحفى الكبير والمعلم المتواضع الذى يثرى بحواره الممتلئ بكم كبير من الثقافة والخبرة -كل الحضور حوله.
كان منير عامر يجيد اكثر من لغة، وقد ترجم مجموعة من الكتب منها (فن الحياة مع مراهق)، تأليف بنيامين سبوك.
كما ترجم له أيضا كتاب (تربية الأبناء فى الزمن الصعب)، ولكن هناك مئات المقالات التى لم يضمها كتاب. أتمنى ان نراها قريبا فى كتب.. لأن كتاباته كان لها رؤية خاصة تجمع بين العمق الأدبى والتحليل النفسى لأى ظاهرة، هذه الكتابات نفتقدها فى زمننا الذى فقدنا فيه معانى الأشياء.. وبالتالى أصبحت الأشكال الاعلامية معوقات لوظيفة الفكر وليست داعمة.
رحم الله استاذى الفاضل الذى شاءت الاقدار ان أكون تلميذه بالمصادفة.. ولكنها أحلى الأقدار!
Nader nashed 7777a gamail com