رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

يستلهم الفنانون أعمالهم من واقع الحياة اليومية بكل ما فيها من أحداث وحوادث، لنراها أو نسمعها أو نقرأها فى صورة فيلم، أو، أغنية أو رواية.. وهكذا كل الفنون تأخذ من الواقع وتقوم بإنتاجه مرة أخرى بالتبسيط أو التفكيك، أو إعادة تركيبه، وكذلك تضخيمه بشكل مبالغ فيه، وبشكل جمالى حتى يمكن شد انتباه الناس ولفت نظرهم لما يعيشونه.. ولكن عندما تصير أحداث الواقع أضخم بكثير مما يتصوره خيال المبدع، هنا يعيش الناس حياتهم وكأنهم فى فيلم سينمائى!

وكانت الجريمة دائمًا تستهوى السينمائيين لصناعة أفلام مضمونة المكسب لإقبال المتفرج عليها لما فيها من إثارة وتشويق، ولأن نهاية هذه الأفلام عادة ينتصر فيها الخير ويتم معاقبة الأشرار وذلك يرضى المتفرج ويشبع رغبته فى الانتقام على الأقل سينمائيًا من الأشرار الذين ينغصون عليه حياته ولا يستطيع الانتقام منهم فى الواقع!

ويلعب الخيال دورًا كبيرًا فى صناعة مثل هذه النوعية من الأفلام، لتقديم قصة محبوكة ومثيرة، حيث من الصعب على الفنان تقديم الواقع كما هو فلا بد من بعض الخيال.. ولكن عندما يفوق ما يجرى فى الواقع سقف أو حدود كل خيال هنا يعجز الفن عن تجاوزه.. ففى الجرائم الأخيرة التى جرت مثل ذبح الطالبة فى الشارع، وقيام أم بذبح أطفالها الثلاثة.. وأخيرًا جريمة المستشار الذى وصل إلى درجة قاضٍ يعنى يعرف القانون أكثر عشر مرات من أى شخص آخر، ورغم ذلك يرتكب جريمة بشعة باستدراج زوجته ويقتلها ويشوه وجهها ويدفنها فى مزرعة.. والعديد من الجرائم التى لا يمكن أن تأتى على بال ولا فى خيال أعظم مؤلف!

وإذا كانت أفلام الخيال العلمى تحاول أن تقدم صورة للمستقبل، بينما الأفلام الواقعية تقترب من حياة الناس اليومية وتقدمها بصورة فيها الكثير من الإضافات الخيالية.. ولكن فى مصر تعجز الأفلام عن ملاحقة خيال الواقع بعد أن فاقت حوادثه وأحداثه كل خيال ممكن أو غير ممكن.. وإن كان ذلك غريبًا ولكنه يؤكد حقيقة أن السينما، أو الفنون عمومًا لم تكون يومًا سببًا فى انتشار الجريمة أو الفسق والفجور أو التفاهة كما يدعى البعض عندما يقررون فرض الوصاية على الفن، ويشهرون سلاح المنع والرقابة على وجه كل فنان!

وأتذكر فيلم «ريش» للمخرج عمر الزهيرى الذى أثار عند عرضه فى مهرجان الجونة استياء عدد من الممثلين والمخرجين، للأسف، وهاجموه بعنف بدعوى إنه «يسيء لسمعة مصر».. ومن وجهة نظرهم أن الفيلم خيالى وليس واقعياً، وأن الواقع أجمل من الخيال، وارتفعت الأصوات بمنعه من العرض و.. و.. نفس الشيء مع أغانى المهرجانات قالوا عنها إنها تعكر الذوق العام وتكدر السلم والنظام الاجتماعى وتفسد أخلاق الشباب.. وشوية شوية كادوا يقولون إنها تمس ثوابت الدين.. وقاموا بمنعهم من الغناء.. حدث ذلك مع العشرات من الأفلام والاغانى والكتب بحجة إنها تحرض على الاسفاف الانحطاط والعنف.. لنكتشف أن كل ذلك موجود فى الواقع لدرجة إنه يفوق خيال كل مؤلف لأسباب أخرى.. لا علاقة لها بالفن ولكن لها علاقة بالمنع!

[email protected]