رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقي

 

 

عندما أطالع صفحات العديد من الكًتّاب والمثقفين فى الفيسبوك، أتساءل أحيانا: كيف كان سيتعامل طه حسين ونجيب محفوظ مع هذا الوافد التكنولوجى العجيب؟ هل سيحرص صاحب (الأيام) على نشر بوستات يومية أم أسبوعية؟ وهل سيخصص صاحب (الحرافيش) وقتا يوميًا لمطالعة ما يكتبه الناس فى فيسبوك؟ ثم كيف سيغدو انطباعه إذا وجد شاعرًا ما أو روائيًا مثله ينشر بوستات بلهجة عامية لا تخلو من ركاكة وابتذال؟

ألن يتذمر طه حسين من أولئك الذين احترفوا مهنة الأدب عندما (يرى) الواحد منهم ينشر بوستات تحتشد بمفردات بذيئة يرددها بعضهم فى حياتهم اليومية، لكن لا نستخدمها عندما نتصدى للكتابة؟ هل سيكتب محفوظ (ماقلتلوش)، وهل سيملى الأستاذ العميد على سكرتيره مقالا يتضمن هذه العبارة: (ليه مارحتش امبارح)؟

الحق.. إن تأمل ما ينشر فى فيسبوك من بوستات، وهى بالآلاف، فى حاجة إلى دراسة معمقة كى نغوص أكثر فى طبيعة النفس البشرية عسى أن نعى تناقضاتها وتحولاتها بشكل أكبر، لكن ما يهمنى أكثر هو الاطلاع على ما يدونه أصحاب المواهب فى صفحاتهم، من روائيين وشعراء وصحفيين، أى أولئك الذين تمثل لهم الكتابة مهنة يومية وحرفة جميلة ساروا فى دروبها طويلا ومازالوا يسيرون. إذ كيف لهؤلاء أن يكتبوا بوستات باللهجة العامية بما تحمل أحيانا من تسطيح أو سذاجة لغوية؟ أليس الشاعر أو الروائى رجلا عشق الفصحى وقرر أن يهبها روحه لتهديه أسرارها، فيبدع ويتألق بتلك اللغة؟

أعلم جيدًا ان ثمة نغمة شائعة تردد أننا يجب أن نبتعد عن الفصحى لأنها (لغة قريش)، تلك اللغة القاسية الخشنة التى نبتت فى الصحراء، بينما نحن فى مصر أبناء حضارة وادى النيل الذين أسسنا لغة خاصة بنا وحدنا، وهى لغة عذبة ناعمة، تلك التى نتحدث بها حاليًا فى حياتنا اليومية وفى أفلامنا ومسلسلاتنا وأغنياتنا، فلم لا نعبر بهذه اللغة فى فيسبوك؟

أظن أنه غاب عن هؤلاء أن (لغة قريش) التى تحدث بها الأقدمون نثرًا وشعرًا لم يبق منها شيء تقريبًا، فلا يوجد أحد الآن قادر على فهم قصيدة لامرئ القيس أو الأعشى أو حسان بن ثابت أو حتى المتنبى دون العودة إلى القاموس ليعى المفردات المهجورة، حتى القرآن الكريم نفسه فى حاجة إلى كتب التفسير لنفهم آيات الله عز وجل، لكن ما نكتبه الآن من فصحى يعد أمرًا مختلفا جذريًا عما سبق. ولنا أن نقدم الشكر الجزيل لطه حسين والذين معه من الكتاب المصريين لما بذلوه من جهد مذهل فى تطوير اللغة العربية فى النصف الأول من القرن العشرين، فمن يطالع أى صحيفة أو كتاب صدر فى القرن التاسع عشر يعتريه العجب، جراء لغته المضطربة ومفرداته الغليظة، فلما جاء طه حسين ورفاقه وثبوا بالنثر وثبة كبرى إلى الأمام، فجعلوه يسيرًا جميلا عذبًا، وتذكر معى كتابات توفيق الحكيم ومحمد التابعى ثم نجيب محفوظ وزكى نجيب محمود وغيرهم من نوابغ مصر وعظمائها.

لكل هذا أتساءل كيف لرجل احترف الكتابة أن يقبل على نفسه أن يكتب كلامًا بالعامية الدارجة الخالية من الحلاوة اللغوية؟ قد يقول أحدهم إن ما يدون فى فيسبوك مجرد كتابة هائمة لا استقرار لها، ولا مستقبل مشرقا فى انتظارها مثلما نكتب الشعر أو الرواية، لكنى أقول: إن فعل الكتابة نفسه أمر (مقدس) لمن استطاع إليه سبيلا، فلماذا تهدر موهبتك وتكتب بالعامية؟ ولا تنسى أن اللغة الفصحى هى اللغة السادسة المعتمدة من قبل الأمم المتحدة، ولا توجد لهجة عامية معتمدة فى أكبر مؤسسة دولية.

حقا... كم كنت أتمنى أن يكون بيننا الآن طه حسين ونجيب محفوظ!