عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

فجأة رغم متغيرات عديدة تشير إلى صعوبة إتمام مثل هذه الخطوة أعلنت أديس أبابا على لسان رئيس وزرائها آبى أحمد عن تشغيل جزئى لعملية توليد الكهرباء من السد، وهى خطوة تثير الكثير من التساؤلات بشأن أبعاد الإقدام عليها رغم هزليتها، فوفقا لما ذكرته وسائل إعلام إثيوبية رسمية فإن كمية ما سيتم توليده من كهرباء سيصل 375 ميغاوات من الكهرباء من أحد توربينات السد. ويعنى ذلك أن ما تم توليده هو نسبة ضئيلة تبلغ أقل من 5% من المخطط له، وأن الأمر ما زال فى بدايته. ويتضح هزل هذا الرقم إذا علمنا أن المشروع يستهدف إنتاج أكثر من 5 آلاف ميجاوات من الكهرباء، وهو ما يقدر بأكثر مرتين من إنتاج إثيوبيا بكاملها من الكهرباء.

مؤدى ما سبق أن العملية تأخذ الطابع الرمزى الذى يشير إلى أن لها أهدافا تتجاوز عملية التشغيل أو العائد الفعلى من عملية التشغيل. وفى تقديرى أن آبى أحمد ربما يهدف من تلك الخطوة إلى تعزيز وضعه الداخلى بالإيحاء بتجاوز أزمة الحرب الأهلية المشتعلة فى بلاده منذ نوفمبر قبل الماضى، ونقل الاهتمام الشعبى من مستوى مآسى تلك الحرب إلى ملف يلهب خيال وحماس الإثيوبيين وهو السد الذى تتزايد المساعى للتأكيد على كونه مشروعا قوميا للبلاد.

فضلا عن ذلك وفى الإطار ذاته، فإن هذه الخطوة تستهدف توجيه رسالة للعالم باستعادة اثيوبيا لاستقرارها وتغيير الصورة السائدة بأنها تواجه صراعا داخليا مريرا يهدد بتفكيكها، الأمر الذى ربما يساعد على مزيد من التدفق للاستثمارات إليها وتشجيع الأطراف الممولة للسد على مواصلة دورهم.

وربما تكون الرسالة الأهم، إن لم يكن من المؤكد أنها كذلك هى تلك التى تريد توجيهها إلى مصر بالذات والسودان إلى حد كبير، بأنها ماضية فى خططها بشأن إنشاء وتشغيل السد بشكل أحادى، ضاربة عرض الحائط بكل ما يثار بشأن الترتيبات المشتركة وضرورة مشاركة دول المصب فى تحديد ظروف وأوضاع عملية التشغيل، وهذا هو الشق الأهم فى الأمر.

يطرح ذلك العديد من التساؤلات بشأن أبعاد الموقف المصرى ورد الفعل الواجب اتخاذه تحاشيا لتحول عملية إنشاء السد وتشغيله إلى أمر واقع لا بد للقاهرة أن تقبل به بغض النظر عن تأثيراته الكارثية على احتياجات مصر المائية.

حسنا فعلت الخارجية المصرية بتأكيدها فى تعقيب على هذه الخطوة أنها تعد إمعانا من الجانب الإثيوبى فى خرق التزاماته بمقتضى اتفاق إعلان المبادئ لسنة ٢٠١٥، رغم ما فى هذا الرد من نبرة هادئة تعكس قدرا من «الروتنة» وأداء الواجب، وهو رد ربما له ما يبرره فى ضوء حقيقة أن الخلاف ليس حول توليد الكهرباء من السد وإنما يتمحور حول تدفق المياه إلى دولتى المصب ودون تأثر أو نقصان بعملية إنشاء السد، بل إن عملية توليد الكهرباء ستلتزم اطلاق جزء من المياه المخزنة فى السد لتصب لدى السودان ومصر.

ربما يكون من التزيد أو المبالغة ومنح إثيوبيا وضعا أكبر من قدرها فى التخطيط السياسى للحدث الإشارة إلى أنها قد تكون استغلت انشغال العالم بالأزمة الحاصلة فى أوكرانيا لكى تمرر هذه الخطوة فى هدوء ودون أن يكون هناك مجال لمصر والسودان لإثارة الجلبة بشأنها، غير أن تطورات تلك الأزمة ذاتها – أزمة أوكرانيا– وكما أكد صاحب هذه السطور أكثر من مرة ومنذ بدء الأزمة منذ سنوات، تقدم درسا بليغا يجب الاستفادة منه، وهو أن العالم الآن وربما منذ أن شهدت البشرية فكرة الاجتماع الإنسانى، لا يعرف لغة فى التعامل سوى لغة القوة! نقول ذلك ونحن ندرك أن عملية توليد الكهرباء تعتبر أقل حالات الأزمة إثارة للتوتر، وأن النهج الإثيوبى اذا استمر على ما هو عليه سيزيد الموقف اشتعالا فى ضوء حقيقة أن مصر لن تقبل أى مساس بحقوقها المائية!

[email protected],com