رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

فى إجازة نهاية الأسبوع، عندما تجلس فى المساء الشتوى البارد مسترخيًا متدثرًا بمن حولك من أسرتك أو الجدران، مع رشفات الشاى الساخن، التقط قلمًا وورقة، ودون بها فى بساطة الآتى، كم أمراً معقداً بيروقراطياً مررت به هذا الأسبوع لتقضى مصالحك، كم مشكلة تعرضت لها، كم أمراً استفزك من فسدة حولك -عينى عينك- بذلت جهدك وأعصابك وحنجرتك للتصدى لهم لنيل حقك المفترض، ثم اضطررت إلى دفع رشوة تحت مسميات عبثية كالإكرامية، الشاى، الحلاوة، الأتعاب، لمجرد الحصول على حقك، فشعرت بالغصة والغضب لدرجة الكراهية، وحمدت الله أنك لا تملك سلاحًا ودفعك شيطان غضبك لتفرغه فى رؤوس هؤلاء، لتنظف منهم المجتمع والدنيا حولك.

دون فى ورقتك كم صرخة صرختها وأنت تشاهد برامج التلفاز، أو تقرأ الصحف، أو تتابع السوشيال ميديا، وصرخت... غلط، كده غلط، ليس من حق هذا الشخص المنصب الذى اعتلاه، ولا من حق هذا شهادة الدكتوراه التى سرق مادتها أو كتبها له غيره، وليس من حق هذا التكريم الذى يناله، وليس...وليس...وليس، وأن هناك أشخاصاً أولى وأكفأ وأجدر!

ودوّن أيضاً فى الورقة كم «اشتغالة» شتتت انتباهك، وشغلت تفكيرك من تفجير قضايا هلامية، أو فضائح جنسية، أو تسريبات لمكالمات وجلسات من هنا وهناك، وستجد أن الكم الذى تتعرض له فى كل هذا بشع ومريع، أنت مطحون فى البيروقراطية لقضاء مصالحك، أنت غاضب معظم الوقت، لأن كل الأوضاع -إلا خمسة- غلط وليست فى نصابها الصحيح، أنت مشغول باقى وقتك فى أحاديثك ودردشتك بقضايا تافهة وفرقعة، أنت فى النهاية حانق على المجتمع، وعلى نفسك، وفاقد الثقة فى كل شىء، والرؤيا فى المستقبل غامضة مظلمة، وحلقات الفساد حولك تتزايد، تخنقك، وتكبل كل طموحك فى إمكانية العيش بمجتمع فاضل، وتكاد تفقد أى أمل فى الخلاص، أنت بدأت تتآكل ذاتيًا، وروحك تنطفئ، ولا وهج مضىء حولك يخبرك بأن الغد قد يكون أفضل، هنا يكون المخطط لهدم الشعب والدولة قد وصل إلى الجزء الأخير، وأكون أنا قد اقتربت من سرد مضمون نهاية تلك المحاضرة الخطيرة لعميل الاستخبارات الروسى «توماس شومان» كيف تهزم أو تهدم دولة دون إطلاق رصاص واحدة» نقلًا عن فلسفة أرساها «صن تزو» الفيلسوف الصينى.

إن مخطط التخريب هدفه النهائى إسقاط الأخلاق، وكما سبق القول فى المقالات الثلاث السابقة، ينفذ المخطط على أربع مراحل زمنية، الأولى تركز على هدم الدين، المرحلة الثانية تكريس الرغبات الاستهلاكية والترفيهية الفارغة، الثالثة التساهل فى هدم الأخلاق، تشويه الأفكار الجيدة البناءة والسخرية منها، الرابعة تفجير الأزمات بتأجيج القضايا غير الهامة فى المجتمع وشغل الرأى العام بها، على التوازى من إعلاء شأن أشخاص ببطولات زائفة، المساعدة فى ظهور أحزاب وهمية وكرتونية ليس لها أى ثقل سياسى أو قيمة مجتمعية، بالإضافة إلى سن تشريعات غير أخلاقية تتعارض تماماً مع قيم وأخلاق المجتمع الأصلية.

كل هذا سيؤدى إلى وجود جماهير جاهلة، غاضبة، مسطحة، فاقدة الثقة فى العدالة والقانون، مهووسة بالموضات، وبالصراعات التافهة التى ترد إليها من الخارج، فيضعف الولاء للوطن، وتتفشى الكراهية، وينتشر التشكيك، وتتنامى لغة الأنا، ويتم إعلاء المصلحة الشخصية على مصلحة الجماعة، أو الوطن، ومع كل هذا يتحول المجتمع إلى ما يشبه القطيع الذى يمكن أن تسوقه أمامك، وتتحكم فى أهوائه، أيديولوجياته، اتجاهاته ككل، وتستهدف محركات التخريب المتمثلة بصورة خاصة فى استقطاب شرائح تبدو متنافرة فى الظاهر، ولكن يجمعها الغضب والرفض، مثل تلك الفئات من المجرمين البسطاء، أو الغاضبين من المثقفين والمتعلمين والكفاءات الذين لا يجدون المكانة التى يستحقونها فى المجتمع، ويتم استقطاب كل هؤلاء، ليكونوا رأس الحربة للتخريب الذاتى، وهكذا تنجح خطة العدو فى هدم أى وطن دون إطلاق رصاصة واحدة.

[email protected]