عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مكنونات الثقافة المصرية:

 

 

 

من أروع ما قرأت فى 2021 كتاب (نظام التفاهة) للفيلسوف الكندى «آلان دونو». الذى يعرض لفكرة مفادها أننا نعيش فترة مختلفة عن فترات التاريخ البشري؛ حيث السلطة بعيدة عن يد من يستطيع التميز فى القيادة، ومبسوطة فى يد التافهين باختلاف درجاتهم ومستوياتهم. ويرى المؤلف أننا نمر اليوم بمرحلة تاريخية لا مثيل لها، تسود فيها سيطرة التافهين على محاور الدولة الحديثة كلها. ولنظام التفاهة هذا رموز تافهة، ولغة تافهة، وشخصيات وأدوات تافهة. أما سر نجاحه فيكمن فى قدرته على إيهام الأفراد بكونهم أحرارًا.

لقد تطور هذا الأمر حتى صار يكتسح جميع المجالات، وصارت التفاهة نظامًا يحتفى به، واستطاع التافهون أن يبنوا عالمًا جديدًا يقتل الإبداع والتميز، ويقنن التفاهة والتخلف. والشخص التافه- طبقًا لرؤية الآن دونو- هو الشخص العادى والمتوسط، الذى لا يلمع فى أى مجال وبلا موهبة.

برزت هذه الظاهرة فى التسعينيات من القرن الماضى، وذلك عند تعميم منطق المصنع فى إدارة كل شيء فى الحياة، فأصبح العامل عبدًا للآله وتابعًا لها، فهو يصنع منتجًا لا يعلم ماهو، مما أسهم فى ظهور خبراء فارغين. ويشير «دونو» إلى أن الروبوتات والخوارزميات هى التى تحرك اقتصادنا اليوم، ولسنا قادرين على استيعاب آلية عملها وسرعتها، لكننا مجبرين على دفع ثمن أخطائها. وفى هذا السياق تُستخدم برامج التثقيف الاقتصادية لتشتيت الناس، ومنعهم من إدراك الفوضى السائدة فى سوق البورصة. فبدلًا من توعية الفرد بشكل حقيقي؛ تهدف هذه البرامج إلى تضليله. هذا الاقتصاد الغبى كما يسميه الكاتب، يغيّب عقولنا ويطحننا بالضرائب، بينما يتغنى بإنتاج الطائرات النفّاثة فائقة السرعة والتكلفة لأصحاب المال ورؤسائه الفاسدين الذين ينهبون الثروات العامة.

عرض «آلان دونو» لخمس شخصيات موجودة فى نظامنا الحالى، هى الشخص «الكسير» وهو الذى يرفض النظام بالانسحاب لا بالتعبير عن رفضه. والشخص «التافه بطبيعته» وهو الذى يصدق نظام التفاهة. أما الشخص الثالث فهو «المتعصب» وهو الباحث عن مكانة عالية ضمن هذا النظام، ويرى أن كل ما يهدد نظام التفاهة هو تهديد له. أما الشخص الرابع فهو «التافه رغما عنه» وهو شخص مجبر، تسخره الواجبات لخدمة نظام التفاهة لبلوغ مواقع اجتماعية عالية. وأخيرًا الشخص الطائش الذى ينتقد هذا النظام، وهو فى الحقيقة يعمل به ويتعايش معه. أن ما طرحه «آلان دونو» من أفكار فى هذا الكتاب، يجعلنا نطرح سؤالًا مهمًا هو: أين يضع كل منا نفسه حسب تصنيف الآن دونو؟ (وللتفاهة بقية)