رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

 

 

 

ما أجمل أن ترى الشاعر الشهير إبراهيم ناجى متجسدًا أمامك، متجسدًا بشحمه ولحمه وزوجته وبناته وعيادته وروشيتاته وخادمه وخط يده وحجم نفقاته وشوقه وتدلهه، ثم افتتانه بشابة جميلة صغيرة اسمها (زازا)، وهو اسم الرواية الوحيدة التى كتبها ناجى، ونشر فصولها على حلقات فى مجلة (القصة) عام 1949.

لقد رحل شاعر (الأطلال) عام 1953 تاركًا خلفه سيرة حياة مترعة بالوقائع والأحداث، الكثير منها طواه النسيان، ولم يصمد أمام جوائح الزمن سوى قصيدته الشهيرة لأن السيدة الأشهر أم كلثوم ترنمت بها فاحتلت بذلك أكرم ركن فى قلب الغناء العربى كله.

ومع ذلك، فالزمن لم يكن شحيحًا مع الرجل وسيرته، إذ منح حفيدته الأستاذة الدكتورة سامية محرز ابنة السيدة أميرة إبراهيم ناجى موهبة كبرى تمثلت فى القدرة على إزاحة غبار النسيان عن حياة الشاعر موفور الصيت وأسراره، ذلك أن الدكتورة سامية تعمل أستاذة للأدب العربى ومديرة مركز دراسات للترجمة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، الأمر الذى عزز لديها الشغف بالبحث والتنقيب عن جدها وحياته وخباياه.

أجل... أثمر هذا البحث الدؤوب عن كتاب بالغ الأهمية والإمتاع صدر مؤخرًا عن دار الشروق تحت عنوان شجي: (إبراهيم ناجى... زيارة حميمة تأخرت كثيرًا)، حيث صدر الكتاب فى 274 صفحة من القطع الكبير، وضم عشرة فصول عناوينها بالترتيب هي: (هو الدكتور ناجى بيعمل إيه عندكوا)، (واحد شارع حسونة النواوي)، (ما تبقى لهم)، (هومة وسومة)، (من ن إلى ع)، (Journal de vie )، (إبراهيم ناجى سوبر ستار)، (صديقى شكسبير)، (طبيب العائلة)، أما الفصل العاشر والأخير فجاء تحت اسم (الوداع).

اللافت أن مؤلفة الكتاب الدكتورة سامية لم تكن تهتم كثيرًا بأنها حفيدة شاعر مرموق ذى حضور مشرق فى الذائقة العربية، بل كانت لا تبالى لوجود صورته المعروفة المعلقة فى صالون بيتهم، فتكتب: (وعيت على الدنيا فى ظل هذه الصورة بأحجامها المختلفة... هى هى فى كل منازل العائلة التى عرفتها: منزل جدتى – أى منزل ناجى بمصر الجديدة، منزل خالتى ضَوْحيّة -لاحظ الاسم الغريب – بشارع الجمهورية، ولاحقا فى كل منازلها بعد أن هاجرت خالتى إلى الولايات المتحدة فى منتصف الستينيات، وبالطبع فى منزل أهلى بالزمالك. ثم أنها نفس الصورة التى طبعت على دواوين ناجى ومعظم الأعمال والمقالات التى كتبت عنه، وحتى فى الكتب المدرسية التى درسناها. الصورة هى هى... تكبر أحيانا وتصغر أحيانا أخرى. صورة رجل لا أعرفه يقولون إنه جدي: حاضر غائب على مدار السنين).

لا عجب ولا غرابة فيما كتبت الحفيدة، فقد ولدت الدكتورة سامية بعد رحيل ناجى بعامين، فلم تعرفه شخصيًا، وإنما تعاملت مع صورة شهيرة تصافحها فى كل بيوت العائلة وفى المدرسة، وأحيانا فى الصحف والمجلات والمكتبات.

نعم... أبحرت الحفيدة فى خضم حياة جدها، ولم تتردد فى الغوص بعيدًا لتصطاد المخبوء والمستور وتعرضه على الملأ، فتعيد رسم بورتريه إنسانى بالغ الرهافة لرجل خفف أوجاع الناس جسديًا وروحيًا، فعالج المرضى حتى آخر لحظة فى حياته، حيث توفى فجأة فى عيادته بشبرا، إذ نشرت الأهرام نعيه فى يوم 23 مارس 1953، وقد أوفد كل من الرئيس اللواء محمد نجيب، والرئيس مصطفى النحاس ممثلا له للمشاركة فى تشييع الجنازة!

كتاب (إبراهيم ناجى... زيارة حميمة تأخرت كثيرًا)... إذا أردته كتابًا فى السيرة الذاتية استجاب لك، وإذا أردته كتابًا فى الأدب استجاب لك، وإذا أردته كتابًا فى التاريخ الاجتماعى الحديث لمصر استجاب لك، وإذا أردته كتابًا عن الزواج والحب والغرام أيضًا استجاب لك، وإذا أردته مؤخرًا كتابًا عن وفاء الزوجة والأبناء استجاب لك.

شكرًا جزيلًا دكتورة سامية ابنة السيدة أميرة إبراهيم ناجى.