عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

 

 

كان أخوه المريض النفسى والمصاب بالصرع يرى فيه المعلم والأستاذ، ورغم أنه لم يكن يفهم كل كلماته الكبيرة الغامضة، إلا أنه استوعب جملة واحدة هى الأخطر على الإطلاق وهى جملة «إن لم يكن الله موجودا، فكل شيء مباح حتى أبشع الجرائم »، نجح الأخ المتعلم الملحد فى أن يسمم اخاه المريض بأفكاره الكافرة، حتى تحول أخوه فى لحظة إلى يد تبطش، تقتل، تسرق، تكذب بكل أريحية، فقتل أباه بوحشية، ولفق التهمة لأخيهم الثالث، وتركه يساق للمشنقة وهو بريء، وعندما أفاق المثقف الملحد فى لحظة مكاشفة ومواجهة مع ضميره، هرول إلى المريض النفسى الذى اصبح مسخًا مسممًا بأفكاره، وصرخ فى وجهه « اعترف بجريمتك، إن الله موجود» لكن الوقت كان قد فات، فقد اقتنع المريض النفسى تمامًا أن الله غير موجود، وكل شيء مباح حتى ابشع الجرائم.

انه مشهد من فيلم « الإخوة الأعداء» المأخوذ عن رواية «الإخوة كارامازوف» للكاتب الروسى «فيودور دوستويفسكي»، فى تصورى أن هذا المشهد الذى أداه الفنان المتميز محيى إسماعيل، هو أروع ما قدمه فى السينما على الإطلاق، ولعب نور الشريف الدور بحرفية، سواء وهو يستقطب اخاه المريض إلى الإلحاد ويقنعه بعدم وجود الله، مما يرخص ارتكاب كل الجرائم لعدم وجود آخرة أو ثواب وعقاب، وأيضا وهو يحاول إيقاظ ضميره، ويقنعه بالنقيض، بأن الله موجود، وانتهى الفيلم بانتحار الأخ المريض النفسى، لينتقم من الجميع، الأب القاسى، الأخ المدلل المستهتر، والأخ الذى لوث عقله وضميره بأكذوبة عدم وجود الله، ومن المجتمع ككل بما فيه من قوانين ونظم اجتماعية قائمة على المادية البحتة والأنانية بعد أن نسى الجميع وجود الله.

وهنا مربط الفرس، إذا أردت تحويل شخص أو مجتمع إلى مجرمين، قتلة فجرة، يستبيحون كل المحرمات بأريحية ودماء باردة، وبالتالى هدم هذا المجتمع تمامًا، اقضِ على العقيدة الدينية، شوهها، غيبها، أوجد لها بدائل فى عقول ونفوس الناس، اشغلهم بتفاهات، بديانات أخرى بعيدة عن العقيدة الإلهية الصحيحة، شتت انتباههم بخلق نماذج وقيادات مشوهة نفسيًا وسلوكيًا تهيمن على المجتمع، وسلط عليها الأضواء، فيفقدوا الثقة فى القيمة الإنسانية، وفى التدين، وفى عدالة الله.

ما أقوله ليس تحليلى الشخصى فقط، بل يتم تدريسه فى دول العالم الكبرى منذ سنوات لكوادر أجهزة الاستخبارات، وللجنرالات والقادة العسكريين، كأيديولوجية للحروب الحديثة، حروب لا تكلف الدول المعتدية مالًا أو سلاحًا أو عتادًا، ولا جهدًا عسكريًّا، لكنها فى نفس الوقت تكون حربًا قوية على البلد المستهدف، وهذه الخطة أو التكتيك اللا عسكرى تدرس تحت عنوان « كيف تهدم وطنًا، وتنتصر على شعبه دون إطلاق رصاصة واحدة أو إراقة نقطة دماء؟ ».

خطة هدم عبر هذا المنهج دولة قد تبدو طويلة، ولكن نتائجها الخطيرة، تأثيرها ممتد لأجيال، على النقيض من هزيمة الدولة عسكريًا، والتى يمكن معها إعادة إعمار الدولة خلال عامين إلى خمسة أعوام على أقصى تقدير، والخطة تستهدف هدم الدين على قمة الهرم داخل المجتمع، وبالتالى إسقاط القيم والأخلاق، ليضيع الصواب، ويسود الخطأ، ويفقد الشعب الثقة فى كل شيء، أى الهدف الأساسى هدم الدين بكل مؤسساته، فتنهار الدولة، ولا يقام لها بنيان مرة أخرى.

وفى محاضرة مطوله ألقاها « توماس شومان» عميل الاستخبارات الروسى السابق على عدد كبير من الطلاب الدارسين للعلوم العسكرية والفنون المعنوية للحروب، تحت عنوان «كيف تهدم وطنًا دون اطلاق رصاصة واحدة»، كشف «شومان» أن الفيلسوف الصينى « صن تزو» صاغ سياسة تخريب أى دولة دون الحاجة إلى القتال على ارض المعركة، فالقتال العسكرى فى فلسفته ضد العدو، اصبح يعطى نتائج عكسية وغير فعالة، لأن الدولة المهزومة بعد انتهاء الحرب، تستمر فى تنفيذ نفس سياستها، ويمكنها نفض آثار الهزيمة، والتفوق على نفسها مجددا، عن طريق وعى شعبها وإرادتهم، ومن هنا جاءت ايدلوجية الحرب الجديدة، فإذا أردت الانتصار الفعلى وهدم دولة العدو للأبد، يجب أن تسعى لتنفيذ سياستك الخاصة بك، وهى عدم القتال على الإطلاق، بل السعى لتخريب كل شيء له قيمة فى بلد العدو و.. للحديث بقية

 

[email protected]