رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقي

 

 

 

هل تعرف كيف حاز طه حسين لقب عميد الأدب العربي؟ ومتى؟ تعالَ أقص عليك نبأ هذا اللقب الذى استحقه الرجل أيما استحقاق، وانتقل معه من قرن إلى آخر منذ أن التصق به عام 1932 وحتى رحيله فى 28 أكتوبر 1973 وإلى الآن، وأظن أن هذا اللقب سيظل مقترنًا بطه حسين إلى الأبد.

أظنك تعلم أن مصر كابدت حكمًا ديكتاتوريًّا ظالمًا فى الفترة من 1930 حتى 1934، إذ كان رئيس الوزراء إسماعيل صدقى باشا يمسك البلد بيد من حديد بالاتفاق مع المستبد الأول الملك فؤاد، فألغى الدستور وعطل الحياة النيابية واعتقل السياسيين، كما أقدم على تأسيس حزب خاص من الكبار الذين لا يعترفون بحقوق الناس وأطلق عليه اسم حزب «الشعب» ليواجه به حزب الأغلبية «الوفد»!

وقد حاول صدقى أن يستقطب طه حسين الشخصية المرموقة وعميد كلية الآداب آنذاك، ليترأس صحيفة الحزب التى أطلق عليها الاسم نفسه مقدمًا له كل الإغراءات، لكنه رفض فلم ييأس رئيس الوزراء وطلب من العميد أن يكتب افتتاحية العدد الأول فقط، فاعتذر الدكتور طه قائلا: (إن كتابتى فى جريدة الشعب تضرنا جميعًا ولا تنفع أحدًا، فليس من مصلحة الحكومة أن يعرف الناس أن الموظفين يكتبون فى صحفها، ولا ينبغى لعميد كلية من الكليات أن يسخر نفسه للكتابة فى صحف الحكومة، فيتعرض لازدراء الزملاء والطلاب جميعًا).

لم ينسها رئيس الوزراء وأسرّها فى نفسه، مبيتًا الغدر بالدكتور طه، ففى 3 مارس 1932 أصدر وزير المعارف حلمى عيسى باشا قرارًا بنقل طه حسين -عميد كلية الآداب- إلى وظيفة مراقب التعليم الابتدائى بالوزارة!

رفض العميد الانصياع للقرار الجائر ورفع قضية ضد الحكومة يطالب فيها «بتعويض عن فصله تعسفيًّا» كما جاء فى كتاب «فؤاد الأول.. المعلوم والمجهول» للدكتور يونان لبيب رزق الصادر عن دار الشروق 2005. هنا بالضبط بانت تفاصيل جديدة فى المشكلة حينما كتب عنها طه حسين فى الجرائد، حيث أوضح أن وزير المعارف طلب منه يوم 9 يناير 1932 أن تمنح الجامعة المصرية ألقاب الشرف لأربعة من «المصريين النابهين» بمناسبة زيارة الملك فؤاد للجامعة. رفض الدكتور طه مطلب الوزير لأن من رشحهم لنيل «ألقاب الشرف» مجرد مجموعة من السياسيين -وليسوا علماء أو مفكرين- الذين ينتمون لحزب «الشعب» إياه، وبجرأة معهودة خاطب الوزير قائلًا: (كما لا يرضى الجامعة أن تمنح ألقابها بأمر الوزير، ورجاه أن يعدل عن رأيه وألا يورط الجامعة فى السياسة، فهى ناشئة ومن حقها أن تكون لمصر كلها وللعلم وحده)!

المهم غضب الوزير واحتد، فى الوقت الذى اشتعلت فيه الجامعة، طلابًا وأساتذة، احتجاجًا على نقل الأستاذ العميد، فخرجت المظاهرات وعمَّ الإضراب الذى بدأه طلاب كلية الآداب ثم انضم إليهم طلبة كليتى الطب والعلوم. ومع ذلك لم يتراجع الوزير عن قرار نقل الدكتور طه حسين الذى فضح مؤامراتهم وألاعيبهم فى أحاديث أدلى بها إلى جريدتى «الأهرام والجهاد»، الأمر الذى أهاج حكومة صدقى، فعقدت اجتماعًا طارئًا يوم 30 مارس 1932 اتخذت فيه قرارًا هذا منطوقة: (فصل طه حسين أفندى الموظف بوزارة المعارف العمومية من خدمة الحكومة).

وبغض النظر عن الصياغة المهينة للقرار، فإن الطلاب والأساتذة والمثقفين المصريين والعرب لم ييأسوا، حيث أعلنوا أن طه حسين ليس عميدًا لكلية الآداب فقط، وإنما هو «عميد الأدب العربي» كله!

هكذا نال العميد لقبه المتلألئ من الشعب بجدارة، وظل محتفظًا به إلى الآن، أما الوزير ورئيسه فقد أسقطهما التاريخ من حسابه، وبقى طه حسين اسمًا براقًا ناصعًا فى وجدان أمة بأسرها!