رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

بين وقت وآخر تطل علينا مآسي إنسانية بانهيار عقارات على رؤوس سكانها، لتقتل من تقتل وتجرح من تجرح، ولا ينجو من انهيارها احد تقريبا، ويحدث هذا غالبا لأن أساس البيت لم يكن سليما، أو الأعمدة لم تكن قوية بما يكفى لتحتمل البنيان المرتفع فوقه، هكذا أبناؤنا يا سادة، لو لم نضع الأساس السليم لهم فى التربية والتعليم، لانهار بنيانهم فى المستقبل على رؤوس الجميع، مهما زينا وعلينا، وحاولنا الترميم فيما بعد، والحب هو اقوى أساس يمكن أن تبنى عليه ابنك، يأتى بعده الدعم الإيجابى والتشجيع، واتباع سياسة الثواب اكثر من العقاب، مع عدم الإفراط والمبالغة فى العقاب، حتى لا يفلت منك العقال، ويعتاد الطفل على تلقى التعنيف والإيذاء البدنى والنفسى، والإيذاء النفسى هو الأسوأ والأخطر على الطفل.

تناولت فى الأسبوعين الماضيين خطر أسلوب الإذلال والمن على طفلك بما تعطيه له، ومقايضة تفوقه فى الدراسة بهذا العطاء المادى أو المعنوى، دونما النظر إلى قدراته الذهنية ومستوى ذكائه، كما تناولت خطر دفع الطفل دفعا لأن يحتل الصفوف الأولى سواء فى الفصل أو التفوق فى الدرجات، ومقارنته دائمًا بأقرانه، ولومه وتأنيبه مع أى فشل فى تحصيل الدرجات، وعدم البحث الموضوعى فى الأسباب الحقيقية وراء تراجعه العلمى وتأخره فى الدراسة.

واتباع أسلوب التوبيخ المستمر والمقارنة السلبية، يخلق لدى الطفل نوعا من الإحباط النفسى، تتزايد خطورته كلما كبر، اذا ما استمر نفس أسلوب الوالدين، وهذا امر معروف لعلماء الطب النفسى، وأول مخاطر هذا الأسلوب، هو تحول الطفل إلى شخص عنيد غير مبالٍ بغضبك ومستمر فى فشله وفقدانه أى رغبة فى الاجتهاد ومغادرة مربع الفشل، لشعوره انه دائما مغضوب عليه، وان غيره افضل منه فى كل الأحوال مهما بذل المزيد من الجهد، أما الخطر الثانى والأبشع، هو أن هذا الطفل المحبط، سيتحول إلى عدو حقيقى لك مع الوقت، وسيكون كل هدفه فى الوعى واللاوعى أن يغضب والديه، ويحبطهما أيضا، وان يراهما فى حزن ونكد دائم، وسيتفنن كلما كبر فى أن يجعل أبويه تعيسين به وبخلفته «السودة»، ولا أبالغ اذا قلت إن هذا احد أسباب جنوح المراهق إلى الإدمان، وإلى الشلل الفاسدة، لتولد نوازع انتقام دفينة بداخله، ورغبة مكبوتة فى أن يؤذى مشاعر والديه بما يفعله، لانه تأذى وهو طفل كثيرا بما قالوه له، وعاملوه به، مما خلق لديه الشعور بالإحباط والفشل، وانعدام قيمة أى امر جيد ونافع يقوم به، وهذا الطفل عندما يكبر ينشأ إنسانا متمردا على كل ما هو مفروض وقانونى فى الحياة تمردًا لا موضوعيًا، أو يرفض كل شيء جيد فى الحياة، لمجرد الرفض والعناد.

من هذه الأسباب والمنطلقات، فإن التعامل بإيجابية مع الطفل، والتزام الهدوء فى التعامل معه، ومع أخطائه، وعدم المبالغة فى العقاب، وتدريبه على الاعتماد على نفسه، وعدم مقارنته بغيره بصورة سلبية، والتزام منهج التشجيع، سينشئ لدينا طفلا واثقا من نفسه وبمن حوله سواء فى محيط المدرسة أو المجتمع ككل، وسينشأ طفلا سلوكه طبيعى، لا يشاكس أو يشاغب لمجرد حب الظهور وإثبات الوجود، وسيكون منظم التفكير، واكثر التزاما بقواعد السلوك المجتمعية، وبأى ضوابط أخلاقية فى الحياة.

ويجب علينا كآباء التوقف عن ممارسة الضغوط النفسية على الأطفال، وعدم محاصرتهم بكلمة «ذاكر والا هتسقط وتفشل»، لأن تخويف الانسان من شيء، يجعله يكره هذا الشيء، كلما خوفناهم من الفشل والضياع، تمددت بداخلهم الكراهية للدراسة والتعليم، وسينتهز الطفل دائما كل الفرص التى سيجدها، ليتهرب من المذاكرة ومن التعليم حتى فى المستقبل، ويكتفى بشهادات متوسطة، أو قد يكرر سنوات الرسوب، الخوف والتخويف لا يعطى أبدا نتائج إيجابية فى حياة أى إنسان بالغ فما بالنا بالطفل، تلك الزرعة الخضراء التى ننميها ونربيها فى مناخ غير صحى نفسيا، فهذا الطفل لن يصبح بنيانا سويا فى المستقبل، حتى لو أنفقنا عليه كنوز الأرض، لن تجدى معه، لأننا بنينا على أساس خرب ومنهار ومحبط، و...للحديث بقية.

[email protected]