رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مكنونات الثقافة المصرية

 

 

دائمًا ما يردد الكثيرون «عند أم ترتر» كنوع من السخرية، عندما تكون هناك استحالة من أن تجد ما تبحث عنه. يرجع أصل تلك المقولة إلى «نفوسة» التى كانت تسكن فى إحدى حوارى كرموز، ومعروف عنها أنها من النساء التى تتطاول على الجميع بلسانها الطويل وشخصيتها القوية، كانت امرأة لا تخاف أحدًا، أنجبت «إسماعيل وإبراهيم ونبوية وترتر».

وكانت «أم ترتر» تملك فوق السطح مزرعة لتربية الفراخ والبط، وعندما كانت ديوك الجيران تقفز على سطح أم ترتر كانت تُفقد ولا يكون لها أثر، وعلى الفور تذبحها «أم ترتر» وتقدمها لزوجها على العشاء، وتقوم بإخفاء أثر الديك، وعند سؤال الجيران عن الديك المفقود يتم الرد بصوت منخفض «عند أم ترتر.. ربنا يعوض عليكوا»، ومن هنا جاء المثل الشعبى «عند أم ترتر» للدلالة على استحالة أن تجد ما تبحث عنه رغم أنك تعلم أين ذهب.

نحن الآن نعيش فى مجتمع أم ترتر، فاستحالة أن تجد ما تبحث عنه رغم علمك أين هو. وتتوالى علينا حكومات «تذبح الديكة» وتقدمها مطهية للسلطات والمحاسيب، حكومات تفرض المزيد من الضرائب والجبايات على المواطن الغلبان، وعندما يسأل المواطن عن مردود ذلك عليه، يُقال له «عند أم ترتر».

عند مطالبة المواطن المصرى برغيف خبز آدمى وبسعر معقول، وبكرسى لطفله فى المدرسة بدلًا من افتراشه الأرض، وبتعليم حقيقى، يُقال له عند «أم ترتر». وعندما يطالب بزيادة فى راتبه تتناسب مع الارتفاع المستمر فى الأسعار، وعندما يطالب خريج كلية التربية بحقه فى التعيين مدرسًا بدلًا من تعيين غيره بالحصة، عندما يطالب المواطن بشاشة تليفزيونية نظيفة خالية من المنافقين والمطبلاتيه، شاشة تحترم عقله وتلبى احتياجاته، وتتيح له مساحة من حرية التعبير عن رأيه ومشكلاته، شاشة خالية من العرى والانحلال، يُقال له «عند أم ترتر».

عندما يتساءل الشارع المصرى عن الدور الغائب لوزارة الثقافة فى تفعيل الأنشطة الثقافية، ورعاية المثقفين والمبدعين، وعودة الثقافة الجماهيرية إلى دورها فى تنمية الوعى الجماهيرى، وعن الفيلم المصرى والرواية المصرية والكتاب المصرى، عن تأخر مصر فى المجال الثقافى العربى والدولى، بعد ما كانت لنا الريادة فى الفن والثقافة، يُقال له «عند أم ترتر».

عندما يفشل بعض الوزراء فى إدارة ملفات وزاراتهم، مثل ملف التعليم قبل الجامعى وانهيار منظومة التعليم، وتزيَل مصر قائمة الدول فى جودة التعليم، وعندما يسعى الوزير إلى تضليل الرأى العام بتصريحات-عكس الواقع- تدَعى أن التعليم المصرى فى أزهى عصوره وأن الكثير من الدول (تتحايل علينا) لنقل التجربة المصرية إليها، ويصرخ الشارع مطالبا بالتغيير، يُقال لنا «عند أم ترتر».

عندما يملَ الشارع المصرى من اعتلاء وزير الأوقاف المنبر كل جمعة، كأنه مقرر علينا حتى ظننا أنه أصبح جزءًا من شعائر الصلاة، بالإضافة إلى ظهوره علينا يوميًا فى محطات الراديو وشاشات التليفزيون، ومحاربته لكل من يبزغ نجمه فى الخطابة ولكل من لا يأتمر بأمره من خطباء المساجد، عندما يطالب الرأى العام بإقالة هذا الرجل ومحاسبته، يأتيه الجواب «عند أم ترتر».

عندما نخاف من المطالبة بحقوقنا المشروعة ظانين أن الخوف يمنع الموت، والحقيقة أنه يمنع الحياة، عندما نستكين ولا نبالى بما يحدث حولنا، عندما نكتفى بالبكاء على الديكة المذبوحة، عندها نرفع القبعة لأم ترتر.