رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

 

من المفترض أن يكون أول يوم فى المدرسة من الأحداث الفريدة فى حياتنا.. ففى هذا اليوم نلتقى لأول مرة أشخاصا آخرين اسمهم المدرسون، غير الأم والأب، يتولون تربيتنا وتعليمنا.. ونكتشف فى هذا اليوم أيضاً أن لنا بيتًا آخر اسمه المدرسة تمتلكه الدولة، وهى التى تديره، غير البيت الذى ولدنا فيه، ويمتلكه والدنا، ونتعرف فيها على زملائنا الذين سيصيرون أصدقاء العمر كله.. وكأننا فى هذا اليوم نولد مرة أخرى من جديد فى بيت الحكومة!

فهل يمكن أحد ينسى هذا اليوم التاريخى فى حياته.. خصوصًا عندما يخرج من بيت الرحمة وحنان والديه إلى دار تربية وتعليم الدولة..؟!

وزمان، قبل 50 سنة، كانت هذه الرعاية مثالية، وكان الجيل مثالى كذلك، وأتحدث هنا عن أبناء جيلى، من كل الطبقات، فى ربوع مصر كلها، والذين لم يعرفوا من المدارس سوى الأميرى أو الحكومية.. والذين ذهبوا بمفردهم إلى المدرسة فى هذا الصباح دون أن يكون معهم أحد.. لا أم ولا أب.. ربما فقط أشقاؤهم الذين سبقوهم بعام أو عامين فى نفس المدرسة!

لم نعرف أيامها ظاهرة اقتحام المدارس من الآباء والأمهات الحالية، مع أن المدارس كانت حكومية عادية.. والجميع يتعلم فيها سواسية، فى فصل واحد وعلى نفس التختة.. أبناء الفقراء بجانب أبناء الأغنياء، وكذلك أبناء الطبقة المخملية مع أبناء الطبقة الوسطى مع أبناء الفقراء ومن هم تحت الفقر كذلك.. وكان من العادى والطبيعى أن يجلس ابن مأمور مركز الشرطة، أو رئيس مجلس المدينة بجوار ابن العسكرى فى نفس المركز، أو الساعى فى المجلس.. ولم نر أحد من هؤلاء الكبار يأتى المدرسة لاختيار مكان مميز لأبنائهم على حساب أبناء الفقراء!

ورغم مرور كل هذه السنوات، ولا أعرف كيف، لم أنس هذا اليوم الأول فى المدرسة.. حيث نظم المدرسون دخولنا فى كل الفصول، من الصف الأول إلى السادس بسلاسة وهدوء.. ووقف كل مدرس أمامه فصله، وبعد انتهاء طابور الصباح قادنا حتى باب الفصل، الذى توقفنا عنده، ومن داخل الفصل بدأ ينادى على اسمائنا اثنين.. اثنين ويقوم بإجلاسنا بهدوء وسلاسة يخفف عنا رهبة المدرسة لنتعلم أول دروس عن النظام قبل الحروف والأرقام!

وفى المقابل كانت هناك مدارس متميزة كذلك بنظامها ونظافتها هى مدارس الراهبات، ويدخلها التلاميذ المسلمون والمسيحيون معًا مجانا، أو بمصروفات قليلة فى مقابل تعليم وتربية يفوق الوصف.. وفى الثمانينيات اتجهت جماعة الإخوان لاستثمار جزء من ثرواتهم الطائلة، كنوع من غسيل الأموال، فى المدارس، كانت معروفة بالمدارس الإسلامية من اسمائها، وبالطبع ممنوعة على غير المسلمين، وكذلك ممنوعة على بنات المسلمين غير المحجبات.. ومن هنا بدأت اللخبطة فى التعليم والسلوكيات وفى الأفكار، فقد انتشرت مدارس اللغات أو الناشيونال والإنترناشيونال، التى كانت قبل ذلك قليلة جدًا وفى القاهرة فقط، ولا يدخلها سوى الطلاب الخايبين!

وأخيرا وصلنا إلى ذروة هذه اللخبطة باقتحام أولياء الأمور المدرسة فى الفجر، لاختيار أماكن لأبنائهم، ويقوم بعضهم بإحضار جنزير لربط المقاعد بالتخت، وكتابة الأسماء عليها حتى لا يستولى عليها الآخرون.. عملية حربية تعيسة، وصراع بائس، وسلوكيات فقيرة، وتفكير قاصر.. مع أن لا المدرسة ولا الفصول ولا حتى التعليم الذى يحصلون عليه يستحق كل هذا الهجوم.. وللأسف أن أول درس يعلمه أولياء الأمور لأبنائهم فى يومهم الأول بالمدرسة هو كيف تأخذ الحق بالعافية، وكيف تتعدى على حقوق الآخرين، وأن الفوضى هى السلوك الصحيح، والبلطجة هى أقصر الطرق للنجاح، والفهلوة هى الوسيلة الوحيدة للتفوق!

[email protected]