عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مكاشفات


كنت قد تحدثت في مقالي السابق "الاكتئاب والوصم المجتمعي" عن خطورة فكرة الوصم المجتمعي للمريض النفسي والاستهانة به والتقليل منه وخاصة مريض الاكتئاب وكأنه عارٌ ينبغي إقصاؤه من حركة المجتمع مما يعزز فكرة الانتحار بداخله للهروب من كل هذه الضغوطات، النفسية من جهة والمجتمعية من جهة أخرى.
والانتحار بات للأسف ظاهرة ملحة في مجتمعنا تدق ناقوس الخطر خاصة بين الفئات العمرية الشابة والذي يتم بنوعيه إما بالطرق الناعمة أو ما يسمى بالماسوشية الناعمة (تعذيب الذات) أي بطرق لا تُحدث ألما كبيرا كابتلاع كمية كبيرة من الدواء أو ما يُسمى بالماسوشية الخشنة كالإقدام على إلقاء الشخص نفسه من مكان عالٍ أو في الماء أو قتل نفسه بسلاح ناري.
ونشرت منظمة الصحة العالمية تقريرا عن ظاهرة الانتحار حول العالم، وجاء في التقرير أن شخصا واحدا ينتحر كل 40 ثانية، ليصل العدد طبقا للتقرير إلى 800 ألف شخص إلى مليون سنويا، أي أكثر من الذين قتلوا في الحروب وعمليات القتل أو سرطان الثدي.
والمثير في الأمر أن التقرير أوضح أن البلدان ذات الدخل المرتفع، لديها معدل أعلى لحالات الانتحار أكثر من غيرها من البلدان ذات الدخل المتوسط.
إذ أن الانتحار ليس مقصورا كما يظن البعض على الفئات التي تعاني الفقر والعَوَز بل قد يطول أناسا امتلكوا كل أسباب الراحة وذاقوا كل ملذات الحياة.
ولنا في ذلك وقفة ممزوجة بتعجب واندهاش! إذ كيف ذلك؟
قرأت من فترة تساءل ويليام ستايرون الروائي الأمريكي في كتابه Darkness visible فكتب متعجبا: كيف يمكن لصديقه الكاتب المرموق والدبلوماسي السابق والمتمتع بحياة رغدة وصاحب العلاقات النسائية المتعددة أن يكون نفسه هذا الشخص الذي قرر إنهاء حياته برصاصة في المخ؟ فإذا كان شخص مثله قرر أن الحياة لا تستحق العيش أليس من الممكن أن يحدث هذا لأي شخص؟
ولا أنكر أني قد تحيرت كثيرا في الإجابة عن تساؤل ستايرون في حال صديقه ولكني أعتقد أني وجدت الإجابة عند المفكر الروسي تولستوي في كتابه طريق الحياة حينما قال أن آفة البشر هي الإفراط، الإفراط في إرضاء الجسد على حساب الروح، فخدمة الجسد تضر بالروح.
فكلما أرضى الإنسان احتياجات جسده كلما ضعفت قوى روحه والعكس صحيح، فالإنسان بداخله حياة جسدية وأخرى روحية فما إن تصل الحياة الجسدية إلى كمالها بتحقيق إشباع مفرط لكل حاجاتك حتى يضعف الإنسان تماما ويزداد الضعف أكثر فأكثر حتى يصل الإنسان للموت.
فالاكتئاب مرض شديد التعقيد، فأسبابه وآثاره يصعب حصرها لأن كل حالة لها خصوصية شديدة، لكن من المهم جدا استيعاب تلك الحالات والعمل الجاد على إيجاد حلول تمدهم بقبس من نور يضئ لهم ظلام دروبهم، ومن هنا أكرر دعمي لأي مبادرة لعلاج الاكتئاب و الحد من الانتحار، وأرى أن نبدأ في عمل إحصاءات رسمية حول معدلات حالات الانتحار وأسبابه.
وتعميم فكرة تقبل المرض النفسي والذهاب للطبيب النفسي من خلال التعليم ووسائل الإعلام والدراما والسينما لرفع مستوى الوعي، والحد من القوالب النمطية.  وعدم عرض فكرة الانتحار بتاتا ولا طرقه كسبيل للخلاص من الاكتئاب لا في الروايات ولا في الدراما أو الأفلام.  وإنشاء مراكز ومصحات لعلاج الاكتئاب بدرجاته كمراكز علاج الإدمان مثلا وتدريب القائمين عليها تدريبا علميا سليما، مراكز بها متخصصين في الصحة النفسية، أطباء يقدمون خدمات علاجية للمرضى، وبها أيضا رجال دين مدربين على التعامل مع نفس الحالات لإحياء الأمل في النفوس وشحن الروح من جديد وبها أيضا أماكن لممارسة الهوايات، كل ذلك لتقليص فكرة الانتحار وتقديم العون لشحذ الإرادة والهمم وربط من يعاني الاكتئاب بالحياة من جديد.

[email protected]