رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

 

 

علينا الاعتراف بشجاعة أن كثيرًا منا يتعامل الآن مع فضيلة إتقان العمل باستخفاف لا يليق، وأن عدد الذين يخلصون فى أداء ما يكلفون به فى تراجع مخيف، كما أن الحرص على أن تخرج أعمالنا للناس كاملة الأوصاف بات لا يقلق أحدًا، وكلها أمور شائنة تنذر بخطر متزايد على حاضرنا ومستقبلنا.

إن من يقرأ تاريخنا نحن المصريين يكتشف بسهولة كيف كان المصرى القديم يعكف على عمله حتى يتجلى مكتمل الأركان، وإذا ناله التعب والإجهاد، لا يعلن تذمره ولا يجاهر بضجره، بل يواصل انكبابه على ما بين يديه، فالعمل المتقن لدى الإنسان المصرى هو الهدف المنشود، وقد ترك لنا أجدادنا الغابرون مئات الآلاف من الآثار المذهلة، ولعلك تندهش حين تعلم أن متاحف العالم تضم نحو 750 ألف قطعة أثرية أبدعها المصريون القدماء.

أرجو ألا تظن أن فضيلة إتقان العمل أمرها اقتصر فقط على المصريين القدماء الذين شيدوا معابد الكرنك وأبوسمبل وهأبووغيرها، فلما سقطت الحضارة المصرية القديمة قبل ألفى عام ذابت تلك الفضيلة وتراجع الإيمان بها، فهذا الظن غير صحيح، فما تركه لنا الأوائل فى العهدين المسيحى والإسلامى يؤكد أن (جينات) إتقان العمل تتغلغل فى أوردة المصريين وشرايينهم، وأنها تنتقل معهم بسهولة من قرن إلى آخر، فمن يتأمل براعة المعمار فى الكنيسة المعلقة بمصر القديمة أو جامع الأزهر أو مسجد السلطان حسن يعتريه الذهول من روعة التصميم وفرادة كل صرح بزخارفه ونقوشه ومحتوياته.

أما إذا مررنا سريعًا على ما أنجزناه فى القرنين الماضيين، فسنلمس بيسر مدى إخلاص المصريين لفضيلة إتمام العمل على أكمل وجه، سواء فى العمارة أو الحرف أو الصناعات اليدوية أو حتى الأعمال المسرحية والسينمائية والإذاعية، مثلما كان يكد كل فلاح فى حقله ليضمن الظفر بأفضل محصول.

حسناً... ماذا جرى إذن فى ثلث القرن الأخير؟ كيف غدونا لا نتأفف إذا سلمنا عملنا دون لمسة الكمال، ولماذا لا ننزعج من حجم الانتقاد الذى يوجه لنا بسبب القصور الذى ينتاب أعمالنا فى مجالات كثيرة مثل: الإدارة والتخطيط والمرور والنظافة والسياحة والمؤسسات الخدمية والمدارس والجامعات والشركات والفن والأدب والرياضة والإعلام والصحافة إلى آخره؟

فى ظنى أن السبب الأبرز فى تراجع فضيلة إتقان العمل يعود إلى الشعور بالظلم، فالمرء الذى يجتهد ويكد ولا يجد التقدير اللائق، يزلزله الظلم خاصة إذا رأى أن الشخص غير الكفء يتلقى الحفاوة والمال والتقدير بغير حساب، ومن أسف تفشى الفساد فى الأرض، فلم يعد لكل مجتهد نصيب إلا فيما ندر، الأمر الذى جعل المرء ينتهى من العمل المكلف به دون اهتمام ودون تجويد، مادام الطريق فى النهاية مسدودة أمام حصوله على ما يستحق من اهتمام وتبجيل وتكريم.

أجل... كم نحتاج إلى استرداد فضيلة إتقان العمل، ولن ننجح فى هذه المهمة الثقيلة إلا بإشاعة العدل بين الناس، فمن يعمل على تجويد عمله يكافئ ويحترم، ومن يستخف بما بين يديه من أعمال يحاسب ويعاقب. إن العدالة هى الأداة الصارمة فى بث روح الهمة فى أنفس الملايين ووجدانهم، إذ من الصعب أن تطلب من الرجل تقديم أفضل ما لديه، بينما تقول الظروف المحيطة به أنه لن ينال ما يستحق من اهتمام وتقدير، فالظلم يطفئ لهيب الرغبة فى الإنجاز الدقيق.

على أية حال، ليس عندى شك فى أننا قادرون على استرجاع بهاء تلك الفضيلة المنسية، لأننا شعب ذو تاريخ عريق وماض قريب مدهش، لذا لا يصح أن ينطبق علينا قول المتنبى قبل ألف عام:

ولم أرَ فى عيوبِ الناسِ عيبًا كنقصِ القادرين على التمام.