رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

لا أكرهه، ولكنى لا أعشقه، لا يغفر له عندى أنى ولدت ونشأت فى جنوب مصر «الصعيد» ومفترض أنى اعتدته فى أقسى حالاته، وليس سبب عزوفى عن حبه، انى عشت ريعان الشباب كله فى بلد أوروبى بارد ممطر، ولكن لأن تعاملات البشر فيه مع بعضهم البعض تزداد حدة، أنفاسهم تضيق بالصدور، ومع الزحام تتزايد المشاحنات والشجار، ويصبح أغلبنا كما يقول المثل الشعبى «تحط الفولة على مناخيره تفرقع»، الحر يلجئ الناس إلى الكسل، وإلى اختلاق الأسباب للبقاء بالبيوت تحت أجهزة التكييف أو أمام المراوح، وكان الله فى عون الغلابة، الذين بلا مكيفات ولا مراوح، ويقال عن هذا «فى الحر ينام الرعاة عن القطيع».

ورغم هذا جاءت امتحانات الثانوية العامة تحمل معها سخونة أشد، استقطبت المصريين، وأصبح الحديث عن صعوبة امتحان اللغة العربية هو الشغل الشاغل لكل الأسر، حتى تلك التى لم يصبها الله ببلاء الثانوية العامة هذا العام لأحد من أبنائها، وضجت وسائط التواصل الاجتماعى بالنقد الجاد وأيضا الساخر، لمستوى الامتحان المعقد، وما ورد به من ألغاز، وانطلقت الدعوات مع الزفرات أن ينقذ الله المصريين من عقدة الثانوية العامة، وتنفك، لتصبح شأنها شأن مرحلة دراسية قبل الجامعية فى أى بلد آخر متقدم، بلا رعب أو تهديد من ضياع مستقبل الطلاب.

ونجحت قطة «بلدى» فى استقطابنا من حديث الحر، وأفردت لها وسائل إعلام عديدة المساحات، الفنانة سماح أنور سمعت صوت استغاثة فى شقة مغلقة، ليس بها بشر، فهرولت ومعها صديقتها الفنانة انوشكا لإنقاذ صاحبة الصوت، وعندما فشلتا، استنجدت سماح بشرطة النجدة، التى هرعت إلى مكان الحادث، ومعها رجال الإطفاء، الذين عرضوا حياتهم للخطر، وقاموا مشكورين بإنقاذ صاحبة الاستغاثة وهى قطة «بلدى» والحمد لله، وتبا للحاقدين والفقراء والمعقدين الذين ملأوا السوشيال ميديا سخرية، وتبا لأفكارهم السوداء، وتبريرهم سرعة انتقال الشرطة والإطفاء لإنقاذ القطة، لأن البلاغ قادم من «كومباوند» بحى راق، أو لأن الفنانة مثلا «زلف» لسانها عفويا، وعرفت متلقى اتصالها بأنها سماح أنور، أو... أو، كل تعليقاتكم «صفراوية»، الشرطة والإطفاء قاموا بواجبهم لتلبية استغاثة، وإنقاذ مخلوق، إنسان، قطة، عصفور كنارى، مفيش فرق، ومفيش داعى للمقارنات العجيبة إياها، والحديث عن إنقاذ مرضى هنا، أو مصابين هناك، أو إنقاذ ولاد الشوارع من ولاد الحرام، دى نقرة، وكل هذا نقرات أخرى، وما حدث بداية مبشرة إننا «خلاص» سنتقدم وسنصبح مثل الغرب فى الاهتمام بكل المخلوقات! وهى قصة ساخنة سرقتنا من سخونة الجو.

أما القصة الأكثر سخونة، والتى لا تلهينا عنها نيران الصيف، قصة السد، وتعب الأعصاب و«هرى» الكلام حوله، والصلف الإثيوبى، وخذلان مجلس الأمن لنا، وإعادة القضية لحوار أفريقى مارسناه أكثر من عشرة أعوام دون جدوى، الموقف صعب، الملء الثانى للسد بدأ فى 4 الجارى، وسينتهى يوم 20، وبذلك يبدأ الفيضان من أعلى الممر الأوسط بارتفاعه الجديد الذى يصل إلى 573 مترا، التخزين الثانى سيكون ثلاثة مليارات متر مكعب، وفقا لتوقعات بل أقول أمنيات خبراء مصريين بدلا من 13.5 مليار متر مكعب، لكن إثيوبيا تتحدى وتقول إن الملء سيسير وفقا لما تقرره هى، مع تعلية الممر الأوسط بصب 8 أمتار جديدة من الخرسانة، وحاليا البوابتان السفليتان فى السد لا تمرر لدولتى المصب مصر والسودان سوى من 50: 60 مليون متر مكعب يوميا، وهى كميات أقل بكثير من حصص الدولتين، سيظل فتح البوابتين طوال فترة التخزين الثانى، بعدها لا يعلم سوى الله وبعده إثيوبيا ماذا سيحدث، إثيوبيا نجحت فى المماطلة فى المفاوضات، حتى دخلت فى الملء الثانى، وتجاوزت الخط الأحمر والآن ليس أمام مصر والسودان إلا خيارين، إما القبول بالعطش وفقر المياه من آثار مدمرة لكل الحياة، وإما القبول بالغرق، نحن كشعب على ثقة فى حكمة القيادة السياسية، والآن ماذا بعد؟، القضية ساخنة، سخونتها أكثر من سخونة الجو، فلا الرعاة ناموا ولا الرعية، إنه مصير ومستقبل أمة.

[email protected]