رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

 

 

 

احتل الصيف بسخونته ولزوجته وفواكهه وأزيائه مساحة لا بأس بها فى تاريخ السينما المصرية، ولا عجب فى ذلك، فبلادنا تتعرض لقذائف الصيف لمدة تزيد على ثلاثة أشهر كل عام، الأمر الذى ينعكس على سلوك الناس وتصرفاتهم وحياتهم، حتى الإسكندرية، بوصفها المصيف الأشهر، كان لها نصيب معتبر فى ذاك التاريخ السينمائى العامر بالأفلام الجميلة، فكم من مخرج اختار تلك المدينة الساحرة ليدير فى أجوائها وعلى شواطئها وقائع أفلامه.

كما أن الصيف يعد الموسم المثمر لصنّاع الأفلام، إذ يهرع طلاب المدارس والجامعات، أكبر زبائن هذه الصناعة، إلى ارتياد دور العرض والتمتع بالأفلام الجديدة، فإجازة الصيف طويلة، والملل يمزق الحواس، ولم يخترع الإنسان أجمل من السينما ليرفه عن نفسه ويتخفف من غبار السأم، لكل ذلك كان من الطبيعى أن يستحوذ الصيف بطقسه المميز على حصة كبيرة فى عدد الأفلام المصرية (طوال القرن العشرين أنتج المصريون 2865 فيلماً كما ذكر المؤرخ والناقد محمود قاسم فى موسوعته عن السينما).

هذا الحضور الطاغى للصيف دفع بعض المخرجين إلى إنجاز أفلام تحمل اسم الصيف بوضوح مثل (فى الصيف لازم نحب 1974) للمخرج محمد عبدالعزيز، و(صيف تجريبى 2017) للمخرج محمود لطفى، ولعلك تذكر المسرحى الإنجليزى عظيم الشهرة شكسبير (1564/ 1616) الذى كتب مسرحيته اللطيفة (حلم ليلة صيف)، وما أكثر ما شاهدنا على الشاشة الشواطئ المكتظة بالمصطافين.

ومع ذلك هناك فيلم متفرد فى تاريخنا عن الصيف ليس له شبيه اسمه (البنات والصيف) تم عرضه فى عام 1960، عندما كان عدد المصريين نحو 28 مليون نسمة، وسأشرح تواً سبب تفرده.

هذا الفيلم طويل بشكل لافت، فمدة عرضه نحو ساعتين ونصف الساعة، وهو عبارة عن ثلاث قصص منفصلة كتبها جميعاً إحسان عبدالقدوس وأعدّ كل قصة منها للسينما كاتب مختلف، كما حقق كل قصة مخرج مختلف أيضا بطاقم عمل مختلف من الممثلين، وهو أمر نادر فى حياتنا السينمائية. أما ما يجمع هذه القصص الثلاث المتباينة فهو أن أحداثها كلها تدور فى الأسكندرية أثناء شهور الصيف.

الفيلم أنتجه عبدالحليم حافظ ومدير التصوير وحيد فريد، والقصة الأولى أخرجها عز الدين ذوالفقار ولعب بطولتها كل من مريم فخر الدين وكمال الشناوى وعادل خيرى صاحب الحضور الشحيح فى السينما رغم موهبته المسرحية المتفجرة. فى حين أنجز القصة الثانية المخرج صلاح أبوسيف ولعب بطولتها حسين رياض وسميرة أحمد، أما القصة الثالثة فقام بالبطولة عبدالحليم حافظ وزيزى البدراوى ويوسف فخر الدين وسعاد حسنى التى تقمصت شخصية شقيقة حليم.

يتراوح زمن كل قصة ما بين خمس وثلاثين، وأربعين دقيقة، وإن كانت قصة عبدالحليم أطول نسبياً، كما أن البحر الأبيض المتوسط بشواطئه الجميلة يمثل الجانب المشترك الأعظم فى القصص الثلاث، ولعل مشاهدة الفيلم الآن بتركيز توضح لنا كيف كان الناس فى مصر يتعاملون وطبيعة ملابسهم ومشكلاتهم وأحاديثهم قبل ستين سنة!

اللافت أن عبدالحليم ترنم فى قصته بأغنيتين من أجمل أغنياته هما (جواب) و(راح) اللتين كتبهما مرسى جميل عزيز وتولى كمال الطويل صياغتهما اللحنية، ومع ذلك يبدو لى أن الفيلم لم يحقق النجاح المأمول، فهذه التجربة الغريبة لم تتكرر إلا مرات نادرة فى حياتنا السينمائية، وأعنى فيلماً واحداً بقصص وممثلين مختلفين.

أما الخاسر الأكبر فى هذا الفيلم فهى الفنانة الرقيقة زيزى البدراوى، فقد كانت فى بداية حياتها الفنية، وكانت نجمة جميلة واعدة تنتظرها بطولات كثيرة، لكنها فى (البنات والصيف) خانت عبدالحليم ونفرت منه، فبادلها عشاق حليم، وهم كثر، نفوراً بنفور، وهكذا خاصمها الجمهور وقاطعتها السينما.

وكل صيف وأنت طيب.