رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هموم وطن

 

على مدى نصف قرن من الزمان عايشت الفلاح طفلا وعايشته شابا ثم رجلا، وها أنا ذا اقترب من العقد السادس ولازلت اترحم على أيام ربما لم تعد مرة أخرى، وربما لو عادت فلن تجد فلاح الزمن الجميل.. وبشىء من الإيجاز سأتحدث عن كل مرحلة فى سطور قليلة.. عايشت الفلاح طفلا فى قريتى وأنا أراه يركب حماره ويمسك فى يديه عددا من الأحبال، ينتهى كل حبل منها برأس جاموس أو بقرة، يذهب بها إلى حقله مع شروق الشمس صباحا ويعود بها مساء، وكانت أمى رحمها الله تنبه علينا بعدم اللعب فى الشارع وقت الغروب خوفًا علينا نظرًا لكثرة عددها، وكان عشاؤنا دائمًا أرزا باللبن أو بليلة أو خبزا باللبن لأن معظم منازل القرية وقتها كانت تربى الأبقار والجاموس.

 

 ولا أنسى مواسم الحصاد التى كنا نلهو ونحمل فوق الأكتاف فى مرحلة الشباب ما يسمى (الخزين) من الذرة الشامى والرفيعة والقمح، وكانت البيوت عامرة بجميع أنواع الطيور وكان المزارع على قدر مشقته، يرى عزه ومكانته بين جميع فئات المجتمع، فالماشية تلد والخراف تلد والمنزل عامر والحقل به كل المزروعات، وفى غضون الثمانينيات من القرن الماضى وبعد أن ظهرت على الجميع اثار الانفتاح الاقتصادى المشئوم كانت أول كارثة من كوارثه هى سفر المزارعين إلى دول الخليج ليعودوا بالجهود المنزلية وعلى رأسها التسجيل والتليفزيون ثم العودة مرات ومرات لبناء منازل لا تصلح فيها تربية الماشية ولا تنفع معها الأفران البلدية.

 وبدأت مصانع الطوب تجرف الأراضى لتبويرها والبناء عليها، فى ظل انشغال الحكومات المتعاقبة بتوفير احتياجاتنا من القمح والذرة والفول والعدس، بعد أن تراجعت هذه المحاصيل الاستراتيجية وبدأت مرحلة التخلى عن الدورة الزراعية المتمثلة فى القمح والذرة والفول لننصاع لنصائح الوزير يوسف والى الذى ترك للفلاح حرية الزراعة وتفضيل الكنتالوب والفراولة على القمح والذرة، ووصلنا لمرحلة هجرة المزارع للأرض والبحث عن وظيفة فى البلدية، لينتهى تاريخ الفلاح المصرى صاحب أشرف وأطهر مهنة بين اشارات المرور يمسك فى يده مقشة ويتسول بالأخرى من قادة السيارات، ومن تبقى منهم لا يزال قابضا على فأسه يزرع زرعته بالدين ليقدمها هدية للتجار والسماسرة الذين يلتهمون شقاء موسم بالكامل بالمناصفة معه، نظير نقل المزروعات من الحقل إلى السوق، ليكتشف فى النهاية أن محصلة العملية التسويقية لم يهنأ بها سوى التجار والسماسرة، الذين يتنقلون بين الحقول بسيارات حديثة فى نفس الوقت الذى يجلس فيه المزارع على قارعة الطريق ممسكا بحماره، خوفًا من أن يطاله أذى جشع التجار وقوة عجلات سياراتهم حتى لا ينطبق عليهم المثل المعروف الذى يقول.. موت يا حمار.

لنصل فى النهاية إلى الحقيقة المؤلمة التى تقول.. طالما السماسرة والتجار يركبون السيارات والمزارع ما زال لا يملك إلا حماره.. فهناك شىء خطأ يحب الانتباه إليه.